لمطالعة إصدار (مال): الرياضة .. رافد جديد للاقتصاد أضغط هنا
أصبح الاستثمار الحكومي السخي في نشاطات الرياضة السعودية بشكل عام ضرورة وجزءاً مهماً من تطوير قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة وتحسين جودة الحياة وهذا أمر إيجابي لا خلاف فيه. هذا الاهتمام واضح للعيان ويتمثل في الإنفاق الكبير على إعداد ودعم المنتخب الوطني لكرة القدم بجلب أفضل المدربين والطواقم الفنية وغيرها، وفي الانفاق على دوري كرة القدم للمحترفين بدعم الاندية في جلب أفضل اللاعبين العالميين وتوفير بنية أساسية ممتازة ليكون من أفضل الدوريات العالمية.
لقد تجسدت أبرز مظاهر هذا الاهتمام في حرص المملكة العربية السعودية على استضافة كأس العالم 2034 وهذا يتطلب وجود منتخب قوي ومتكامل إلى جانب دوري قوي بمستوى فني عال. مما من شأنه في نهاية المطاف التركيز على تحقيق هدفين محددين: منتخب قوي ودوري قوي.
توجد حقيقة يعرفها المتابعون لكرة القدم العالمية، حيث يوجد عدد قليل من دول العالم التي لديها دوري ومنتخب قوي بنفس الوقت وهي ايطاليا وإسبانيا هولندا وألمانيا، وبدرجة أقل منتخبات أخرى تعد على أصابع اليد من بين أكثر من 210 اتحاد كرة قدم مسجل بالفيفا. كما نجحت ألمانيا في التوفيق بين دوري قوي ومنتخب ناجح ولفترات طويلة، وذلك بعد إعادة هيكلة الدوري الألماني في عام 2001 وتطوير أكاديميات الشباب فيها.
هذا يعكس الصعوبة العملية في التوفيق بين هذين الهدفين، بل أنه قد يحدث أن يتم التضحية بأحدهما لأجل الآخر. على سبيل المثال، كان المنتخب الإنجليزي إلى وقت قريب متأخر نسبياُ في تصنيف الفيفا (وحتى بدون بطولات تذكر) رغم تربع الدوري الإنجليزي على قمة الدوريات العالمية. ويعزوه البعض إلى اعتماد الدوري الإنجليزي الممتاز كثيراً على اللاعبين الأجانب، مما قلل من فرص تطوير المواهب المحلية بأعداد كافية لدعم منتخبها. الحالة العكسية لذلك هي دولة البرازيل (والأرجنتين الى حد ما) حيث تُعد مصدرة للاعبين الموهوبين مما نتج عنه منتخب قوي ولكن دوري ليس بنفس الدرجة من القوة وهذا ينطبق أيضاً على دول أفريقية تُبدع منتخباتها بالمحافل العالمية دون وجود دوري تنافسي محلي مثل السنغال ونيجيريا والكاميرون.
هذه المعضلة قد لا تكون حالياً موجودة بوضوح في المملكة حيث يوجد عوائد معنوية للإنفاق على المنتخب السعودي حيث نجاحه يعزز من الهوية ويزيد من الافتخار الوطني كما لا نغفل أن له جوانب اقتصادية وإعلامية وتسويقية. من ناحية أخرى فالإنفاق أيضاً على الدوري السعودي ونجاحه ليس فقط سيخلق سمعة عالمية ممتازة، ولكن أيضاً يُعد محركًا رئيسيًا للاقتصاد الرياضي السعودي، كما سيضمن استمرارية الازدهار للرياضة المحلية وتحقيق إيرادات من حقوق البث التلفزيوني، والرعاية، والتذاكر، وغيرها.
ثمة ثلاثة خيارات قد تواجه متخذ القرار في السنوات القادمة وهي: توجيه كافة الموارد لتطوير المنتخب، أو توجيه كافة الموارد لتطوير الدوري، أو توجيه الموارد بتوليفات مختلفة لكلا الهدفين. الخيار الثالث هو الخيار المعقول والمنطقي للأسباب التي سبق ذكرها، ولكن يبقى السؤال هو عن ماهي التوليفة المثلى للإنفاق على هذين الهدفين تحت هذا الخيار؟
اقتصادياً هذه المفارقة ينظر اليها على أنها مشكلة “أمثلية optimization ” أي كيف يمكن توزيع وتخصيص الموارد Allocation of Resources المتاحة بكفاءة بين هذين الهدفين. وللتعامل مع هذه المشكلة يتم اللجوء للأدوات المعروفة في الاقتصادي الرياضي Mathematical Economics مثل أدوات الأمثلة باستخدام البرمجة الخطية أو معادلات الاشتقاق الرياضي (كمعادلة لاجرانج) بهدف تدنية التكاليف أو لتعظيم الناتج. بعد ذلك يتم حل النظام بافتراض قيد معين من النفقات (قيد الميزانية) ليتحدد بناءً عليه الحجم الامثل للإنفاق على الهدفين معاً، وبما يضمن تحقيق أعلى عائد كلي ممكن.
لتحديد الحجم الأمثل للإنفاق الكروي ينبغي أن يتم تلبية الشرط الضروري وهو أن العوائد الحدية (الإضافية) من الاستثمار في كل من المنتخب والدوري تكون متساوية لكل ريال إضافي منفق عليهما. هذا يعني أن العائد الحدي (الإضافي) من إنفاق الريال الواحد على المنتخب يجب أن يتساوى مع العائد الحدي للريال الأخر المنفق على الدوري.
فالريال الإضافي المنفق على قطاع ما تختلف انتاجيته (عوائده) عن قطاع آخر وهذا يرتبط بقانون تناقص الغلة (تناقص الإنتاجية الحدية) ويرتبط بالزيادة في الحجم الكلي من الإنفاق على كل قطاع. نتيجة لذلك فان تحقق هذا الشرط يضمن أن أي توزيع أخر للإنفاق بين المنتخب أو الدوري لن يعطي أي نتيجة أفضل بل سيعطي محصلة أقل، وهذا المفهوم يعرف بأمثلية باريتو Pareto Optimality (Efficiency) التي تعني أن الوضع الأمثل هو الحالة التي يتعذر بموجبها تقديم دعم لطرف دون الإضرار بالطرف الآخر.
وبإيجاز، تتضح الأهمية الكبيرة لدوري كرة القدم للمحترفين السعودي من الناحية الاقتصادية والتنموية على المدى الطويل، حيث سيدعم بشكل مباشر استدامة وتطور كرة القدم في المملكة العربية السعودية لارتباط هذه الرياضة بقطاعات اقتصادية خدمية أخرى مثل السياحة والضيافة.
ومن ناحية أخرى، فتقدم المنتخب الوطني في التصنيفات والمحافل الدولية يحمل أهمية معنوية وإعلامية كبيرة، ويُعد وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية ورفع مستوى كرة القدم المحلية بشكل غير مباشر. لذا فأفضل استراتيجية هي إيجاد توازن وتكامل بين تطوير الدوري ودعم المنتخب؛ فالنجاح في أحدهما يسهم في تعزيز الآخر، خصوصاً أن الوصول لمنتخب قوي يتطلب سنوات طويلة من الإعداد والتجهيز بينما الوصول لدوري قوي يكون أسرع نسبياً حال توفر الممكنات والموارد اللازمة والكافية لذلك.
0 تعليق