إفيه يكتبه روبير الفارس: "سفالة الأتقياء"

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام
google news

بصفة عامة، لماذا يشتم الإنسان؟، يرى البعض في الشتيمة نوعًا من التعبير عن نفسية مقهور عاجز، بعيدًا عن سوء السلوك وغياب التربية، فهو لا يملك غيرها للدفاع عن خطر يحيق به.

 لذلك هناك دراسات نفسية تقول إن الشتيمة تعطي الإنسان قوة وراحة وشعورًا كاذبًا بالانتصار، ومن هنا نذهب إلى منطقة أخرى وسؤال آخر: لماذا يشتم الشخص المتدين؟ فقد برزت هذه الظاهرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، حيث تجد أشخاصًا يزينون صفحاتهم بصور شيوخ وأولياء وقديسين وآيات مقدسة، ومع ذلك تجدهم أكثر الناس "سفالة"  للتعبير عن رفض موضوع، في تناقض واضح يعبر عن تمكن الأمراض النفسية وازدواجية سوداء وانفصام يشكل وعي "التقي السباب"، وكل هذا دفاعًا عن الإيمان وعن الأشخاص المقدسين.

هذه صورة واقعية سبق وعبرت عنها السينما المصرية مبكرًا جدًا، فقدمت العديد من النماذج الدرامية “للمجرم المتدين”، لعل من أشهرها دور رئيس العصابة، الذي قام به  الفنان القدير زكي رستم، في فيلم "رصيف نمرة 5"، وتجلى هذا التناقض الكبير باللجوء إلى الصلاة بعد القتل: "ناويت أن أصلي ركعتين لله". وعندما يُسأل عن سبحته، يتذكر أن حباتها قد سقطت فوق جثة القتيلة. لا يدرك الشتام أنه يقتل بلسانه، ولا عجب إذا استمر في صلاته. وفي أفلام عديدة تجد اللص يطلب الستر من الله لتتم سرقته في أمان وهدوء.

كنا نظن أن تلك المشاهد بغرض الكوميديا السوداء، أو لإظهار مكر المجرمين وقدرتهم على التخفي في شكل المتدين، حتى أصبح التدين السائد في المجتمع هو شكل أو أشكال فقط لإتمام عملية نصب وسرقة وسب، فتجد التاجر في محله يشغل القرآن الكريم أو الترانيم ليوحي للزبون بالتقوى والورع، وهو يغش في الميزان ويغير الأسعار كل دقيقة! أي أن التدين صار شكلًا وأداة من أدوات النصب.

استوقفني مشهد للفنان القدير محمود الجندي، وكان يقوم بدور "أستاذ للمجرم" في فيلم "بني آدم"، وهو يقدم النصائح التي يجب على تلميذه اللص الكبير "يوسف الشريف" أن ينفذها حتى يبارك الله له في أموال البنك الذي سرقه! هذا الحوار المستفز قد يكون مقبولًا على الشاشة من قبيل أن الإنسان يبرر جرائمه المختلفة حتى يحقق اتساقًا مع نفسه بحيل دفاعية، لكن الاصطدام بها في الواقع يجعلك بالفعل تشد في شعرك وتقترب من حافة الجنون.

متدين يصلي ويسبح، يرنم ويحب أشخاصًا مقدسين من المفترض أنهم قدوة روحية ومثل عليا له، يتباهى بصور ممارساته للفروض والطقوس، يجد فيلمًا لا يعجبه، رواية لم يقرأها، إعلانًا عن ندوة أو كتاب أو بوست يضم معلومات وحقائق ووقائع يرفض تصديقها، فيتحول إلى مسخ ينزع عن لسانه وبسهولة ثوب التقوى الزائف ويتحول إلى “مرحاض عمومي”، مقهور هو وعاجز لأنه لا يستطيع أن يناقش أو يرد الحجة بالحجة. قلبه سيء من فضلاته ينطق، تعاليمه التي كونت شخصيته أثمرت "قلة الأدب"، وذلك ببساطة لأن تدينه وسيلة سطحية للحصول على إشادة اجتماعية ومزايا عديدة في مجتمع يتعاظم فيه النفاق الديني ليصل إلى نجوم السماء، ويحقق أيضًا مكاسب ظاهرة وخفية وتصفيق من أمثاله الكثيرين. حيث لا إيمان عميق ولا سلوك إنساني راقي، هنا تتجلي   سفالة "الواد المؤمن".

إفيه قبل الوداع:  
 كله ضرب ضرب مفيش شتيمة (فيلم الناظر)
 الشتيمة تقتل أيضًا مثل الضرب

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق