استعرض هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، مسار المملكة المغربية بخصوص التوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، وذلك في ندوة رفيعة المستوى حول مسألة “مساهمة السلطة القضائية في تعزيز حقوق الإنسان ومسألة عقوبة الإعدام”، خلال أشغال الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف.
وأكد هشام ملاطي أن “المملكة المغربية تشهد، على غرار الدول التي تقر بسيادة الحق وتكرس سلطة القانون، تحولا جوهريا على مستوى التعامل مع عقوبة الإعدام تشريعا وممارسة منذ التوقف الفعلي عن تنفيذها سنة 1993، أي منذ ما يفوق ثلاثة عقود من الزمن”، مضيفا أن “موضوع عقوبة الإعدام هو موضوع جديد قديم بين مؤيد ومعارض لإبقائها”.
وكشف مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل أن عدد المحكومين بالإعدام في المغرب يبلغ 86 شخصا، من بينهم امرأة واحدة، وهي نسبة ضعيفة، إذ لا تتعدى 0.1 في المائة من مجموع الساكنة السجنية في المغرب، مشيرا إلى أن جل القضايا المحكومة بالإعدام مرتبطة بجرائم الحق العام بالغة الخطورة بنسبة 80 في المائة، فيما نسبة 20 في المائة المتبقية ترتبط بجرائم التطرف والإرهاب.
سنويا، تصدر محاكم المغرب 8 أو 9 أحكام تتعلق بالإعدام، بينما في 22 دائرة استئنافية لا تسجل أي حالة حكم بعقوبة الإعدام طوال السنة، فيما تتمركز غالبية الأحكام المتعلقة بهذه العقوبة في محور الدار البيضاء والرباط، على اعتبار المحاكم المتخصصة في المدينتين، خصوصا تلك القضايا المتعلقة بالإرهاب والتطرف.
وسجل ملاطي، في نقاش أممي رفيع المستوى حول عقوبة الإعدام، أن من بين الممارسات الفضلى إحالة جميع القضايا المعاقب عليها بعقوبة الإعدام على قضاء التحقيق، فضلا عن أن جل القضايا تمر بجميع مراحل التقاضي، إضافة إلى أن النيابات العامة تتقدم بطلبات العفو تلقائيا في الأحكام الصادرة بالإعدام، مشيرا إلى أن ما يقارب الثلث من مجموع الأحكام ما زال لم يصدر في حقها حكم نهائي.
وفي هذا الصدد، أشار ملاطي إلى تقرير النيابة العامة الذي كشف أن قضاة النيابة العامة يواكبون بنضج وهدوء النقاش الحقوقي الدولي والوطني حول عقوبة الإعدام، معتبرا أن هذه المواكبة بدأت تؤثر حتى على مستوى معدل الأحكام المرتبطة بالإعدام. وأضاف أن جل “القضايا التي حكمت بالإعدام تباشر النيابات العامة بتقديم طلبات للعفو الملكي السامي في حقها، وهي ممارسة فضلى أثرت بشكل كبير على معدل القضايا منذ سنة 2000 إلى الآن، حيث استفاد ما يفوق 160 شخصا محكوما بالإعدام من العفو الملكي السامي بمبادرة من النيابة العامة”.
مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل استحضر أيضا في مداخلته تخفيض حالات الحكم بالإعدام في قانون القضاء العسكري من 16 حالة إلى 5 حالات، بالإضافة إلى تخفيضها في مشروع القانون الجنائي إلى حالتين تقريبا، في انتظار إحالته على مسطرة التشريع، في حين المسطرة الجنائية المعروضة على أنظار البرلمان أتت بمجموعة من المستجدات في إطار تقييد الممارسة القضائية، منها تعديل مهم يروم اشتراط أن يكون هناك إجماع لكافة قضاة المحكمة على النطق بالإعدام.
وفي إطار التعاون الدولي، أشار المتحدث إلى أن المغرب وقع على حوالي 90 اتفاقية ثنائية، كلها أدرج فيها توجهان رئيسيان؛ الأول يروم استبدال عقوبة الإعدام في حالة التعاون القضائي بعقوبات محددة، والثاني تقديم المغرب ضمانات بعدم تنفيذ العقوبة.
وبخصوص التفاعل مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ذكّر الملاطي بأن المملكة المغربية قد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية دون أي تحفظ أو إعلان تفسيري حول مضمون المادة 6 التي تؤطّر عقوبة الإعدام. كما أن المملكة تتفاعل بشكل إيجابي مع القرار الأممي عدد 77/2002، المعتمد من طرف “لجنة حقوق الإنسان” في شهر أبريل 2002، والخاص بعقوبة الإعدام، الذي دعا جميع الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام إلى: “(أ) الحد، بشكل مطرد، من عدد الجرائم التي يجوز فيها فرض عقوبة الإعدام؛ (ب) وقف تنفيذ أحكام الإعدام القائمة، تمهيدا لإلغاء عقوبة الإعدام بشكلٍ كاملٍ؛ (ج) توفير معلوماتٍ للجمهور عن تطبيق عقوبة الإعدام”.
وأشار ملاطي إلى الخطوة التاريخية حين صوّتت المملكة المغربية في 17 دجنبر الماضي بالإيجاب على قرار الإيقاف العالمي لتنفيذ عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للأمم المتحدة، وهي الخطوة التي تسبق المرور إلى إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب.
وختم مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل مداخلته بالتشديد على أن “ثنائية الإبقاء والإلغاء لا ينبغي أن تؤثر على مسار تطور مناقشة عقوبة الإعدام، بل لا بد أن تعرف حركية داخل هذه الثنائية من خلال ما قد يتخذ من خطوات ومبادرات على مستوى الممارسة الاتفاقية أو التشريع أو الممارسة القضائية في انتظار اتخاذ موقف حول العقوبة”.
" frameborder="0">
0 تعليق