السبت، 08 مارس 2025 09:21 ص 3/8/2025 9:21:07 AM
أكَّد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن الصبر يُعدُّ من أعظم الفضائل التي قامت عليها الدعوات السماوية كافة، مشيرًا إلى أن جميع أنبياء الله -عليهم السلام- لم يحققوا أهداف رسالاتهم إلا بتسلحهم بهذه الفضيلة العظيمة.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "اسأل المفتي" الذي يقدمه الإعلامي حمدي رزق عبر فضائية "صدى البلد".
وأوضح أنَّ القرآن الكريم يُعلي من شأن الصبر، حيث يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، مشيرًا إلى أنَّ هذه الآية تؤكِّد معيةَ الله للصابرين؛ مما يدلُّ على عظيم منزلتهم. كما استشهد فضيلته بسورة العصر التي تُبرز أهمية الصبر كعنصر أساسي في صلاح الفرد والمجتمع، حيث قال تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
وأشار الدكتور نظير عيَّاد إلى أن الصبر يُربي الإنسان على التحمل والرضا بالمقدور، ولهذا يُطلق على شهر رمضان "شهر الصبر"، حيث يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. موضحًا أن الصيام يُنمِّي الصبر في النفس الإنسانية ويعزز قدرة الإنسان على التحمل والتقوى.
وأضاف: "الابتلاءات لا يُعالجها إلا الصبر، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله العبد ابتلاه، فإن صبر اصطفاه، وإن رضيَ اجتباه"، مشيرًا إلى أن هذا الحديث يُظهر عِظَمَ الأجر الذي أعدَّه الله للصابرين."
كما تطرَّق إلى قصة نبي الله أيوب -عليه السلام- الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، حتى إنَّ الله كافأه بقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}. وأوضح أنَّ "الفاء" في هذه الآية تفيد الفورية، أي إن الله استجاب لدعائه مباشرة بعد صبره الطويل.
وبيَّن المفتي أن الصبر ليس قاصرًا على تحمل الابتلاءات فقط، بل يشمل الصبر على الطاعة حتى يؤديها الإنسان، والصبر عن المعاصي حتى يتجنبها، والصبر على أقدار الله المؤلمة دون سخط أو اعتراض.
وأشار إلى أن القرآن الكريم يوجِّه المؤمنين إلى الصبر مع المصابرة، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}. وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصبر ضياء"، مبينًا أن الضياء أقوى من النور؛ وذلك لما يحتاج إليه الإنسان من صبر في الطاعة، وفي مواجهة المعصية، وفي مجابهة ابتلاءات الحياة.
وفي ختام الحلقة، أجاب عن أسئلة المشاهدين، ومن بينها سؤال عن حُكم صيام الصبي، حيث أوضح أن الصيام فريضة على من توافرت فيه شروطه، وهي الإسلام والبلوغ والعقل والقدرة.
وأشار إلى أن تدريب الأطفال على الصيام منذ الصغر يُعدُّ أمرًا محمودًا، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع»، مؤكدًا أن هذا التوجيه يُعزز لدى الأطفال الوعي بأهمية العبادات ويُنشِّئهم على الالتزام بها تدريجيًّا حتى يصبحوا مكلَّفين بها شرعًا، ويكون ذلك بأسلوب يجمع بين التوجيه، والترغيب، والمكافأة، حتى يعتاد الطفل الصيام قبل بلوغه؛ مما يسهِّل عليه الامتثال عند وجوبه.
وحول مسألة الإفطار أو الصيام وَفْقَ رؤية دولة أخرى، شدَّد فضيلة المفتي على أنه لا يجوز للمصريين الصيام أو الإفطار بناءً على رؤية دولة أخرى، بل يجب الالتزام بإعلان دار الإفتاء المصرية، وكذلك لا يجوز لمواطني دولة أخرى أن يصوموا أو يفطروا وَفْقَ رؤية مصر، بل يلتزم كل شخص برؤية الهلال في بلده.
وأوضح المفتي أنه إذا سافر شخص من دولة إلى أخرى وكان هناك فرق في بدء الصيام، فيلتزم بالصيام والفطر في الدولة التي يقيم فيها، على ألا يقل عدد أيام الصيام عن 29 يومًا، وإلا وجب عليه صيام يوم إضافي.
وفيما يتعلق بالصلاة بالقراءة من المصحف، أوضح فضيلة المفتي أن الأصل هو عدم القراءة من المصحف في الصلوات المفروضة، أما في صلاة التراويح والقيام فيجوز ذلك، خاصة لمن لم يكن حافظًا للقرآن الكريم، بشرط عدم الإخلال بالخشوع.
وبشأن استخدام الأذان الموحد، أكد فضيلته أن المسألة من المصالح العامة التي تنظمها الدولة وفق ما تراه يحقق المصلحة العامة، ولا حرج في ذلك من الناحية الشرعية.
كما وجَّه نصيحة لمن يعانون من التوتر والعصبية أثناء الصيام، بضرورة الوضوء عند الغضب، والتمرُّن على ضبط النفس، والتحلي بالصبر، مشيرًا إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فإن سابَّه أحد أو شتمه فليقل إني صائم». وأكد أن الصيام مدرسة أخلاقية تهدف إلى تهذيب النفس والسمو بالروح، وليس الامتناع عن الطعام والشراب فقط.
0 تعليق