القادري يذكّر بالمغرب وقضية فلسطين

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعنوان “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” يعود إلى القرّاء أحد أهم المراجع حول تاريخ دعم المغاربة للقضية الفلسطينية وارتباطهم بأرض فلسطين، وهو كتاب لعلَم الحركة الوطنية والتربية والتعليم بالمغرب أبو بكر القادري، الذي كان عضو أكاديمية المملكة المغربية، والرئيس المؤسس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني.

وتجدد صدور هذا المؤلف عن منشورات مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة، بدعم من جهة الرباط سلا القنيطرة، في سياق مبادرة للمؤسسة الوصية على تراث العلَم المغربي الراحل لتيسير الوصول إلى مؤلفات خطّها القادري ولم تعد متوفّرة في طبعات جديدة.

ويقدّم هذا الكتاب تحليلات حول “التآمر الأمريكي الإسرائيلي على فلسطين”، وحول عمق المعركة الذي لا يقتصر على دفع “خصم يهدف إلى احتلال أرض فقط”، بل “يعمل ويخطط لتحطيم قيم وحضارة ومبادئ”، ولا يواجه فيه مواطنو المنطقة “إسرائيل كدولة” بل “يقاومون استعمارا خبيثا، من ورائه دول تمده، وحكومات تؤيده، تدفعها أحقاد صليبية متوارثة، وقصدها إهانة المسلمين وإضعاف شوكتهم”.

ويقدّم هذا الكتاب ثروة من الوثائق والأحداث التي تؤرّخ لتفاعل المغاربة مع فلسطين والقضية الفلسطينية، منذ “كان المغاربة عندما يقصدون الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج يرون من الأكيد أن يمروا على القدس الشريف للصلاة بالمسجد الأقصى، ولزيارة الأماكن المقدسة الأخرى، ويسمون ذلك بالتقديس”، موردا: “كان بعض علماء المغرب يمكثون بالقدس الشريف الأيام والأعوام والسنين، أمثال العلامة أبي بكر الطرطوشي، وابن الكازروني، والإمام ابن العربي المعافري، وغيرهم”.

كما يذكّر القادري بالعلاقات السياسية والعسكرية منذ ألف سنة: “أثناء الحروب الصليبية طلب السلطان صلاح الدين الأيوبي من السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي أن يعينه بالأساطيل المغربية لمنازلة ‘عكا’ و’صور’ و’طرابلس الشام’، التي كانت محاصرة من الصليبيين، وذلك سنة 586 هجرية الموافق لـ 1190 – 1191 ميلادية، وذلك بعد موقعة حطين، وفتح بيت المقدس”؛ وهي دعوة لُبِّيت. وذكر ابن جبير في رحلته أن المغاربة والأندلسيين ساهموا مساهمة مشكورة، وأبلوا البلاء الحسن، ليأتي بعد ذلك تحبيس الوقف الذي عرف بعد ذلك بحارة المغاربة، واتساع رقعة المغاربة المقيمين بفلسطين، وتؤسّس مدرستهم المالكية بها، مع استمرار ارتباط الملوك المغاربة الذين “كانوا يكتبون المصاحف القرآنية بخط أيديهم أحيانا (مثل أبي الحسن المريني) أو يأمرون أصحاب الخطوط الجميلة بكتابتها لجعلها في خزائن بيوت الله”، وخاصة المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى.

ومن بين المحطات التي يذكرها الكتاب في القرن العشرين محطات سابقة على الاحتلال الرسمي لفلسطين وإعلان دولة إسرائيلية على ترابها: “لدى اعتداء اليهود على الأماكن المقدسة في فلسطين سنة 1929 وانتهاكهم حرمة أرض البراق الشريف التي تقع في حي المغاربة قام الشعب الفلسطيني الأبي يستنكر ويحتج (…) وبمجرد ما وصل الخبر إلى المغرب قام الشباب الوطني بواجبه في استنكار (…) الاعتداء، وقدمت عرائض احتجاج للقنصل البريطاني، كما جمعت اكتتابات لفائدة المنكوبين والشهداء”.

وواصل المؤلف: “عندما دعا الحاج أمين الحسيني (المفتي الأكبر) إلى عقد مؤتمر إسلامي بالقدس ينظر في قضية المشكل الفلسطيني الذي خلقه الإنجليز، بإعطائهم وعدا لليهود كي يؤسسوا وطنا قوميا في فلسطين، قرر رجال الحركة الوطنية أن يساهموا فيه، فحضرته ثلاث شخصيات مرموقة من رجال الوطنية والعلم، المكي الناصري ومحمد بنونة والمكي الكتاني، ليعبروا عن تضامن الشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني، وكان ذلك سنة 1931”.

ومن بين ما يؤرخ له الكتاب حدث سنة 1933، حيث “لبينا النداء الذي وجهه رئيس مكتب المؤتمر الإسلامي الدائم بالقدس لإقامة صلاة الغائب على روح المجاهد السيد أحمد السنوسي، فأدينا صلاة الغائب بالمسجد الأعظم بمدينة سلا، رغم العراقيل والتهديدات التي لاقينا من السلطة الاستعمارية”، وتابع: ” بعد الحرب العالمية الثانية واتخاذ المنتظم الدولي قرارا بتقسيم فلسطين سنة 1947 قمنا بواجبنا التضامني مع الشعب الفلسطيني، واعتبرنا ذلك القرار جائرا ومرفوضا فعقدنا الاجتماعات التظاهرية، وألقينا الخطب وكتبنا المناشير، وزاد موقفنا صلابة وتأييدا ما قام به الملك الصالح سيدي محمد الخامس (…) من احتجاج ضد قرار التقسيم ورفضه الاعتراف بالكيان الصهيوني، واحتجاجه لدى السلطات الفرنسية، معتبرا رحمه الله أن قيام الكيان الإسرائيلي يعتبر عدوانا على الإسلام وإهانة للمسلمين؛ ولم يكتف رحمه الله بذلك، بل وجه رسالة سرية للزعيم المرحوم علال الفاسي الذي كان موجودا آنذاك بالقاهرة، يأمره فيها أن يبلغ المسؤولين في الجامعة العربية استنكاره واحتجاجه ضد قرار تقسيم فلسطين (…) كما وجه خطابا لشعبه الوفي يرفض فيه فكرة التقسيم، ويعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني”.

ومن بين ما يورده أبو بكر القادري ما حدث في المغرب إثر قرار إنشاء إسرائيل؛ حيث “لم يكتف الشعب المغربي بالاحتجاجات والاستنكارات، بل طفق الكثيرون يتطوعون للجهاد (…) هكذا رحل الكثيرون إلى القاهرة والأردن طالبين، بواسطة مكتب المغرب العربي الذي كان مقره بالقاهرة، أن يسجلوا في قائمة المتطوعين لمعركة استخلاص أرض فلسطين”.

ولا يؤرخ الكتاب فقط للمواقف السياسية والثقافية المتضامنة من المغرب مع فلسطين، بل يؤرخ أيضا للتجاوب الفلسطيني المغربي الذي “تجلى أيضا سنة 1930، عندما أصدر الفرنسيون ظهير (مرسوم) 16 ماي 1930 المخطط للسياسة الاستعمارية البربرية، التي تهدف إلى تقسيم الشعب المغربي (…) وكان في طليعة المتضامنين الشعب الفلسطيني الذي اهتمت صحافته بالقضية، وفتحت أعمدتها لتوضيح أخطار السياسة البربرية، ووقف زعماؤه الأبرار ومجاهدوه المخلصون أمثال الحاج أمين الحسيني، والمجاهد محمد علي الطاهر، وعجاج نويهض، بجانب الشعب المغربي وقفة صادقة مخلصة”.

وإلى جانب توفير نص عرائض تاريخية، ونص قصاصات صحافية عبر العقود، قبل استقلال المغرب، يؤرخ المؤلف للتضامن بعد سنة 1956 من طرف مختلف الأطياف السياسية يمينا ويسارا، من الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية وعموم المواطنين منتمين وغير منتمين؛ ومن بين ذلك محاضر واجتماعات ومبادرات وزيارات وتبرعات ومنشورات، من بينها ما يعود لـ”الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني” التي أرسل الرئيس ياسر عرفات رسالة سنة 1985 إلى رئيسها “الأخ أبو بكر القادري”، يشيد فيها بـ”الدور الهام الذي تقوم به جمعيتكم المناضلة على الساحة المغربية، هذا الدور الذي يعكس التفاف جماهير شعب المغرب الشقيق حول نضال شعبنا الفلسطيني”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق