"الزواج الافتراضي" يثير تساؤلات المغاربة بشأن احترام الضوابط الشرعية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع توسع الفضاء الرقمي أصبح الزواج عبر الإنترنت، أو ما يُعرف بـ”الزواج الافتراضي”، ظاهرة متنامية ولافتة للنظر، حيث يتعرف الأزواج المحتملون على بعضهم من خلال مؤثرين على مواقع التواصل، دون لقاء مباشر، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول تأثيره على طبيعة العلاقات الإنسانية، ومدى استدامته في ظل غياب التواصل الواقعي.

وأثار هذا النمط الجديدة من الزواج جدلًا واسعًا في علم النفس الاجتماعي، إذ يناقش المختصون سياقه المجتمعي، وتأثيره على استقرار العلاقة، ومدى توافق الشريكين دون تفاعل مباشر. كما يخضع هذا الموضوع للنقاش من الناحية الشرعية، ومدى تقيّده بالضوابط التقليدية والدينية.

مقاربة نفسية اجتماعية

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “الزواج الافتراضي يعتبر موضوعًا مهمًا يستحق الدراسة العلمية من زوايا متعددة”، موضحا أنه “في السياق المجتمعي والاقتصادي بالمغرب يمكن النظر إلى الزواج الافتراضي على أنه نتيجة للفرص التي يوفرها العالم الرقمي للبحث عن شريك الحياة، خاصة عندما لا يسمح الواقع الاجتماعي أو الاقتصادي بتحقيق ذلك في السن الذي يرغب فيه الفرد، ولاسيما بالنسبة للإناث، سواء في الأوساط القروية أو الحضرية”.

وأضاف السعليتي أنه “في ظل تنامي العزوف عن الزواج، خصوصًا بين فئة الشباب الذين يؤجلون الارتباط لأسباب مهنية أو غيرها، بات العالم الافتراضي حلًّا وحيدًا أمام العديد من الأفراد، إذ يتيح هذا الفضاء إمكانيات جديدة لربط العلاقات العاطفية بعيدًا عن القيود الجغرافية التي يفرضها الزواج التقليدي، إذ لم يعد البحث عن الشريك مقيدًا بالمحيط المباشر للفرد، بل أصبح مفتوحًا على نطاق أوسع بفضل الوسائل الرقمية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذا الواقع المستجد يجعل الزواج الافتراضي بديلاً للحالات التي تعاني من الإحباط أو الحرمان العاطفي، إذ أصبح يمثل فضاءً لمن لا فضاء له”، وزاد: “عندما تنجح بعض العلاقات الافتراضية في التأسيس لحياة زوجية مستقرة فإنها تؤثر على نظرة الآخرين لهذا النوع من الزواج، ما يجعله نموذجًا تسعى إليه العديد من الفئات”.

واسترسل أستاذ علم النفس الاجتماعي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “إن هذه التجربة الجديدة في الزواج لا تخلو من المجازفة، نظرًا لاحتمال بناء قرارات مصيرية على معطيات قد لا تكون دقيقة، إذ تشكل المعلومات المتبادلة عبر الوسائط الرقمية أساس الانطباع الأولي عن الطرف الآخر”.

ونبّه مصطفى السعليتي إلى أنه “في هذا السياق يمكن استعارة مفهوم ‘الماركتينغ العاطفي’ لوصف الطريقة التي يحاول بها الأفراد تقديم أنفسهم في الفضاء الافتراضي، بهدف تحقيق الزواج الذي يمثل للإناث، على وجه الخصوص، وسيلة لاكتساب وضع اجتماعي مستقر، كما أن تقدم السن قد يؤدي إلى تراجع فرص الارتباط، ما يعزز اللجوء إلى هذه المنصات الرقمية”.

وأكّد السعليتي أن “الزواج الافتراضي يتخذ أحيانا طابعًا براغماتيًا، خصوصًا عندما يكون أحد الطرفين في بلد آخر، إذ يكون الهدف في البداية نفعياً أكثر من كونه عاطفياً، بحيث يسعى الأفراد من خلاله إلى التحرر من ضغوط معينة وتحقيق مكاسب اجتماعية أو اقتصادية”، لافتا إلى أنه “مع تطور هذه الظاهرة برزت وساطات افتراضية تهدف إلى تسهيل هذه العلاقات، ما يعكس تحوّل الزواج الرقمي إلى خيار معتمد لدى شريحة واسعة من المجتمع”.

ميزان الشرع

محمد لبّيتي، خطيب جمعة وباحث في الفكر الإسلامي، قال إن “الوساطة في الزواج ظاهرة قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام، إذ كان هناك دائمًا من ينقل أخبار النساء بين الأماكن المختلفة، فتكفلت الدايات والعطارون بوصف النساء والترغيب في الزواج منهن، لكن كان الزواج يتم وفق الضوابط الشرعية التي تحافظ على الحياء وتصون الأعراض، مع الالتزام بأركانه وشروطه”.

وأضاف لبيتي، في تصريح لهسبريس، أنه “مع انتشار وسائل التواصل ظهرت طرق جديدة للوساطة في الزواج، مثل مواقع الزواج التي يُطلق على بعضها ‘مواقع الزواج الشرعي’، بالإضافة إلى ظواهر أخرى مثل ما يُعرف بـ’فقيه الزواج'”، مشيرا إلى أن “هذه الوسائل تختلف في طبيعتها ومدى التزام أصحابها بالضوابط الشرعية، ما يستدعي التحقق من مدى مشروعيتها”.

وقال المتحدث ذاته: “الأصل أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، فلا يُحكم على أي وسيلة بالحِلّ أو الحُرمة إلا بقدر التزامها بالضوابط الشرعية، والحكم الخاص يختلف باختلاف طبيعة الوسيلة ومدى مراعاتها الشروط الشرعية، لأن الإسلام يرفض البراغماتية النفعية التي تجعل الغاية تبرر الوسيلة، فالله طيب لا يقبل إلا طيّبًا”.

واسترسل لبيتي: “في ظل القوانين المستحدثة والظروف الاجتماعية الصعبة ارتفعت معدلات العزوف عن الزواج وزادت نسبة العنوسة، وهذا الوضع دفع الكثيرين إلى البحث عن أي وسيلة لتحقيق الزواج، لكن الحاجة قد تجعلهم عرضة لاستغلال بعض المرتزقة الذين يحولون الزواج إلى مادة للسخرية والتنكيت، ما يسيء إلى المحتاجين والمحتاجات”.

وشدد الباحث في الفكر الإسلامي على أن “بعض القائمين على هذه الوسائل لا يتورعون عن الاستهزاء بالمتصلين، وفضح معلوماتهم الخاصة، أو حتى تسهيل تواصل غير شرعي قد يؤدي إلى الزنا بدلًا من الزواج، وأحيانًا يعقدون قران شخصين مباشرة عبر الإنترنت دون التأكد من توفر الأركان والشروط، ما قد يؤدي إلى إشكالات شرعية وقانونية خطيرة”.

وختم المتحدث توضيحاته بالتأكيد على أن “الأخطر هو استغلال مظاهر التدين لخداع الناس، إذ يتوهم البعض أن مجرد ارتداء لباس ديني يمنح صاحبه سلطة الإفتاء والتحكم في مصائر الآخرين”، مذكرا بأن “الزواج عبادة، والمطلوب هو تيسير سبل الزواج عبر التشجيع المادي والعلمي، لا عبر استغلال حاجات الناس بطرق غير مشروعة، مع ضرورة توعية الناس بمقاصد بعض الأفاقين الذين يهدمون المجتمع وإن ادَّعوا نفعه”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق