مخطوطة , تعتبر الحوليات التي كتبها المؤرخ الروماني بوبليوس كورنيليوس تاسيتوس من أهم المصادر التي تقدم لمحة مباشرة عن الحقبة التي عاش فيها يسوع المسيح.
كتب تاسيتوس هذا العمل بعد حوالي 91 عامًا من صلب المسيح ، واعتمد فيه على السجلات الرسمية والمصادر الموثوقة. في الكتاب الخامس عشر من حولياته، يصف المؤرخ حادثة حريق روما الكبير عام 64 ميلادية، والذي كان سببًا رئيسيًا في بدء أول اضطهاد واسع ضد المسيحيين.
في معرض حديثه عن هذا الحدث، يذكر تاسيتوس جملة تُعد من أبرز الشهادات الوثائقية غير المسيحية عن المسيح، حيث كتب:
وتُعد هذه الجملة دليلاً تاريخيًا مهمًا يؤكد وجود المسيح وواقعة صلبه، وهو ما يتفق مع ما ورد في العهد الجديد من الكتاب المقدس، والذي يذكر أن بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني لمقاطعة يهودا، حكم على المسيح بالموت صلبًا.
مخطوطة رومانية تكشف بداية اضطهاد المسيحيين
بدأ أول اضطهاد منظم للمسيحيين في عهد الإمبراطور نيرون، الذي حكم بعد نحو عقدين من صلب المسيح. استغل نيرون حريق روما الكبير، الذي اندلع في 19 يوليو عام 64 ميلادية، كذريعة لتوجيه اللوم إلى المسيحيين، وذلك لتشتيت الأنظار عنه وسط غضب شعبي متزايد. دمر الحريق عشرة من أصل أربعة عشر حيًا في روما، وأدى إلى مقتل مئات وتشريد آلاف المواطنين، مما تسبب في موجة سخط عارمة.
ادعى نيرون أن المسيحيين هم من أشعلوا الحريق، وبدأت حملة اضطهاد قاسية ضدهم. يصف تاسيتوس بوحشية ما جرى، حيث تم تغطية المسيحيين بجلود الحيوانات البرية لتمزيقهم بواسطة الكلاب، أو صلبهم، أو حرقهم أحياء لاستخدامهم كمشاعل لإضاءة الحدائق ليلاً. لقد تحوّلت حدائق نيرون إلى مسرح رعب حقيقي، في ظل مشهد دموي كان يتابعه الناس كما لو كان عرضًا في السيرك الروماني، بينما كان نيرون نفسه يتنكر كأحد سائقي العربات أو يظهر كمتفرج.
مخطوطة تكشف المسيحية في ظل الإمبراطورية من التهديد إلى العقيدة
في تلك الفترة، كانت الإمبراطورية الرومانية متعددة الآلهة، وكان قبول الديانات الأجنبية أمرًا معتادًا، إلا أن انتشار المسيحية كان يُنظر إليه كخطر على النظام القائم، خاصة بسبب طبيعتها التوحيدية ورفضها لعبادة الأباطرة. ومع أن المسيحيين الأوائل جاؤوا في الغالب من مقاطعة يهودا، إلا أنهم بدأوا في الانتشار داخل روما نفسها، مما زاد من مخاوف السلطة.
بحسب العهد الجديد، وُلد المسيح في بلدة نائية على أطراف الإمبراطورية قبل حوالي 2021 عامًا، وقُتل عن عمر يناهز 33 عامًا. ويجمع معظم المؤرخين على أن يسوع شخصية تاريخية حقيقية، وأن تعاليمه حول الحب والتسامح، بالإضافة إلى موته المأساوي، دفعت أتباعه لتأسيس ديانة جديدة سرعان ما انتشرت، لتصبح لاحقًا واحدة من أكبر الديانات في العالم.
وقد ساهم توثيق تاسيتوس في التأريخ لهذه المرحلة المفصلية، حيث عُرف بأسلوبه النقدي وجرأته في وصف فساد الأباطرة وظلمهم، مما يجعل مخطوطاته من المصادر النادرة التي تسجل بدقة اضطهاد المسيحيين الأوائل وتقدم لمحة واقعية عن بداية ظهور المسيحية في قلب الإمبراطورية الرومانية.
0 تعليق