دائمًا ما أجد نفسى فى معارك فكرية أقف فيها بمفردى فى مواجهة أطراف عدة ورغم ما أتعرض له من مضايقات بسبب أرائى أو ما أقحم نفسى فيه من معارك لا ناقة لى ولا جمل فيها إلا أن هذا لم يفلح على مدار السنوات الماضية فى إقناعى بتغيير منهجى فى الحياة حتى عندما حاولت الإنصياع للتيار فى بعض الأوقات فشلت محاولاتى فى مجاراته لدرجة أزعجتنى أنا شخصيًا بسبب حالة الصراع بين الحق والباطل التى أجد نفسى دومًا داخلها فى محاولة للانتصار لما هو حق من وجهة نظرى أو لما أقنعنى به الآخرون بأنه حق لمآرب شخصية ورغم كل هذا لم أتعلم ومازلت أنتهج نفس الأسلوب.
هذا التشويش الفكرى الذى أتعرض له من موقف لآخر جعلنى دائمًا أمام تساؤل هل أنا على حق حقًا وهو الأمر الذى أعجز عن إثباته أو نفيه حتى وصل الأمر لهذه المعركة الفكرية لمحطة صغارى فدومًا ما أحاول فرض وجهة نظرى عليهم لأجد نفسى طرفًا وحيدًا فى معركة متعدة الأطراف حيث صغارى ووالدهم تارة وأصحابهم تارة آخرى وأحيانًا يتدخل أهلية الأصدقاء وأهلى أنا شخصيًا فى محاولة لإقناعى أنى لست على حق فيما أفعله وأنه سيكون سببًا فى تعقيدهم وجعلهم غير أسوياء إزاء سياسة فرض الرأى الواحد التى أمارسها عليهم.
ما يرونه سياسة فرض الرأى لا أراه أنا إلا رؤية أعمق لواقع بات فى غاية الصعوبة وربما هذا له مرجعية لعملى كمحررة حوادث لعدة سنوات عايشت فيها من الحوادث ما جاوز العقل والمنطق وجعل شعرى يشيب من هول تفاصيلها فأى أمان ممكن يتحقق فى زمن فارقت فيه الأم الحياة على يد ابنتها أو فقدت طفلة براءتها على يد والدها وهو الأمر الذى فرض على حياتى مجموعة من المحاذير جعلتنى حذرة فى التعامل مع الآخر.
خوفى من التعامل مع الآخرين فرض بعض الأمور على أبنائى ففكرة الذهاب مع أصدقائهم لأماكن لا أكون متواجدة فيها مرفوضة فى معظم الوقت وهو ما أقابله بهجوم حاد من الجميع واتهام لى بإضعاف شخصيتهم فلم يعد عمرهم يسمح بهذا التحكم ويجب أن أترك المجال والحرية لهم لاكتشاف الحياة والتعلم منها.
لا أنكر أننى ضعفت أمام هذا الهجوم المتكرر ورفعت راية الاستسلام فى كثير من الأوقات حتى كان هذا اليوم حيث كنت أجلس فى النادى وجاءنى صغيرى يخبرنى برغبته فى الخروج مع أصدقائه لشراء بعض الأشياء من أحد المحلات المجاورة وهو الأمر الذى إذا قابلته بالرفض سأجد هجومًا من الكبار قبل الصغار على شخصى سينتهى بإرغامى الموافقة لذا وافقت لمجاراة التيار مكرهة ولم تمض دقائق حتى جاءنى اتصال يفيد بتعرض ابنى لحادث سرقة بالإكراه هو وأقرانه.
حالة الخوف والفزع التى سيطرت على جعلت الأمتار القليلة التى تفصلنى عن ابنى عدة أميال ولم يفلح وقتها من كانوا يهاجمون أفكارى فى وأد النار التى اشتعلت بداخلى حتى مع الوصول إليه والاطمئنان على سلامته فما تعرض له كان كفيلًا بإرهابى فما بالكم بحاله هو ورفاقه لتبدأ معركة فكرية آخرى ما بين تلك الأصوات التى تحيط بى وتحاول إقناعى بأن على الصمت طالما صغيرى بخير وما سرق لا يستحق التفكير فيه لكنى رفضت الاستسلام لصوت أيقنت كونه الباطل فالإيذاء النفسى الذى تعرض له صغيرى وأقرانه علاجه ضبط المتهمين ومعاقبتهم على ما أقترفوه بحق أطفال آمنين.
تواصلت مع الشرطة طلبًا للنجدة وكان القدر رحيمًا عندما أهدى أحد أولياء الأمور فكرة اصطحاب الأطفال المجنى عليهم وتمشيط المنطقة ليتم العثور على أحد المتهمين وتسليمه للشرطة التى نجحت من خلاله فى ظبط باقى الجناة..البحث عن الحق لم يتوقف عند هذا الحد حيث علمت أن أطفال آخرين بعمر ابنى وأقرانه تعرضوا لنفس الموقف ولكن صوت الباطل أقنع أهليتهم بالصمت فاجتهدت من أجل الوصول لهم وإقناعهم بضرورة الحفاظ على حق الصغار وإتخاذ الإجراءات القانونية وتحرير محضر بالواقعة.
هنا أدركت إجابة سؤالى الصعب فما أراه حقًا هو حق حتى لو رأه الآخر خطأ لأن لكل منا قناعاته المنبثقة من تجاربه الحياتية وما عايشته هو وحده الكفيل برسم اتجاهاتى فى الحياة وفرض اختياراتى عليها حتى لو رأها الآخر تحكم المهم سلامى النفسى.
0 تعليق