اتسعت مخاوف المستثمرين من أن التعريفات الجمركية والإقالات الحكومية ستؤدي إلى تراجع النمو في أكبر اقتصاد في العالم، مما أدى إلى استمرار التقلبات في الأسواق العالمية لثلاثة أسابيع متتالية.
وتعرضت مؤشرات الأسهم الأميركية لضغوط كبيرة، حيث خففت "وول ستريت" من توقعاتها المتفائلة، بينما عزز الطلب على الملاذات الآمنة خلال فترات الركود السندات السيادية.
مؤشرات الأسهم الأميركيةوأثرت عمليات البيع في القطاع الأكثر نفوذاً في مؤشر "إس آند بي 500" – شركات التكنولوجيا الكبرى – بشكل كبير على التداولات. واقترب المؤشر من الدخول في مرحلة تصحيح، حيث تراجع من أعلى مستوى له بنسبة 8.6%. كما شهد مؤشر "ناسداك 100" أسوأ يوم له منذ عام 2022. وانخفض مؤشر "العظماء السبعة" (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) للشركات العملاقة بنسبة 5.4%.
في الوقت ذاته، تراجعت عوائد سندات الخزانة مع ارتفاع التوقعات بأن التباطؤ الاقتصادي سيدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة. وانخفضت عملة "بتكوين" إلى ما دون 80 ألف دولار.
تباطؤ الاقتصاد الأميركي
تتصاعد التكهنات بأن الرئيس دونالد ترمب مستعد لتحمل المصاعب الاقتصادية وتقلبات الأسواق سعياً وراء أهداف طويلة الأجل تتعلق بالتعريفات الجمركية وتقليص حجم الحكومة. وعندما سُئل في برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز" على قناة "فوكس نيوز" عمّا إذا كان يتوقع حدوث ركود اقتصادي، قال: "أكره التنبؤ بأمور مثل هذه. هناك فترة انتقالية، لأن ما نقوم به كبير جداً".
وقالت جينا بولفين، رئيسة مجموعة "بولفين" لإدارة الثروات: "لقد انتقلنا من التفاؤل الجامح إلى التساؤل عن احتمالات الركود". وأضافت: "هذه سوق تتحرك بفعل العناوين الإخبارية، ويمكن أن تتغير في غضون ساعة. تمسكوا بمراكزكم واستعدوا، فقد حصلنا أخيراً على التصحيح الذي كنا ننتظره، وسيتم مكافأة المستثمرين على المدى الطويل مجدداً".
كما راقب المتداولون عن كثب أمراً لم يحدث مع مؤشر "إس آند بي 500"، منذ نوفمبر 2023، وهو إغلاقه دون متوسطه المتحرك لـ200 يوم.
وقالت كالي كوكس من شركة "ريثولتز ويلث مانجمنت": "هناك مقولة في وول ستريت مفادها أن لا شيء جيد يحدث عندما يكون المؤشر دون متوسط 200 يوم". وأضافت: "بصراحة، من بين كل العبارات الغريبة التي تخرج من هذه الصناعة، يجب أخذ هذه العبارة على محمل الجد. عندما تكون السوق في المنطقة الخطرة – أو دون متوسط 200 يوم – تتسارع عمليات البيع وتصبح التقلبات أكثر حدة".
تراجعات جماعية
وتراجع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 2.7%، وانخفض مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 3.8%. وفي قطاع الشركات العملاقة، هبطت أسهم "تسلا" بنسبة 15%، بينما دفعت أسهم شركة "إنفيديا" مؤشراً رئيسياً لصانعي الرقائق إلى أدنى مستوى له منذ أبريل. كما خسر مؤشر "داو جونز" الصناعي 2.1%.
وانخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 8 نقاط أساس ليصل إلى 4.22%. وارتفع الدولار بنسبة 0.2%. كما أجلت نحو 10 شركات ذات تصنيف ائتماني مرتفع مبيعاتها من السندات الأميركية يوم الإثنين. وتراجع النفط إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر.
قالت كوكس: "أود أن أشير أيضاً إلى أن العديد من أكبر موجات البيع التي شهدناها في سوق الأسهم بدأت بمخاوف بشأن النمو وسوق العمل". وأضافت: "بالنظر إلى البيانات المخيبة للآمال التي رأيناها في الأيام القليلة الماضية، سأكون أكثر حذراً إذا كانت فترة استثمارك تمتد لأيام أو أسابيع أو أشهر. كن دفاعياً وتمسك بالأسهم ذات القيمة. ركّز على تحقيق التوازن في محفظتك الاستثمارية".
تمثل التحركات الأخيرة تحولاً حاداً في الأسواق، حيث كان المحرك الرئيسي خلال السنوات القليلة الماضية هو الصمود المفاجئ للاقتصاد الأميركي، حتى مع تباطؤ النمو في الخارج. وهذا يزعزع هالة الاستثنائية الاقتصادية والسوقية التي سادت لأكثر من عقد من الزمن.
وقال دان وانتروبسكي من شركة "جاني مونتغومري سكوت": "نحن نمر بفترة من عدم اليقين الشديد على نطاق الاقتصاد الكلي العالمي، ونتيجة لذلك، نواصل رؤية عمليات تقليل المخاطر في الأسهم الأميركية". وأضاف: "إلى جانب العوامل الجيوسياسية المحتملة التي قد تعطل الأسواق، هناك أيضاً السرديات المستمرة حول التضخم والنمو، والآن احتمال الركود (الذي تفاقم بسبب الحروب التجارية)".
تداعيات التعريفات الجمركية
ويرى ديفيد بانسن، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة "بانسن"، أن الحديث عن التعريفات الجمركية قد يكون في كثير من النواحي أسوأ من تطبيقها الفعلي.
وقال بانسن: "لا أعتقد أن الإدارة تعرف كيف ستنتهي مسألة التعريفات الجمركية، ولكن إذا كنت سأراهن، فسأقول إنها ستستمر لفترة كافية لإلحاق الضرر بالنشاط الاقتصادي لمدة ربع أو اثنين على الأقل، وفي النهاية ستؤدي إلى صفقة مع دول مختلفة تجعل الجميع يتساءلون لماذا خضنا كل هذا الجدل".
كما أشار إلى أنه إذا تم تمرير تمديد التخفيضات الضريبية وإقرار إصلاح ضريبي جديد من خلال الاتفاق بين الحزبين بشأن الميزانية في وقت قريب، فقد يساعد ذلك في "تعويض الضرر".
زيادة تقلبات الأسهم
يحذر عدد متزايد من استراتيجيي وول ستريت من ارتفاع تقلبات الأسهم، حيث أصبح مايكل ويلسون من "مورغان ستانلي" أحدث من يطلق الإنذار بشأن مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي.
كما خفف محللون آخرون في السوق، بمن فيهم خبراء من "جي بي مورغان" و"آر بي سي كابيتال ماركتس"، من توقعاتهم المتفائلة لعام 2025، حيث أثارت تعريفات ترمب الجمركية مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي.
وقال كريس لاركين من "إي تريد" التابعة لـ"مورغان ستانلي": "هناك دائماً قوى متعددة تعمل في السوق، لكن في الوقت الحالي، يكاد يكون كل شيء في المرتبة الثانية بعد التعريفات الجمركية". وأضاف: "إلى أن تتضح الرؤية بشأن السياسة التجارية، يجب على المتداولين والمستثمرين توقع استمرار التقلبات".
وبالنسبة لسام ستوفال من "سي إف آر إيه"، فإن مدة استمرار هذه الفترة من الحذر لدى المستثمرين تعتمد على سرعة تبدد حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، إلى جانب التهديدات المصاحبة للركود.
وقال جيسون برايد ومايكل رينولدز من "غلينميد": "تُواصل الأسواق إظهار حساسيتها تجاه السياسة التجارية، حيث لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن حجم ونطاق التعريفات التي سيتم تنفيذها". وأضافا: "الأمر الأكثر أهمية ربما يكون مدة استمرار هذه التعريفات. هل هي مؤقتة لاستخلاص تنازلات، أم أنها ستصبح جزءاً دائماً من سياسة التجارة الأميركية؟".
تكلفة سياسات ترمب
بداية من المتداولين المبتدئين في تجارة التجزئة إلى محترفي صناديق التحوط، فإن لا أحد يعرف التكلفة الحقيقية لسياسات ترمب الشاملة حتى الآن. كانت خططه المؤيدة للنمو تعتمد على التخفيضات الضريبية، وإلغاء القيود التنظيمية، وتعزيز الطاقة. وكان الهدف من التعريفات الجمركية إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة وخلق وظائف. لكن حتى الآن، لا يوجد دليل قوي على تحقق ذلك.
أثار كل هذا قلق المستثمرين الأفراد، فوفقاً لاستطلاع أجرته "الجمعية الأميركية للمستثمرين الأفراد"، فإن غالبية المستثمرين الأفراد يعتقدون لأول مرة منذ عام 2022 أن أسعار الأسهم ستنخفض خلال الأشهر الستة المقبلة. وأقل من 20% فقط يتوقعون ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة.
وقال المحلل وانتروبسكي: "نود أن نعيد التأكيد هنا على أنه على الرغم من أن مؤشرات الثقة، مثل نسب المستثمرين الصاعدة والهابطة، تُظهر تشاؤماً مفرطاً من المستثمرين الأفراد وكُتاب النشرات الإخبارية، فإن التمركز الفعلي لكل من مستثمري التجزئة والمؤسسات لا يزال مائلاً نحو الأسهم طويلة الأجل". وأضاف: "هذا يعني أنه لا يزال هناك مجال لمزيد من التصفية إذا استمر المشهد الاقتصادي غير المستقر خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة".
الاقتراب من القاع
أما مارك هاكيت من "نيشن وايد"، فيقول إنه أكثر ثقة بأن السوق تقترب من القاع، بدلاً من أن تكون على وشك موجة بيع جديدة.
وأضاف: "يجب أن نراقب السيناريو المتشائم، حيث يمكن أن تؤدي مخاوف سوق العمل وتراجع إنفاق المستهلكين إلى ركود تضخمي، لكن الدليل سيظهر من خلال البيانات الاقتصادية التي ستصدر في الأسابيع المقبلة". وتابع: "إذا تم حل المخاطر الرئيسية، مثل سقف الدين، وإغلاق الحكومة، والتعريفات الجمركية، بطريقة أفضل من السيناريو الأسوأ، وإذا استقرت البيانات الاقتصادية، فقد نشهد انتعاشاً بعد موجة البيع الحالية".
يعتقد قسم التداول في مجموعة "غولدمان ساكس" أن الضغط البيعي القادم من الصناديق المعروفة بـ "الصناديق النظامية" – التي تعتمد في قراراتها على اتجاهات السوق بدلاً من العوامل الأساسية – قد يتراجع قريباً. من جانبها، تشير شركة "تي دي سيكيوريتيز"، ومجموعة "سيتي غروب" إلى أن هذا التراجع قد بدأ بالفعل.
تلعب تحركات هذه الفئة من المستثمرين، الذين يعتمدون على الخوارزميات في التداول السريع، دوراً مهماً، حيث أدى بيعهم المكثف للأسهم إلى تفاقم تراجع السوق في الفترة الأخيرة.
وفقاً لـ"تي دي سيكيوريتيز"، فإن موجة البيع من قبل الصناديق النظامية ربما تكون قد بلغت ذروتها بالفعل، حيث قام مستشارو تداول السلع بالتخلي عن معظم مراكزهم طويلة الأجل.
0 تعليق