تأخر تفعيل مؤسسات استشارية دستورية يثير تساؤلات حول "هدر الزمن"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على الرغم من مرور ما يقرب من 14 سنة على صدور دستور 2011 بالمغرب، إلا أن مجموعة من المؤسسات الدستورية التي أشارت إليها الوثيقة الدستورية ما تزال مجمدة ولم تخرج بعد إلى العلن، ما يجعل فئات مجتمعية تتمسك، على الدوام، بإطلاقها في أقرب وقت ممكن، وذلك بالنظر إلى طبيعتها الاستشارية وأدوارها المهمة في توجيه السياسات العمومية.

وانتقدت فئات مجتمعية ما اعتبرته “هدرًا للزمن” في إخراج هذه المؤسسات المنصوص عليها في صلب الدستور إلى أرض الواقع، موضحة أن “إخراجها خلال السنوات الماضية كان بإمكانه المساهمة في بناء سياسات عمومية فئوية أكثر صلابة”.

وينص دستور المملكة لسنة 2011 على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي (الفصلان 33 و170)، فضلًا عن المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (الفصل 169)، ثم هيئة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز (الفصلان 19 و164)، إلى جانب المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية (الفصل 5).

ولم تر هذه المجالس النور بعد، رغم كون القوانين التنظيمية الخاصة ببعضها قد صدرت بالجريدة الرسمية قبل سنوات، وهو ما يجعل العديد من الفئات بالمغرب تنتظر مباشرة هذه المؤسسات لعملها، وذلك وفقًا لأحكام الدستور وبالنظر إلى كون عملها يتماشى مع فلسفة “دعم منسوب التنمية البشرية والديمقراطية التشاركية، فضلًا عن ضمان الحقوق والحريات”.

“هدر للزمن”

أمينة التوبالي، فاعلة حقوقية باحثة في قضايا المرأة والطفولة، قالت إنه “جرى هدر كبير للزمن منذ دستور 2011، إذ لم نتمكن بعد من إخراج عدد من المجالس والهيئات التي نص عليها، ونحن اليوم في السنة الرابعة عشرة بعد إقراره، مما يُظهر نوعًا من التعامل الجاف للحكومات المتعاقبة مع الأمور المتعلقة بالمرأة والطفولة والشباب كذلك، على سبيل المثال”.

وطالبت التوبالي، في تصريح لهسبريس، السلطة التنفيذية بـ”الإسراع في تطبيق منطوق الفصل 19 من الدستور، الذي ينص على إخراج هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز إلى حيز الوجود من أجل القيام بالأدوار الطلائعية المنوطة بها، والدفع بعجلة إنصاف النساء إلى الأمام، على اعتبار أن هذا المقتضى الدستوري ينتصر كذلك للتمكين السياسي والمؤسساتي للنساء بالبلاد”.

كما ذكرت أن “هذا التأخر الحاصل في معالجة أمور هذه المؤسسات يوضح كيف أن الحكومات المتعاقبة لا تتوفر على استراتيجية محددة وواضحة بخصوص فئات معينة بالمغرب، على رأسها النساء ثم الشباب والطفولة؛ فنحن في نهاية المطاف أمام مقتضيات دستورية يجب أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وهو ما كان يجب أن يتم على عجل منذ صدور الدستور وصدور القوانين التنظيمية الخاصة ببعض هذه المؤسسات”.

تجويد السياسات

بدوره، انتقد عبد الواحد الزيات، رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، “عدم إخراج المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي إلى حيز الوجود حتى الآن، على اعتبار أن دستور 2011 كان قد أشار إليه، وكان قد ألزمه بممارسة مجموعة من الأدوار الهامة”، موضحا أنه “لو كان هذا المجلس مُؤسَّسًا خلال السنوات الماضية، لتم الاحتكام إليه بخصوص عدد من السياسات العمومية التي همت فئة الشباب”.

وأكد الزيات، في تصريح لهسبريس، أن “عدم إخراج هذا المجلس إلى أرض الواقع، إلى جانب هيئات أخرى، ترك فراغا واسعا أثّر على جودة العديد من السياسات العمومية التي تستهدف فئات معينة، وعلى رأسها الشباب، ونحن نرى كيف أن تقارير وتحليلات تُبيّن أن هذه الفئة تأثرت بعدد من السياسات”، مشيرا إلى أن “علامات استفهام كبرى تظل مطروحة بخصوص مستقبل المجلس المذكور، وبخصوص من له المصلحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه دون السعي إلى إخراج هذا المجلس إلى حيز الوجود”.

سلطة تقديرية

من جانبه، قال رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، إن “إخراج هذه المؤسسات إلى حيز الوجود يعتمد على التفاعلات داخل الحكومة والتفاعلات السياسية كذلك بالمغرب ككل، مما قد يُفسّر عدم إخراج هذه المؤسسات حتى الآن”، مذكّرا بأن “المؤسسات ذات الوضع الاستعجالي التي نص عليها الدستور كذلك، تم تأسيسها بشكل مستعجل منذ سنوات”.

وأضاف لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “الحكومات المتعاقبة هي التي تتحمل المسؤولية في عدم إخراج هذه المجالس والهيئات إلى حيز الوجود”، موضحا أن “من مسؤولية الحكومة الحالية كذلك عدم إخراج هذه المؤسسات إلى أرض الواقع”.

ورغم رفضه وصف هذه الوضعية بـ”الفراغ التنظيمي”، أكد الأستاذ الجامعي ذاته “وجود مؤسسات انتهت الجوانب القانونية الخاصة بها، بعدما صدرت قوانينها التنظيمية، في انتظار تفعيلها بشكل رسمي”.

وتابع: “14 سنة بالنسبة للمجتمع المدني هي مدة كان من الواجب خلالها إطلاق كل هذه المؤسسات المنصوص عليها ضمن فصول الدستور، بينما تبقى بالنظر إلى عمر الدولة قصيرة نسبيا”، مشيرا إلى أنه “كان من المفترض، على العموم، أن تكون هذه المؤسسات قد خرجت إلى حيز الوجود قبل سنوات، بالنظر إلى أهمية المهام المنوطة بها”.

وأوضح رشيد لزرق أن “الدستور نفسه لا يحدد آجالا واضحة بخصوص إخراج هذه المؤسسات إلى حيز الوجود، بل يحدد فقط آجال القوانين التنظيمية الخاصة بها في خمس سنوات”، مبرزا أنه في ظل هذا السياق الحالي، فإن “إطلاق هذه المؤسسات يبقى في إطار السلطة التقديرية للسلطة التنفيذية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق