تناولت دراسة حديثة، وردت ضمن العدد الأخير من مجلة الدراسات الإعلامية الصادرة عن “المركز الديمقراطي العربي”، خطاب السلفية في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب من خلال بحث توظيف الدلالات التحريضية ومفاهيم الكراهية من لدن شيوخ السلفية بالمملكة، متخذة كلا من “الشيخ أبي النعيم”، الذي يستخدم اللغة العربية في خرجاته، و”الشيخ أبي عمار”، ذي اللسان الأمازيغي، نموذجين.
وأكدت الدراسة أن “التنظيمات الإسلامية تعتبر من ضمن الفئات النشطة التي تركز اهتمامها نحو استثمار خطابها الإيديولوجي في مواقع التواصل الاجتماعي، جراء التحولات التي يشهدها المجتمع من تراجع الإقبال على الأشكال التقليدية لتلقي المعرفة الدينية”، مبرزة أن “التوجه السلفي استطاع إلى حد ما أن يتواجد في هذه المواقع، وإن كان يعاديها ويحمل قناعات متطرفة ضد النموذج الفلسفي الحداثي كمساهمة أساسية في الثورة الرقمية”.
وسجلت الدراسة التي أعدها العربي الموصار، باحث بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر، أن الخطاب السلفي استطاع التبلور من جديد داخل المجتمع المغربي، معتبرة أن “عدد المتابعين والمشاهدين للصفحات الفيسبوكية التي أسسها شيوخ السلفية في المغرب، بالإضافة إلى الإقبال الكبير على الاشتراك في قنواتهم عبر يوتيوب ومشاركة المقاطع المصورة لمحاضراتهم، يُبين فهم الاتجاه السلفي للتحول الرقمي واستثماره من أجل نشر خطابه وإيديولوجيته”.
ولفتت الوثيقة ذاتها إلى أن “الخطاب السلفي الفيسبوكي بالمغرب لم يكتف بمعاداة الأفكار ذات المرجعية الحداثية فقط، وبعض المتحولين دينيا، إنما تجاوزها إلى خوض جدالات واسعة ضد بعض الفنانين والفنانات”، مشيرة في هذا الصدد إلى “السجال الكبير الذي كان بين السلفي أبي عمار والفنان الكوميدي رشيد أسلال، والذي لقي متابعة كبيرة من المشاهدين، وانخرط فيه الطرفان بالرد على بعضهما بعض”.
وذكر العربي الموصار أن الشيخين السلفيين موضع الدراسة، يستعملان “مجموعة من المفاهيم ذات دلالات تحمل في طياتها أبعادا تحريضية وكراهية ضد المخالف من قبيل الفاجر والكافر، والسكر، وأعداء الدين، وغيرها من المصطلحات التي يطلقها الشيخان في مقاطع فيديو وعلى مسامع آلاف المتابعين، دون إدراك لمدى تأثيرها على وعي المتلقي، وردود الأفعال التي يمكن أن تنتج عن ترويج مثل هذه الخطابات”.
وفي معرض حديثه عن خطاب الشيخ السلفي الراحل عبد الحميد أبي النعيم، أكد المصدر ذاته أن الشخص يملك صفحة على “فيسبوك” تضم آلاف المتابعين نشرت بها مئات المقاطع المصورة باللغة العربية الفصحى وباللهجة الدارجة أحيانا، مسجلا أن “أبا النعيم يولي اهتماما خاصا لقضايا العقيدة والإيمان والولاء والبراء والإرث”.
وأشارت الدراسة إلى تحريض المعني بالأمر ضد قرار إغلاق المساجد أثناء جائحة كورونا، ثم تكفيره لبعض المثقفين والسياسيين، من أبرزهم المفكر والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، الذي وصفه بـ”الجهول الخائن المرتد العاهر”، ثم انتقاده أيضا لإدريس لشكر، زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، حيث عنون أحد المقاطع التي نشرها بـ”لشكر كافر عند جميع الأمة”.
وأكدت أن “الخطاب السلفي الذي يروج له أبو النعيم على منصات التواصل الاجتماعي لا يقتصر فقط على نقل أفكار دينية فحسب، بل يساهم أيضا في إعادة تشكيل هوية دينية تقوم على الوهابية السلفية، حيث يروج لرفض أي تقارب أو تسامح مع التيارات الفكرية الأخرى مثل العلمانية والليبرالية والتصوف، وبالتالي تبرز مشكلة الهوة بين الجماعات المختلفة في المجتمع، حيث يؤدي هذا الخطاب إلى الانقسامات ويزيد من حدة الاستقطاب الديني والسياسي”.
أما خطاب الداعية أبي عمار العسري، ذي الأصول الأمازيغية، فقد تميز بتحريم مشاهدة الأفلام والتحريض على بعض مكونات الحركة الثقافية الأمازيغية، إذ إن “أحد أبرز جوانب هذا الخطاب هو التركيز على التحريض ضد فئات معينة من المجتمع”، مبرزا أن “هذه النزعة التكفيرية التي يحملها أبو عمار تجاه معارضيه، تعكس تراجعا واضحا في قدرة الخطاب الديني في شكله السلفي على التعايش مع التنوع الفكري والثقافي داخل المجتمع”.
وأورد المصدر عينه أن “خطاب أبي عمار يعمق من فكرة العزلة الدينية والثقافية للأمازيغ الذين يتبعون نهجه السلفي، حيث يصف الأمازيغ الذين لا يتبنون رؤيته بالممسوخين أو المجردين من الإيمان، وهذه التوصيفات تشير إلى تصنيف الأشخاص بناء على مدى التزامهم بالمفاهيم السلفية التي يروج لها، مما يزيد من حدة الانقسام بين الأمازيغ السلفيين وغيرهم من الأفراد في المجتمع الذين يختلفون معه”.
وخلص العربي الموصار إلى أن “نشر الإيديولوجيا لم يعد مرتبطا بالتنظيمات والأحزاب والجمعيات نظرا لتراجع هذه الإطارات في استقطاب الأتباع، وتحول الخطاب الديني كغيره من الخطابات… حيث استثمر الخطاب الديني الشعور الديني في مجتمعاتنا، وخاصة اعتماده على مفاهيم بسيطة وشعبية ذات حمولة، واستطاع من خلالها أن يصل إلى العامة من النساء والبسطاء منهم، وبالتالي كان استثماره لمواقع التواصل الاجتماعي ناجحا، لا سيما في الأفعال والسلوكيات التي يتم إنتاجها من طرف الأتباع والمتأثرين بالخطاب السلفي”.
0 تعليق