بمناسبة اجتماعه المنعقد يوم الخميس 5 من رمضان 1446 المُوَافِق لـ 6 مارس 2025، تداول مجلس الحكومة وصادق على مشروع مرسوم رقم 2.25.152 المتعلق بتطبيق القانون رقم 18.18 القاضي بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، قدمه السيد وزير الداخلية. ويهدف مشروع المرسوم المذكور إلى تفعيل وتطبيق مقتضيات القانون رقم 18.18 المومأ إليه أعلاه، وذلك من خلال تحديد مسطرة الترخيص لدعوة العموم إلى التبرع ومسطرة التصريح بتوزيع المساعدات لأغراض خيرية وكيفيات تفعيل مراقبة عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية وإنسانية، وبحسب بلاغ مجلس الحكومة بتاريخ 6 مارس 2025، فإن مشروع المرسوم يتضمن العديد من المقتضيات، تحدد بالأساس: الأشخاص المؤهلين لتقديم طلب الترخيص؛ وتحديد السلطات أي الإدارة التي يوجه أو يودع لديها طلب الترخيص، كما يتضمن المشروع مقتضيات تحدد كيفيات التصريح بتوزيع المساعدات؛ وكيفيات مراقبة عمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية ومراقبة الحسابات المتعلقة باستعمال الموارد التي تم جمعها في إطار دعوة العموم إلى التبرع.
وبعد صدور مشروع المرسوم المذكور أعلاه ونشره في الجريدة الرسمية، يكون القانون رقم 18.18 القاضي بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، قد دخل مرحلة التنفيذ والأجرأة الفعلية، لا سيما وأن مادته 43 نصت بصريح العبارة على أن أحكام القانون رقم 004.71 بتاريخ 12 أكتوبر 1971 المتعلق بالتماس الإحسان العمومي، تبقى سارية المفعول إلى حين نشر واتخاذ جميع النصوص المتخذة لتطبيق القانون رقم 18.18، الأمر الذي يدفع لإبداء بعض الملاحظات بشأن مضامين القانون الجديد ومدى قدرته على ضمان صرف التبرعات على مستحقيها؟، وأيضا أهم التدابير التي تم اتخاذها من قبل المشرع لضمان شفافية عملية جمع التبرعات؟، والأهم ما هي أهم الإجراءات الرامية لعدم تسخير التبرعات لخدمة أغراض انتخابية وسياسية؟
أولا: بخصوص التدابير والإجراءات الرامية لضمان توجيه التبرعات للفئات التي تستحقها
بداية وجبت الإشارة إلى أن عملية جمع التبرعات وتوزيعها لأغراض خيرية كانت تخضع لأحكام القانون رقم 004.71 المتعلق بالتماس الإحسان العمومي الصادر في 12 أكتوبر 1971، قبل أن يتم نسخه بموجب الفصل 43 من القانون رقم 18.18 بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.79 في 13 ديسمبر 2022 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7159 بتاريخ 9 يناير 2023، والذي جاء تنفيذا للتعليمات الملكية السامية الداعية للتأطير الحازم لعمليات الإحسان العمومي وتقنين توزيع المساعدات جراء عملية التدافع التي رافقت عملية توزيع مساعدات غذائية من إحدى الجمعيات على مستوى النفوذ الترابي لعمالة إقليم الصويرة في شهر أواخر شهر نونبر 2017 والتي خلفت ضحايا في الأرواح.
عموما، ما يمكن ملاحظته بخصوص مقتضيات ومواد هذا القانون هو أنه تضمن العديد من التدابير الهادفة إلى ضبط عملية جمع التبرعات وتوزيعها على الفئات التي تستحقها، بدءا بعملية حصر وتحديد الأشخاص المؤهلين لتقديم طلب الترخيص من أجل دعوة العموم إلى التبرع بأن حصرها بموجب المادة 3 منه في الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية وتوجد في وضعية نظامية كأصل عام، وفي الأفراد والأشخاص الذاتيين كإجراء استثنائي بموجب الفقرة الثانية من المادة 3 هذا من جهة. ومن جهة أخرى؛ ومن أجل الحرص على ضرورة توزيع التبرعات على مستحقيها نجد القانون حصر بموجب مادته 2 الحالات التي بموجبها تتم دعوة العموم للتبرع، وهذه الحالات يجب أن تكتسي صبغة اجتماعية؛ إنسانية؛ تضامنية وخيرية، أو بهدف تقديم مساعدة أو إعانة لفائدة شخص ذاتي أو أكثر يوجد في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة عند وقوع كوارث أو آفات أو حوادث ألحقت بهم أضرارا. وعليه، فإن التبرعات التي يتم جمعها وفق المسطرة المنصوص عليها في بنود هذا القانون ومن الجهات المؤهلة لذلك، يجب أن تخصص بموجب المادة 6 سواء كانت مالية أو عينية للأغراض التي تمت دعوة العموم إلى التبرع من أجلها وهي الحالات المحصورة بموجب المادة 2 منه أي التي تكتسي صبغة اجتماعية؛ إنسانية؛ تضامنية وخيرية…
هذا، وحفاظا من المشرع على البعد الخيري والتضامني والطابع الإنساني المتوخى من عملية جمع التبرعات من العموم، نجد أن المادة 5 من هذا القانون منعت بشكل صريح، كل دعوة موجهة إلى العموم من أجل التبرع سواء كانت لأغراض تجارية؛ دعائية؛ إشهارية أي غير إحسانية، أو كان القصد منها الترويج لمنتوجات أو سلع من قبل بعض الشركات المنتجة، فضلا عن منع دعوة العموم إلى التبرع بهدف أداء غرامات؛ صوائر؛ تعويضات أو أداء ديون، أو بقصد استغلال حالة شخص أو أكثر يوجدون في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة.
كل هذه التدابير، كان قصد المشرع من ورائها، السهر على توزيع وتوجيه التبرعات إلى مستحقيها، وأكثر من ذلك، فإن تحقيق أو انتفاء أو زوال الغرض أو الأغراض الخيرية والتضامنية التي كان يراد من أجلها جمع هذه التبرعات من العموم لأي سبب من الأسباب، يجعل الإدارة تتدخل وتأمر بإيقاف عملية جمع التبرعات من العموم لانتفاء أو زوال أسبابها وذلك بموجب المادة 26. ومن أجل قيامها بمهامها ومن أجل الحرص على إيصال التبرعات للفئات التي تستحقها فالإدارة لها جميع الصلاحيات التي تمكنها من التتبع والمراقبة خاصة أثناء عملية التوزيع، حيث تسهر على صرف التبرعات وفق الأغراض المخصصة لها باطلاعها على الوثائق ذات الصلة بهوية المتبرعين والمستفيدين معا، وذلك أيا كانت الجهة التي توجد بحوزتها هذه المعلومات والوثائق طبقا للمادة 29 منه.
ثانيا: بشأن التدابير والإجراءات الرامية لضمان نزاهة وشفافية جمع التبرعات وطرق توزيعها
بالقدر الذي حرص فيه القانون على توزيع التبرعات التي تم جمعها على مستحقيها، بالقدر نفسه حرص على ضمان شفافية ونزاهة مصادر جمع التبرعات وطرق صرفها وتوزيعها، وكثيرة هي البنود والمقتضيات التي تنص على نزاهة وشفافية عملية جمع التبرعات من العموم وطرق صرفها، ومن جملة ذلك المادة 6 التي تمنع أن تخصص التبرعات أو جزء منها لتغطية تكاليف تسيير الجمعية المعنية بعملية الجمع والتوزيع، باستثناء التكاليف المرتبطة بتنظيم العملية لكن في حدودها الدنيا سيما إذا كانت الجهة الداعية للتبرع لا تتوفر على الموارد اللازمة لتغطية مصاريف عمليتي الجمع والتوزيع. وضمانا لمزيد من الشفافية فإن القانون رقم 18.18 بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية أخضع، بموجب المادة 5 منه، لأحكامه جميع الدعوات الموجهة للعموم من أجل التبرع كيفما كانت طبيعتها، وكيفما كانت الوسيلة المستعملة للقيام بها، بما يعني حتى التي تتم عبر قنوات ومنصات التواصل الاجتماعي وكذا تلك التي كانت تتم الدعوة إليها على أثير الإذاعات الخاصة.
وفي السياق نفسه؛ ومن أجل سد الباب في وجه من كانوا يستغلون الإحسان العمومي لتحقيق مآرب ذاتية أو التلاعب بحصيلة الأموال والأشياء والسلع التي كان يتم جمعها عن طريق مسطرة التماس الإحسان العمومي؛ سابقا؛ ومن أجل إضفاء مزيد من الوضوح والشفافية، اشترط القانون، بموجب المادة 7، من أجل دعوة العموم للتبرع، ضرورة الحصول بشكل مسبق على ترخيص تسلمه الإدارة داخل أجل لا يتعدى 30 يوما، وذلك حتى تكون الإدارة على بينة بهوية الجهة المنظمة وسلوك أعضاء جهازها المسير والأشخاص المشاركين في عملية الجمع والتوزيع الذين تنتدبهم الجمعية للقيام بهذه المهمة، بحيث يتم، بموجب المادة 8، استبعاد أي شخص صدر في حقه حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل ارتكاب إحدى الجنايات أو الجنح ضد أمن الدولة أو جريمة إرهابية أو إحدى الجنايات أو الجنح المتعلقة بالأموال أو التزوير أو التزييف أو النصب أو الانتحال أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو الغدر أو اختلاس أو تبديد المال العام. وفي نفس السياق، تنص المادة 20 منه بأن الأموال المتحصل عليها من عملية جمع التبرعات يجب أن تودع لزوما في حساب بنكي يفتح خصيصا لها ولا تودع في الحساب الخاص بالجمعية، وفي هذا فصل بين الذمة المالية للجمعية والحصيلة المالية التي يتم جمعها من التبرعات.
وضمانا لشفافية العملية، لا يجوز للجمعية الاستمرار في تلقي التبرعات بالحساب البنكي المذكور خارج المدة المخصصة لجمع التبرعات، إلا بترخيص تسلمه الإدارة، وحفاظا على حقوق المتبرعين فإنه يجب على كل جهة دعت العموم إلى التبرع إخبارهم بحصيلة التبرعات التي تم جمعها طبقا للمادتين 20 و22، كما يحق بموجب الفقرة 2 من المادة 22، لكل متبرع الاطلاع على حصيلة عمليات جمع التبرعات بل والتأكد من إنفاقها في الأغراض المخصصة لها. ومن جانب آخر يجب على الجهة التي دعت إلى التبرع الاحتفاظ بجميع الوثائق المالية المرتبطة بعملية الجمع لمدة لا تقل عن 5 سنوات، فضلا عن كونها مطالبة طبقا للمادة 23 بموافاة الإدارة بتقرير مفصل يوضح سير عملية الجمع والإشارة لمجموع الأموال التي تم جمعها، بما فيها القيمة التقديرية للتبرعات العينية داخل أجل 30 يوما من تاريخ نهاية العملية، والغاية من هذه الإجراءات هو شفافية عملية جمع التبرعات.
ومن جملة التدابير الرامية كذلك إلى ضمان نزاهة عملية جمع التبرعات، نجد بأن كل جهة دعت العموم إلى التبرع وجمع التبرعات مطالبة بموافاة الإدارة، بموجب المادة 24، بتقرير مرفق بجميع الوثائق التي تثبت تخصيص كل الأموال المتبرع بها لتحقيق الغرض أو الأغراض المعلن عنها داخل أجل أقصاه ثلاثين يوما من تاريخ تحقيق الغرض أو الأغراض المذكورة، وفي حالة تجاوز حصيلة التبرعات مليون درهم يجب، علاوة على ذلك، الإدلاء بتقرير مالي حول استخدام الحصيلة المذكورة، مصادق عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين أو محاسب معتمد يشهد بصحة الحسابات التي يتضمنها، وذلك طبقا للفقرة 2 من المادة 24.
ومما يدخل في باب الشفافية أيضا نجد بأنه في حالة ما تم توزيع التبرعات للأغراض المخصصة لها، فإن الأموال أو المواد المتبقية يجب أن تُحَوَّلُ وجوبا لمؤسسة خيرية أو أي جمعية أخرى أو مؤسسة غير ربحية تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف، وتخبر الجهة المنظمة الإدارة بذلك فضلا عن تقرير يثبت الغرض الذي خصصت له الأموال المادة 25، وفي حالة عدم تحويل الأموال المتبقية بعد تحقيق الأغراض المعلن عنها، إلى مؤسسة خيرية، أو في حالة صدور أمر بإيقاف عمليات جمع التبرعات لانتفاء أو زوال أسبابها، فإن الإدارة تقدم طلبا إلى رئيس المحكمة لاستصدار مقرر قضائي بحجز التبرعات ومصادرتها لفائدة مؤسسة خيرية تحددها الإدارة بموجب المادة 27.
ثالثا: حول التدابير والإجراءات الرامية لعدم تسخير التبرعات لخدمة أغراض انتخابية وسياسية
أخذا بعين الاعتبار أن العديد من الأحزاب السياسية تتوفر على تنظيمات وجمعيات موازية تنشط في المجال الخيري والعمل التطوعي التضامني، وحتى لا يتم استغلال أو تسخير العمل الخيري والتضامني لتحقيق أجندات ومكاسب سياسية وخَشْيَة من أن يتحول المال المتحصل عليه من عملية التبرع لتمويل الحملات الانتخابية، نجد بأن المشرع تبنى العديد من التدابير والإجراءات الرامية إلى الحفاظ على البعد الإنساني والخيري للتبرعات، بأن نص في المادة 5 على أنه تمنع دعوة العموم إلى التبرع وتنظيم عمليات جمع التبرعات لأهداف انتخابية.
ومن جملة الإجراءات التي نص عليها القانون حتى لا يتم استغلال العمل الخيري لأغراض سياسية وانتخابية نجد أنه بموجب المادة 17 يجب على الجهة المرخص لها بدعوة العموم إلى التبرع وجمع التبرعات، إخبار السلطة المحلية، التي ستتم في دائرة نفوذها الترابي هذه العملية قبل مباشرة أي عمل من أعمال جمع التبرعات وتوزيعها، وبطبيعة الحال فإن الغاية من إخطار السلطة الإدارية هو الحيلولة دون إقحام العمل الخيري في العمل السياسي. وبالتالي، الفصل بين ما يدخل في إطار الحملة الانتخابية وما يدخل في إطار المبادرات الإنسانية.
وفي حالة عدم احترام الجهة المُرَخَّصِ لها لشروط الترخيص كمحاولة توظيفها للعمل الخيري من أجل الحصوص على مكاسب سياسية أو محاولة استمالة الفئات الهشة واستغلال ضعفها وتحويلها لمورد أو خزان انتخابي، فإنه يحق للإدارة أن تأمر بإيقاف جمع التبرعات من العموم طبقا للمادة 26، هذا علما بأن الإدارة لها كل الصلاحيات لتتبع ومراقبة عمليات جمع التبرعات من الغير، ومراقبة صرف أو توزيع حصيلتها من أجل الغرض أو الأغراض المخصصة لها طبقا للمادة 29، هذا فضلا عن كون عملية توزيع المساعدات العينية لأغراض خيرية وإنسانية تخضع لتصريح مسبق لدى عامل العمالة أو الإقليم الذي تقع بدائرة نفوذه الترابي عملية التوزيع بموجب المادة 30، وبطبيعة الحال إذا ما تبين للعامل بأن هناك محاولة لتوظيف العمل الخيري لجني مكاسب سياسية، فإنه يحق له بموجب المادة 31 من ذات القانون المذكور، الاعتراض على كل عملية لتوزيع للمساعدات في دائرة ونطاق نفوذه الترابي أو على الأقل تأجيل تاريخها أو توقيفه، لا سيما إذا تبين له أن العملية المذكورة قد تمس بالنظام العام أو تتزامن مع فترة انتخابات أو تخل بأحد الشروط والقواعد المتعلقة بعملية التوزيع المنصوص عليها في القانون.
0 تعليق