في تطور اعتبرته المنظمات الإغاثية مقلقا، إذ يعكس عمق الأزمة الإنسانية العالمية، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) اضطرارها تعليق معظم مساعداتها الحيوية للاجئين في مصر بسبب نقص حاد في التمويل.
هذا القرار، الذي يأتي وسط تصاعد الاحتياجات الإنسانية، سيؤثر بشكل مباشر على عشرات الآلاف من اللاجئين، وخاصة أولئك الفارين من الحرب الأهلية المستمرة في السودان، مما يضعهم في مواجهة مصير غامض ومخاطر صحية متزايدة.
وفقًا لبيان صادر عن المفوضية، فإن "النقص في الموارد المالية وحالة عدم اليقين بشأن مساهمات المانحين" أجبراها على اتخاذ خطوة صعبة بتعليق جميع أشكال العلاج الطبي للاجئين في مصر، باستثناء العمليات الطارئة المنقذة للحياة.
هذا التعليق يشمل علاجات حيوية مثل جراحات السرطان، العلاج الكيميائي، عمليات القلب، وأدوية الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم، مما يؤثر على حوالي 20،000 مريض مسجل. وأوضح جاكوب أرهيم، مسؤول الصحة العامة في المفوضية، أن العديد من هؤلاء المرضى "لن يتمكنوا من تحمل تكاليف الرعاية الصحية بأنفسهم، وسيزداد مرضهم سوءًا، وقد يموت الكثيرون" في غياب دعم الوكالة.
ووفقا لشبكة ريليف ويب، تستضيف مصر حاليًا أكثر من 939،000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين من السودان و60 دولة أخرى، وفقًا لتقديرات المفوضية لعام 2024. ومن بين هؤلاء، يشكل السودانيون النسبة الأكبر، حيث فر أكثر من 1.5 مليون شخص من الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل 2023، وتسجل المفوضية حوالي 670،000 منهم. هؤلاء اللاجئون، الذين يعانون بالفعل من صدمات النزوح ونقص الموارد، سيكونون الأكثر تضررًا من هذا التقليص في الدعم، خاصة مع تزايد أعدادهم اليومية واحتياجاتهم الملحة.
تجدر الإشارة إلى أن الأزمة المالية التي تواجهها المفوضية ليست جديدة، لكنها تفاقمت بشكل كبير هذا العام. في 2024، تلقت الوكالة أقل من نصف المبلغ المطلوب، أي حوالي 135 مليون دولار، لتلبية احتياجات اللاجئين في مصر.
ومع استمرار تقلص التمويل الإنساني العالمي منذ بداية 2025، أصبحت المفوضية مضطرة لاتخاذ "خيارات مستحيلة" بين تعليق البرامج المنقذة للحياة أو الإبقاء عليها بأدنى مستوياتها. وقالت الوكالة في بيانها إن "الانخفاض الحاد في التمويل الإنساني أدى إلى نقص خطير في الموارد"، مشيرة إلى أنها تعطي الأولوية الآن للفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال غير المصحوبين بذويهم وضحايا العنف.
من جانبها، أكدت مارتي روميرو، نائبة ممثل المفوضية في مصر، أن "احتياجات اللاجئين الفارين من السودان تتزايد يوميًا، لكن التمويل لا يواكب هذا التصاعد". وأضافت أن مصر، التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السودانيين مقارنة بأي دولة أخرى، تواجه ضغوطًا هائلة على خدماتها الأساسية، محذرة من أن "عدم اتخاذ إجراءات دولية فورية سيؤدي إلى تفاقم المعاناة لكل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة".
في الوقت نفسه، أثارت هذه التطورات قلقًا واسعًا بين المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي. فقد أشارت تقارير حديثة إلى أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق المساعدات الأمريكية لمدة 90 يومًا في يناير 2025، بهدف مراجعة "مصالح الولايات المتحدة"، قد ساهم في تفاقم الأزمة. الولايات المتحدة، التي كانت توفر حوالي 40% من ميزانية المفوضية (ما يقارب 2 مليار دولار في 2024)، تعد أكبر داعم للوكالة، وتجميد مساهمتها ألقى بظلال من الشك على استدامة البرامج الإنسانية عالميًا.
على الرغم من أن اللاجئين المسجلين في مصر يحق لهم الوصول إلى النظام الصحي الوطني، إلا أن القليل منهم يستطيع تحمل تكاليف العلاج عبر قنوات غير حكومية في الحالات الطبية الحرجة، مما يجعل تعليق مساعدات المفوضية ضربة قاصمة. وفي ظل هذا الواقع، دعت المفوضية المانحين - سواء الأفراد أو الشركات أو الحكومات - إلى "التدخل العاجل" لتوفير الدعم اللازم، مؤكدة أن "الحياة تعتمد على ذلك".
مع استمرار تدفق اللاجئين إلى مصر، خاصة من السودان المجاور، وتفاقم الضغوط على البنية التحتية المحلية، يبدو أن هذه الأزمة لن تجد حلًا سريعًا. القرار الأخير للمفوضية يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تضافر الجهود الدولية لدعم البلدان المضيفة مثل مصر، التي تتحمل عبئًا كبيرًا في استقبال الفارين من النزاعات، ويحذر من عواقب وخيمة إذا ظلت الأزمة المالية دون حل.
0 تعليق