تشهد السياحة الألمانية، التي تُعد واحدة من أكبر الأسواق السياحية في العالم، تحولات كبيرة خلال الآونة الأخيرة، حيث أظهرت تقارير حديثة انخفاضًا ملحوظًا في الحجوزات خلال شهر فبراير 2025، مع تزايد واضح في الطلب على وجهات البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وتركيا ومصر.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "دير شبيجل" الألمانية الأسبوعية، تراجعت الحجوزات المسبقة للسفر بنسبة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة، ويعزو المحللون ذلك إلى عدة عوامل، منها ارتفاع تكاليف المعيشة في أوروبا، والمخاوف الاقتصادية المستمرة، فضلًا عن التقلبات السياسية التي أثرت على قرارات السفر لدى الألمان. في المقابل، أصبحت الوجهات ذات المناخ الدافئ والتكلفة المناسبة، مثل مصر واليونان وتركيا، ملاذًا مفضلًا للسياح الباحثين عن بدائل جذابة.
ولفتت المجلة إلى أن مصر تتمتع بمكانة خاصة في هذا السياق، حيث تجتذب أعدادًا متزايدة من السياح الألمان بفضل تنوع عروضها السياحية التي تجمع بين الشواطئ المشمسة في الغردقة وشرم الشيخ، والمواقع التاريخية مثل الأهرامات ومعابد الأقصر. أشارت صحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير نشر بتاريخ 26 مارس 2025 إلى أن مصر أصبحت واحدة من الوجهات الأكثر شعبية للسياح الأوروبيين، بما في ذلك الألمان، الذين يبحثون عن تجارب سياحية غنية بتكلفة معقولة.
وأوضح التقرير أن السياح الألمان يفضلون مصر ليس فقط لمناخها المعتدل خلال أشهر الشتاء، بل أيضًا للخدمات السياحية المتطورة التي تقدمها المنتجعات المصرية، والتي تلبي احتياجات العائلات والمسافرين الفرديين على حد سواء.
من جانب آخر، تشهد مصر طفرة في السياحة الروسية، وهي سوق حيوية للاقتصاد المصري. وقالت وكالة "تاس" الروسية في تقريرها أن عودة الرحلات الجوية المباشرة بين روسيا والمنتجعات المصرية، بعد توقف استمر لسنوات، أدت إلى زيادة كبيرة في أعداد السياح الروس الوافدين إلى البحر الأحمر.
السياح الروس، الذين يفضلون قضاء عطلاتهم في المناطق الساحلية مثل الغردقة، يشكلون نسبة كبيرة من الزوار خلال الشتاء، مما يعزز من مكانة مصر كوجهة سياحية موسمية رائدة. كما أن الأسعار التنافسية والعروض الشاملة التي تقدمها الفنادق المصرية تجعلها خيارًا جذابًا مقارنة بالوجهات الأوروبية الأكثر تكلفة.
في الوقت نفسه، بدأ السياح الصينيون في اكتشاف مصر بشكل أعمق، مدفوعين بفضولهم تجاه تاريخها العريق ومعالمها الأثرية.
وذكر موقع "شينخوا" الصيني في تقرير حديث أن مصر أصبحت وجهة مفضلة للسياح الصينيين الذين يبحثون عن تجارب ثقافية مميزة، مع الإشارة إلى أن الأهرامات ومتحف الحضارة المصرية في القاهرة باتا من أبرز المعالم التي تجذب هؤلاء الزوار.
وأضافت الوكالة أن الحكومة المصرية تعمل على تعزيز السياحة الصينية من خلال تسهيل إجراءات التأشيرات وتقديم برامج سياحية مخصصة تلبي اهتمامات هذا السوق الضخم. هذا التوجه يعكس استراتيجية مصر لتنويع مصادر زوارها بعيدًا عن الأسواق التقليدية مثل أوروبا وروسيا.
بالمقارنة، تظل اليونان وتركيا منافسين قويين في جذب السياح الألمان. اليونان، بجزرها الخلابة مثل سانتوريني وكريت، تقدم تجربة سياحية تجمع بين الطبيعة الساحرة والتراث الثقافي العريق، وهي وجهة مفضلة للألمان الذين يبحثون عن الهدوء والجمال البصري.
من ناحية أخرى، تعتمد تركيا على أسعارها المنخفضة نسبيًا وتنوع عروضها في مدن مثل أنطاليا وإسطنبول، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا للعائلات والشباب على حد سواء. لكن مصر تبرز بفضل قدرتها على استقطاب السياح من أسواق متعددة - الألمانية والروسية والصينية - مما يمنحها ميزة تنافسية فريدة.
مع استمرار تعافي القطاع السياحي العالمي من تداعيات جائحة كورونا، وتتوقع التقارير أن تشهد مصر نموًا مستدامًا في أعداد السياح خلال عام 2025. الجهود المصرية لتحسين البنية التحتية، مثل تطوير المطارات والمنتجعات، إلى جانب الحملات الترويجية المكثفة في الأسواق الأوروبية والآسيوية، تساهم في تعزيز جاذبيتها. على سبيل المثال، أشار تقرير "دير شبيجل" إلى أن السياح الألمان بدأوا ينظرون إلى مصر كبديل مستدام للوجهات التقليدية مثل إسبانيا، بينما أكدت "تاس" على الشراكة المتينة بين روسيا ومصر في مجال السياحة.
وتظل مصر، بمزيجها الفريد من التاريخ والطبيعة والتكلفة المناسبة، وجهة رئيسية تلبي تطلعات السياح من ألمانيا والصين وروسيا، مما يعزز مكانتها على خريطة السياحة العالمية.
0 تعليق