*نشأت محباً للخيل والفلسفة والأدب العربي واللغات الحية..
*والدتي تولت تثقيفي وتعليمي مبادئ ومفاهيم الدين المسيحي وكانت بمثابة «الحارس الأمين» على شؤون الدين والأخلاق وحسن التعامل مع الآخرين.
*أحببت مقولات علي بن أبي طالب التي تدل علي حكمة عميقة وفلسفة .
*تعلمت من أبى نقاشاته التحليلية السهلة والميسرة بعيدا عن التسرع فى إدانة الأشخاص وفهمه لفلسفة الأديان الثلاث..
*أديت امتحانات الجامعة الألمانية علي فراش المرض بسبب مرض نادر أصاب الفك وحير الأطباء ..
*صدمت عند تعييني مهندس إنتاج بأحد مصانع الطيران والتي تنتج ثلاجات منزلية ماركة «كالفنيتور»، وأفلتت من المحاكمة العسكرية بأعجوبة .
*مرحلة الانفتاح في عهد الرئيس السادات تلاقت مع طموحاتي الاقتصادية
كتبت- هايدى فاروق
النجاح ليس بيسير، وفي مسيرة الناجحين عبر لا بد من الأخذ بها .. عثرات من المفيد أن نعرف كيف نتخطاها ..دروب وعرة السير بها يتطلب مهارات خاصة.. خبرات حياتية ومهنية يقدمها الكبار للأجيال الجديدة للاستفادة والنهل منها فهي كنز مفتوح لا يضن الكبار بتقديمه بهذه الطريقة للأجيال الجديدة وهو ما قد كتب عنه رجل الأعمال الكبير الدكتور نادر رياض في كتابه الذي صدر منذ فترة في عدة فصول، عن المركز الإعلامي العربي، والذي يرأس مجلس إدارته الدكتور مصطفى الفقي ضمن سلسلة الكتاب العصري الذي ترأس تحريره وفاء الغزالي، وهي أول سلسلة تتناول شخصيات مصرية من الزمن الجميل، ويحمل اسم “محطات في حياة رجل الصناعة نادر رياض”
ويعد الدكتور نادر رياض رئيس مجموعة بافاريا القابضة، أحد رواد الصناعة في مصر منذ لا يقل عن نصف قرن من الزمان خاصة لارتباط اسمه بصناعة تخصصية وطنية شقت طريقها من المحلية إلى العالمية، وحققت نجاحا على المستوى الدولي رغم تعدد المواصفات العالمية المتعلقة باشتراطات كل دولة على حدة، كما أنه لم يُعرف عنه الخلط بين أنشطة التصنيع والاستيراد في مجال تخصصه أو العمل في مجال الاستيراد والتصدير بديلاً من التصنيع مع تعارض اتجاه كل منهما والآخر.
افتتاحية للدكتور مصطفي الفقى
وقد اكد الدكتور مصطفي الفقي في كلمته الأفتتاحية للكتاب أن الدكتور نادر رياض يحمل صفة اسمه الأول فهو شخصية نادرة في حياتنا المعاصرة تفيض منه روح وطنية فى كل المناسبات، يعشق مصر ويضع خبرته الطويلة وعلمه الغزير وتجاربه الناجحة في موضع لائق لخدمة قضايا المواطن المصري ومشكلاته في كل الأوقات، وإنه رجل الصناعة الذي أحال كل ما تعلمه في الخارج إلي واقع عملي في داخل البلاد، ووظف إمكاناته الفكرية والثقافية والمادية سعيا نحو رفع مستوي معيشة أبناء وطنه، وفتح شركاته ومصانعه للمصريين والمصريات دون تفرقة أو تمييز وأعطي الجانب الثقافي اهتماماً خاصاً إذ تصدر عن (بافاريا) مطبوعة شهرية ذات محتوي ثقافي دسم يؤكد أن رأس المال النظيف يسعي إلي شراكة دائمة مع الثقافة العامة ومصادر التنوير، حتى أصبح العاملون معه وكأنهم أسرة واحدة هو عميدها ومثلها الأعلى.
ولم يترك الدكتور نادر «رياض مناسبة مصرية وطنية أو دينية» إلا وكان إسهامه فيها واضحاً وحفاوته بها .
وكتب الكاتب الصحفي حمدى رزق مقدمة حملت عنوان “استشراق الأفق”
قال فيها :”بين دفتي هذا الكتاب مسيرة حياة، مراحل عمرية، ومحطات فارقة، أحداث من دم ولحم، حافلة بالتفاصيل الصغيرة التي ترسم لوحة حياة صاحبها العريضة، حياة من عقود وسنوات وشهور وأيام، كل يوم يرسم غده، وكل عام يراكم على أعوام، وكل عقد يضيف منجزا في بناية عنوانها انتصار الحياة لمن يمكن تسميته بصديق الحياة.. حياتية مغلفة بالإنسانية فيها عبر ودروس وطنية، هكذا يعيش الوطن، ويتنفسه، ويملأ رئتيه من عبيره”.
ويطرح حمدي رزق إشكاليه هامه في المقدمة وهى خوف البعض من تدوين المذكرات الأمر الذي تعامل معه الدكتور نادر رياض بمحبه وصدق وصراحة حيث رصد عثرات الحياة وتأملها وتغلي عليها فهو حكاء يقف علي التفاصيل والأماكن والأزمنة يوردها بتفاصيلها الدقيقة فتخرج من مخبره تجربة مترعة مشبعة حافلة بالدروس والعبر الإنسانية المدهشة .
سيرة آل رياض
ويبدأ الكتاب بسرد سيرة آل رياض بداية من الدكتور نادر نصحى رياض من مواليد دمياط 20 أبريل 1943، الوالد المهندس الذي نشأ في صعيد مصر الشامخ.. الجد من ناحية الأب المهندس «رياض سلامة»، والذي عمل مهندسا في سكك حديد مصر في «عصر البخار»، ولم يلحق عصر الديزيل…
الجد من ناحية الأم عازر ابراهيم داود من أعيان البحيرة قرية كفر داود التي سميت باسم عائلة فرج بك داود، والذي كان مدرسا للخديوي إسماعيل، يعلمه اللغة الفرنسية، ومصاحبا له فى رحلاته التعليمية لكل من فرنسا وإيطاليا حيث أنعم عليه الخديوي إسماعيل بهذه المنحة بأن أقطعه ( 600 فدان) وسميت القرية باسم «كفر داود» على اسمه.
الجدة من ناحية الأب زاهية داود البيلوني الجدة من ناحية الأم السيدة «أماليا ميخائيل سيدهم»، تنتمي لعائلة «سيدهم من أعيان قرية «بسيون» محافظة الغربية وكان لأبي المهندس نصحي رياض ثلاثة إخوة كان له وزنه آنذاك. وأخت واحدة أحسن تربيتهم وتعليمهم وحصلوا على شهادات عليا ..
لمسة جمال من فيينا
ويتذكر الدكتور نادر رياض مراحل طفولته قائلا : وأنا لم أبلغ سن المدرسة بعد، أذكر صورة جدي المهندس رياض سلامة ببدلته وطربوشه وقد أتى إليه «عسكري المراسلة التابع للسكة الحديد ليصحبه إلى العمل بموتوسيكل ذى كابينة جانبية وهو يفتح له بابها ثم يقفل الباب بأداء منضبط مستق من التقاليد العسكرية.
سحر فيينا
درس أبى الهندسة في جامعة فيينا، ، وتخصص في القاطرات التي تعمل بالبخار وعاد منها بعد خمس سنوات ونصف هى فترة الدراسة والتدريب مهندساً متخصصاً في السكة الحديد وسفره لعاصمة الفن والسحر والموسيقى والجمال أضفي لحسه الفني موهبة الإحساس بالجمال.. وتقديره حق قدره.
كانت «فيينا» منافسة ل باريس، وقطباً مساوياً لها وغنت لها المطربة الفاتنة أسمهان «أغنيتها الشهيرة» ليالي الأنس في فيينا» من كلمات الشاعر الكبير «أحمد رامي من ألحان الموسيقار فريد الأطرش . .
ووصل والدي فيينا وعمره يناهز الـ ١٧ ربيعاً وعاد وعمره ۲۳ عاماً بكل ما تعلمه وحمله من رؤي وفن وثقافة وحس أدبي وتفوق مهني.
وقد شاءت الظروف بعد عودته ورغم حبه الشديد للعمل فـ السكة الحديد أن هذا الأمل اصطدم (بالعنجهية) البريطانية حيث كان السكك الحديدية المصرية ترزح آنذاك تحت صخرة الغرور والصلـف البريطاني، وكانت الحرب العالمية الأولى قد وضعت أوزارها.. إلا أن العداء بين أطراف الحرب الألماني / النمساوي المتحالف من جانب وأعدائهم من الجانب الأخر متمثلا فى بريطانيا وحلفائها من جانب آخر، حال دون ان يعمل في السكك الحديدية المصرية البريطانية من يحمل مؤهلاً هندسياً من جامعة «فيينا» باعتبار أن النمسا تنتمي لمعسكر الأعداء إلا أن الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الأشغال العمومية فتحت ذراعيها للشباب ذي التأهيل العالي الأوروبي فى وظيفة مهندس …
على اتساع رقعة الوطن، وعينته فى محافظات مصر يعد هذا المسمى، وفي هذا التخصص الذي أجاده تمامًا وتفوق فيه، والوظيفة المرموقة والتي أهلته للزواج من والدتي ابنة عين أعيان..
ويمضى الدكتور نادر في مذكراته للنشأة فيقول :
نشأت محباً للخيل والفلسفة والأدب العربي واللغات الحية كما كانوا يطلقون عليها ، ولدي صور عدت بها من ألمانيا، احتفظت بها في مكتبي، تضم إلى جانب الخيول، مقولات مأثورة فى براويز للإمام علي بن أبي طالب، منها مقولة تقول (ثلاث القليل منها كثير : النار والحقد والمرض.فقد احببت مقولاته التي تدل علي حكمة عميقة وفلسفة . و ما يتفوق به على كثير من الحكماء والفلاسفة، فكان فيلسوف الصحراء، وحكيمها من وجهة نظرى.
محتوى عقلانى
الناس عادة تحب أن تأخذ الأشياء على محملها العاطفي إنما أنا فقد نشأت على أخذها بمحتواها العقلاني، فقرأت في الدين الإسلامي فأعجبني ما احتواه من مكارم الأخلاق والجودة والعمل والأمانة فعلا وقولاً، ومع كثرة هذه التعاليم ما زال الكثير مما لم تتثبت مقاصده وأحكامه في التعاملات والمعاملات الحياتية بالدرجة الكافية واللازمة في عالمنا المعاصر.
والدتي تولت تثقيفي وتعليمي مبادئ ومفاهيم الدين المسيحي حيث كانت متأصلة في هذا المجال بحكم نشأتها.. كانت بمثابة «الحارس الأمين» على شؤون الدين والأخلاق وحسن التعامل مع الآخرين.
كان لوالدى المهندس نصحى رياض» شخصية متعددة الأبعاد وتتمتع بتنوع منابع الفكر لتتناسب مع كافة الثقافات بسلاسة ويسر، كل هذا في إطار موسوعى من المعلومات مع انفتاح سلس يجمع الثقافة الشرقية الأصيلة مع الثقافة الغربية ذات الآفاق التي لا تحدها أسقف قيمية.
وقد كان لى مع والدي الكثير من المواقف التي تجعل صداقة عميقة وممتدة تتغير مع طبيعة كل مرحلة سنية، دون أن ينتقصر ذلك من تأصل الحب بيننا والتمتع بالتواصل الفكرى ذي الذكاء المتوقع من جانبه طبعا ..
انتقلنا تالياً إلى حي مصر الجديدة في الخمسينات، حيث عايشت ورأيت أحداثاً ضخمة وعارمة بمعيار سنى الصغير، منها زواج الملك فاروق بالملكة ناريمان»، وكيف أن أصحاب المحلات فى الشوارع الرئيسية زينوها بزينات مضيئة مبهرة على نفقتهم الخاصة، وكيف أن والدتى اصطحبتني وإخوتي في سيارة تاكسي لنمر ونشاهد تلك الزينات وننبهر بها . ايضا اتذكر مشاهدتى لحريق القاهرة.
كنا نشاهد سحب الحريق داكنة السواد مرئية من مصر الجديدة علي مدى أكثر من ١٥ كيلو متراً، حيث اصطحبني والدي وإخوتى في أول إجازة لنمر معه بالسيارة بشوارع وسط البلد لنرى مشاهد الدمار والحريق الرهيبة بالمحال الكبرى وفنادق شارع الجمهورية وشيكوريل و الطرابيشي، وقد تناثر زجاج الفترينات وتحطمت شبابيك الأدوار وغطى سناج الحرائق المباني من الخارج بصورة تكاد لا تتكرر رؤية لها مرة أخرى في حياة الإنسان الذي شاهدها رؤية العين ثم قامت ثورة يوليو عام ۱۹۵۲ والعدوان الثلاثي على مصر.
فلسفة الديانات
وقد تعلمت من أبى نقاشاته التحليلية السهلة والميسرة بعيدا عن التسرع فى إدانة الأشخاص والمنظور المتفهم للفلسفة الديانات الأخرى.
واذكر في أحد الأيام، وكان يوم عيد، أن اشتريت بجانب من العيدية مطواة صغيرة ذات ميدالية، وكانت جميلة الشكل، من وجهة نظري إلا أنها مكتوب عليها «الله أكبر»، وجلسنا في «التراس الكبير» كعادتنا في أيام الإجازات والأعياد، نتناول ما تجود علينا به الوالدة «الست أليس» من طيبات، وأنا منهمك في محاولة إزالة عبارة «الله أكبر» بأظافرى. فنظر إلى والدى وقال لى ماذا تفعل فقلت له: «أحاول إزالة عبارة الله أكبر». قال: «ليه؟».. قلت له: عشان دى عبارة إسلامية»، فسألني: «أليس الله أكبر من أى شيء؟»، قلت له : «ايوه»، قال لى: «يبقى خلاص العبارة سليمة وصحيحة المعنى، يبقى ملناش دعوة هى جاية منين لازم نعترف بالحق والواقع»، فكان أول درس لى فى الفهم المبكر لاحترام الحقائق المتمشية مع المنطق وعدم التأثر بأى مؤثرات تحول دون ذلك.
درس في الملكية ..
يتذكر الدكتور نادر رياض قصة لأبية عن درس اعطاه له في الملكية والفهم الصحيح لها …عندما ارادت ابنته نيلى بيع مضرب تنس لمدربها ماركه شهيرة وقتها ب ٢٢ جنيها ..وحينها غضب اخوهم الكبير ناجى واشتكاها للوالد فقال في هدوء : دليل الملكية هو الحق في التصرف فيما هو مملوك بالبيع أو الشراء أو التأجير أو المنح، فأنا أعطيك ثمن الكتب ولا أشاركك في ملكيتها. وأعطيك مصاريف الكلية ولا أشاركك في اللقب العلمي الذي ستحصل إقناع الـ عليه، ثم ابتسم وقال: «باعتبارك الأخ الأكبر لإخوتك فإنه من المنتظر أن تشملهم برعايتك التي يكون فيها جانب العطاء أكبر من جانب الأخذ..واذهب واشتري لها المضرب بأكثر مما تريد بيعه للمدرب .. ولاتحول الحق الطوعى في استخدام المضرب إلي منازعة ملكية
عقبات
في الفصل الثانى من الكتاب يمضى الدكتور نادر رياض في سرد العقبات التي واجهته في بداية حياته متمثلة في أصابته بألم شديد في الفك احتار الأطباء فيه في الوقت الذي كان يستعد فيه لامتحانات الثانوية العامة مما استدعى سفره لألمانيا …
وعلي غرار اوراق العظيم احمد زكى في فيلم النمر الأسود التي سافر بها إلي ألمانيا والتي كانت تحوى بعض الجمل البسيطة الحياتية فعل والد نادر رياض معه نفس الطريقة فالأب كان ضليع باللغة الإلمانية لأنه عاش في النمسا فترة فبدأ يكتب لأبنه بعض الجمل التي سيحتاج إليها عند سفره وستسهل عليه الحياة هناك … حيث تمكنه من الانتقال بالقطارات والتعامل في المطاعم وتحميه من الاحتيال والنصب ..لكن قبل سفر الإبن بوقت قليل قرر الأب أن يرافقه ويترك أعماله جميعها في القاهرة ويحكى نادر رياض عن هذه الرحله العلاجية المميزة مع الرفيق والصديق الأب .. وأدى الدكتور نادر رياض امتحان الجامعة الألمانية وهو علي فراش المرض بألمانيا ..
ويؤكد أن التحاقه بقسم هندسة الطيران كان له قدر من الحماس حيث كانت الدولة مقبلة بقوة على إنشاء صناعات حربية وعسكرية وكان لالتحاقي بقسم هندسة الطيران قدر من الحماس وفتحت آفاق كبيرة وداعبت خيال الشباب في خوض مضمار هذه العلوم الجديدة محلقين بالروح الوطنية العارمة.. وتم تكليفي وزملائى للالتحاق بأحد مصانع الطائرات وكم كانت دهشتي كبيرة عندما علمت أن علي أن أتسلم عملي في أحد المواقع الإنتاجية والتي لا علاقة لها بإنتاج الطائرة .
تم تعييني مهندس إنتاج بأحد مصانع الطيران والتي تنتج ثلاجات منزلية ماركة «كالفنيتور»، وكم كانت صدمتي كبيرة، وقمت للحظتي بتخطى الصفوف والحواجز متجها إلى مكتب نائب رئيس مجلس الإدارة ، حيث أسمعته ما يجيش بصدري من حنق وغضب، وذلك في حديث لا علاقة له باللياقة أو الانضباط العسكري ..حيث أسمعني بدوره ما يناسب هذا المقام…
انتهى اللقاء الذي لم يزد على عشر دقائق، بأن تم تسليمي إلى الشرطة العسكرية التي اعتبرتني متهجما على رئاسة عليا في منطقة عسكرية وبالكاد أفلح والدي في تقديم اعتذارت شفهية ومكتوبة للإفلات من المحاكمة العسكرية.
أمام سلوكي الغاضب والرافض من جانبي أي رغبة في الاعتذار أوما اعتبرته تقديما لتنازلات ازدادت قناعة والدي بأن ثورتي هذه لا مجال لها في ظل الأوضاع المحيطة، فأقنعني بالعودة إلى ألمانيا لاستكمال دراستي التي لم أستكملها على أن يكون تخصصي النهائي في الهندسة الصناعية.
وفي الفصل الرابع يتحدث نادر رياض عن بافاريا مصر .
يقول: والعود أحمد عدت إلى ألمانيا مرة أخرى، ولكن هذه المرة بعودة مختلفة، مخلفاً ورائي مرارتين:
الأولى: مرارة النكسة، وتداعياتها الرهيبة على مصر التي أحبها من كل روحى ودمى.
والثانية: خذلان طموحاتى الفنية كمهندس لتصميم وإنتاج الطائرات والصواريخ.
ثم جاءت مرحلة أخري صاحبت هذه المرحلة إعلان الرئيس السادات السياسة جديدة والتي سميت بسياسة الانفتاح تعمل على تمكين القطاع الخاص والأفراد من تولى أعمال حرة وأقامة مصانع فى مدن صناعية بدأها بمدينة العاشر من رمضان ومدينة 6 اكتوبر الصناعية وامتدت لتصبح (٥١) مدينة صناعية في المحافظات، وتلاقى هذا الفكر الجديد مع طموحاتي ..
وفي العام ۱۹۷۱ بدأت وفى يدى عقد شراكة مع شركة «بافاريا» الألمانية التي سبق أن تدربت فيها تدريبا صيفيًا على فترتين متتاليتين بالإضافة إلى فترة ثالثة سبقتهما أثناء المرحلة الأولى من الدراسة، جاءت أولى فترات التدريب الصيفي في مرحلة البدايات حيث أتيح لي ذلك في مصنع الصناعات الكميائية في شمال المانيا وبالتحديد في منطقة صناعية شیمی دبيل بروك، وهي إحدى ضواحي مدينة هامبورج، وهي ثاني المدن الالمانية من حيث الكثافة السكانية بعد برلين، وهي مقاطعة كبيرة تحمل وان اسم عاصمتها هامبورج وهو الميناء الأول للصادرات الألمانية من خلال بحر الشمال، وهو ثاني ميناء أوروبى بعد ميناء روتردام الهولندي…
تخصص هذا المصنع الكيماوي والمملوك لأسرة تسمى Stahmer والتي تخصصت في صناعة المواد الرغوية الخاصة بالإطفاء، وقد كانت فترة التدريب هذه مفيدة جداً لى للانفتاح على عالم الإطفاء على رحابته حيث تعرفت خلالها على مواد الإطفاء التي تستعمل في تكنولوجيات إطفاء
هذا الأمر ساعدني في فهم حقيقة مهمة وهي أن عدداً لا يستهان به من المهندسين يرى في المواصفات الفنية والقياسية عائقا مقيدا للصناعة بينما رأيتها فرصة للانطلاق منها للتفوق المحلي ومنها إلى العالمي، وان تلك المواصفات لا بد أن تتطور كل (٥) سنوات على أقصى تقدير
جاءت فترة تدريبى بمصنع شركة «بافاريا» والتي تدير مصنعا لها في مدينة «فالكنشتاين» بالمرتفعات البافارية حيث كانت إدارتها تقع في مدينة نورنبيرج فكانت بدايتي في الإدارة في «نورنبرج، حيث ربطت بيني بين الهر هلموت لوز» علاقة من الود من أول لحظة رغم فارق السن بيننا والذي تعدى الخمسة والعشرين عامًا، إذ أنه وأخته كانا من محبي مصر..
كان أول درس بدأت به اولى خطواتي في علم استراتيجيات الصناعة درس مهم وملهم فى أن واحد فقد كان لبافاريا المانيا حوالي ٦٠ نوعية من اجهزة الإطفاء تضمها حزمة منتجاتها المتداولة ما بين قديم وتقليدي ومستجد ، كل له نوعية مختلفة من التصميم ..
ويؤكد نادر رياض في الفصل الأخير أن بافاريا الألمانية أصبحت الذراع التصديري الرئيسي إلى أوروبا من خلال 200 موزع وتاجر فى غضون العشر السنوات الأولى من عام 2000إلى عام 2010.
وبفضل إدارة البحوث والتطوير التابعة للإدارة فى مصر سواء فى مجال المنتجات أو فى مجال الدراسات التسويقية فى ألمانيا ، فقد أمكن النهوض بشركة بافاريا ألمانيا بعد أن كانت فى المركز الحادي عشر بالسوق الالمانى لتصبح في المركز الرابع حسب استقراءات عام 2019 ، وتنافس على المركز الثالث متمتعة بقدرة تنافسية عالية وهو أمر ليس بالهين حيث أن الشركات الثلاث التي تسبقها حجماً واستحواذاً في السوق الألمانى تعتبر من الشركات العملاقة.
إن عمر شركة بافاريا الألمانية على مدى المائة عام الماضية منذ 1923 حتى 2023- قد تلازمت مع بافاريا مصر فى شراكة على مدى ما يزيد عن 50 عاماً انتهت بأن آلت ملكيتها إلى شركة بافاريا مصر على مدى الـ 23 عاماً الأخيرة محققة بذلك قصة نجاح على طريق الكفاح المتواصل والطموح والجرأة …
ويختتم نادر رياض الكتاب قائلا : عندما يمتد الحلم لما بعد النوم إلي اليقظة ويصبح له من المقومات ما تجتمع حوله العقول والسواعد الجادة التي توفر له إمكانية التطور والتنامي الذاتي بمفاهيم الجودة المستدامة، وبذا يتحول الحلم إلى واقع ملموس
وحقيقة لها ركائز … فيا كل حالمي اليوم هلموا واشحذوا الهمم “اليوم اليوم وليس غداً”…
0 تعليق