السيناريست المغربي...

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع كل موسم رمضاني، تتجدد الانتقادات الموجهة للأعمال التلفزيونية المغربية، خاصة تلك التي تُبث على القنوات العمومية. ورغم حجم الإنتاجات وكثافتها خلال هذا الشهر، إلا أن المشاهد المغربي يشتكي من ضعف السيناريوهات، وتكرار المواضيع، وإعادة تدوير نفس الأسماء وغياب الابتكار، مما يثير تساؤلات مشروعة حول الآليات التي تتحكم في اختيار هذه الأعمال.

في قلب هذه الإشكالية، يجد السيناريست المغربي نفسه محاصرا بين سلطتين متداخلتين وهما: المنتج المنفذ، الذي أصبح المتحكم الأول في قبول السيناريوهات قبل وصولها إلى القناة، ولجنة القبول، التي يُفترض أن تضع المعايير النهائية لاختيار المحتوى. هذه الازدواجية في القرار تثير الشكوك حول معايير الاختيار، ومدى تأثير المصالح الشخصية والعلاقات على حساب الجودة والإبداع.

إذا كان الجمهور يعبر سنويا عن استيائه من محتوى البرامج الرمضانية، خصوصا “السيتكومات” والمسلسلات فإن السبب الأساسي يكمن في الآليات والترتيبات التي تسبق عملية قبول المشاريع التلفزيونية ضمن الصفقات العمومية التي تمول من المال العام، وبما أن هذه الترتيبات لم تنتج سوى احتكار أسماء وشركات معينة وإقصاء شركات أخرى ومؤلفين قادرين على تقديم أعمال أكثر جودة وتجديدا. فقد توضح أن القطاع أمام أزمة إبداع، ناتجة عن أزمة منظومة إنتاج تحتاج إلى إصلاح جذري؟

في المشهد التلفزيوني المغربي، لا يتوقف مصير السيناريو عند حدود الجودة أو الابتكار، بل يخضع لمسار معقد تتحكم فيه اعتبارات غير فنية، تجعل السيناريست في موقع ضعيف بين سلطة المنتجين المنفذين الذين يحصلون بشكل متكرر على كعكة الصفقات والدور الحقيقي للجنة قبول المشاريع التلفزيونية داخل القنوات العمومية. هذا الوضع يطرح إشكالات عميقة حول عدالة الاختيار، وحقيقة المعايير التي تحكم صناعة المحتوى الدرامي في المغرب.

من يملك سلطة الاختيار؟

يفترض أن تكون لجان القبول داخل القنوات العمومية هي الجهة المسؤولة عن الحسم في قبول الأعمال التلفزيونية على الورق ضمن معايير الجودة، والملاءمة، ومدى استجابتها لانتظارات الجمهور. غير أن الواقع يُظهر أن المنتج المنفذ أصبح حاجزا أوليا يقرر مصير السيناريوهات قبل أن تصل إلى مرحلة التقييم داخل القنوات. هذه الازدواجية في القرار تطرح تساؤلات مشروعة:

لماذا يُفرض على المؤلف المرور عبر المنتج المنفذ قبل أن يصل عمله إلى لجنة القبول؟

هل يخضع قرار كل المنتجين المنفذين لمعايير موضوعية، أم أن الأمر محكوم بعلاقات ومصالح ضيقة عند بعض الشركات؟

كيف يمكن ضمان حيادية هذا القرار، في ظل تزايد حالات تضارب المصالح، حيث يتحول بعض المنتجين المنفذين أو الممثلين إلى كاتب سيناريو ينافسون السيناريست المستقل!؟

تضارب المصالح وإقصاء السيناريست المستقل

أحد أخطر مظاهر هذا الوضع هو تحول بعض المنتجين المنفذين، بل وحتى بعض الممثلين، إلى مؤلفين للسيناريوهات، مما يحدّ من فرص السيناريست الحقيقي في الوصول إلى القنوات.

في غياب ضوابط واضحة، يجد السيناريست نفسه أمام سوق مغلقة، حيث لا يتم تقييم عمله بناء على مستواه الفني، بل وفق حسابات مصلحية تكرس هيمنة نفس الأسماء والشركات والمضامين المستهلكة، على حساب الإبداع والتجديد.

في المقابل، تعتمد دول ذات تجربة رائدة، مثل فرنسا، على آليات انتقاء مستقلة، حيث تخضع السيناريوهات لتقييم لجان قراءة مهنية، بعيدة عن نفوذ شركات الإنتاج، مما يضمن الشفافية والتعددية في الأعمال المنتجة.

السيناريست بين التهميش والاستغلال

نتيجة لهذا الاحتكار، يجد السيناريست المغربي نفسه في وضع غير مستقر، حيث يتخبط بين عدة إشكالات:

أولا: ضبابية المصير: قبول المنتج المنفذ للعمل لا يعني بالضرورة موافقة القناة، مما يترك السيناريست في حالة انتظار غير مبررة.

ثانيا: الحرمان من حقوقه المالية: في كثير من الحالات، لا يحصل المؤلف على مستحقاته إلا بعد موافقة القناة، وقد يمتد الانتظار لشهور أو حتى سنوات.

ثالثا: إقصاء السيناريست من دوره كشريك أساسي: رغم أنه العقل المدبّر للمحتوى، إلا أنه غالبا ما يُعامل كمورد أفكار، بينما يبقى المستفيد الأكبر من كعكة التلفزيون هم بعض المنتجين المنفذين والذين يتعاملون معهم.

نحو نموذج أكثر عدالة وشفافية

لإعادة التوازن إلى هذه المعادلة المختلة، لا بد من إصلاح جذري لمنظومة قبول السيناريوهات داخل القنوات العمومية، عبر اتخاذ إجراءات ملموسة وإذا استمر الحال على ما هو عليه ولم تتدخل الإدارة المسؤولة لحل هذه الإشكالية، التي تضرب تكافؤ الفرص وتكرس الاحتكار وتنعكس على ضعف وضحالة الإنتاجات التلفزيونية، فلن يتم الإصلاح دون إلغاء سلطة المنتج المنفذ الذي يرفض الأعمال دون أن تكون له صفة محايدة لقبول مقترحات مؤلفين متمرسين، فلا يعقل أن يكون قرار المرور إلى لجنة القبول خاضعا لمزاج وأهواء وأحكام جهة وسيطة.

ومن الملفات التي يجب الحسم فيها هي ضمان الحقوق المالية للسيناريست، إذ من المفروض إلزام المنتج المنفذ بتسديد جزء من المستحقات بمجرد توقيع العقد، بغض النظر عن قبول القناة.

وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلا بد من لجنة تحكيم مستقلة تتولى تقييم السيناريوهات، بعيدا عن تأثير شركات الإنتاج، لضمان النزاهة والتنوع، وسيصبح من المفيد للمشاهدين والسيناريست فتح باب تقديم المؤلفين لأعمالهم مباشرة للقنوات، دون الحاجة إلى المرور عبر المنتج المنفذ، مع تحديد سقف زمني لإعلان نتائج القبول أو الرفض، تفاديا لحالة الانتظار غير المبرر.

ضرورة إعادة الاعتبار للسيناريست المغربي المحترف

الذوق الخاص للمنتج المنفذ لا يمكن أن يكون معيارا للتحكم في الذوق العام، فلا يمكن لشخص واحد أن يحكم على جودة عمل موجه لملايين المشاهدين المغاربة، لذلك فإن إصلاح آليات قبول الأعمال التلفزيونية بات ضرورة ملحة، لضمان الشفافية، وحماية حقوق المؤلفين المحترفين، لتمكين السيناريست من مكانته الطبيعية كشريك رئيسي في صناعة الفرجة التلفزيونية التي تمول من المال العام..

وحدها هذه الإجراءات كفيلة بإعادة الاعتبار للكتابة الدرامية، وضمان عدالة الفرص، وفتح المجال أمام إبداع حقيقي يُثري المشهد التلفزيوني المغربي، بعد القطع مع الاحتكار وإعادة تدوير نفس المواضيع وتكرار نفس الوجوه المطلة على المشاهدين المغاربة في رمضان وباقي شهور السنة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق