غزة تحت النار.. هل يُفرض التهجير القسري تحت غطاء "الهجرة الطوعية"؟

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتسارع الأحداث حول القضية الفلسطينية مع تصاعد التصريحات السياسية التي تحمل دلالات خطيرة على مستقبل قطاع غزة وسكانه. 

في الآونة الأخيرة، أثار رئيس وزراء سلطات الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدلًا واسعًا بإعلانه عن "المرحلة الأخيرة" من الحرب على غزة، وهي مرحلة قال إنها ستمهد لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة للجدل، التي تتضمن تهجير الفلسطينيين من القطاع. 

وفقًا لما نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أكد نتنياهو أن هذه المرحلة ستشكل نهاية المقاومة في غزة وستفتح الباب لتطبيق رؤية ترامب، مما أثار مخاوف دولية وإقليمية من تداعيات هذا المخطط على الاستقرار في المنطقة وعلى الحقوق الفلسطينية. 

وتناولت صحيفة سترايت تايمز الماليزية تفاصيل هذه التصريحات، ودلالاتها السياسية والإنسانية، والسياق المحيط بها، مع تحليل التحديات والتداعيات المحتملة لهذا التوجه.

تصريحات نتنياهو: رؤية لنهاية الحرب أم بداية لنكبة جديدة؟

جاءت تصريحات نتنياهو في سياق يعكس تصميمًا إسرائيليًا على تغيير الواقع الديموغرافي والسياسي في قطاع غزة. فقد أعلن أن إسرائيل مستعدة لمناقشة "المرحلة الأخيرة" من الحرب، مشروطة باستسلام حركة حماس، ومغادرة قادتها القطاع، مع ضمان السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على غزة. 

وربط نتنياهو هذه المرحلة بتنفيذ "خطة ترامب" التي تزعم حكومته أنها تتم تحت مظلة "الهجرة الطوعية"، واصفًا إياها بخطة واضحة تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة. 

هذه التصريحات ليست مجرد خطاب سياسي عابر، بل تعكس استراتيجية طويلة الأمد لإنهاء الوجود الفلسطيني في غزة كما هو معروف اليوم، عبر تهجير السكان وإعادة تعريف القطاع بما يتماشى مع رؤية إسرائيلية أمريكية مشتركة.

"خطة ترامب"، التي أُشير إليها في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقترح تهجير سكان غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، مع تحويل القطاع إلى منطقة تحت السيطرة الإسرائيلية أو الأمريكية، وربما إلى منتجع سياحي يُمحي الهوية الفلسطينية للمنطقة، كما وصفها ترامب سابقًا بـ"ريفييرا الشرق الأوسط". 

هذه الرؤية تلقى دعمًا صريحًا من نتنياهو، لكنها تثير تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل بالقوانين الدولية التي تحظر التهجير القسري، وموقف الولايات المتحدة كداعم رئيسي لهذا التوجه.

السياق السياسي: تحالف نتنياهو وترامب

لا يمكن فهم تصريحات نتنياهو دون النظر إلى العلاقة الوثيقة التي تربطه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد إلى السلطة في 2025 بدعم قوي من اللوبي الصهيوني. خلال فترته الأولى، قدم ترامب دعمًا غير مسبوق لإسرائيل، من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وطرح "صفقة القرن" التي أقصت الفلسطينيين من أي حل عادل. عودته إلى البيت الأبيض أعادت إحياء هذا التحالف، حيث يرى نتنياهو في ترامب شريكًا يمكنه فرض رؤيته على الساحة الدولية.

في فبراير 2025، وخلال لقائهما بالمكتب البيضاوي، أشاد نتنياهو بترامب واصفًا إياه بـ"الداعم الأكبر لإسرائيل"، حسبما نقلت صحيفة "التايمز" البريطانية، بينما كشف ترامب عن خطته للسيطرة على غزة وتهجير سكانها. هذا التعاون ليس مجرد تحالف سياسي، بل يعكس رؤية مشتركة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية. لكن هذه الخطة لاقت انتقادات حادة، حيث وصفتها صحيفة "لو موند" الفرنسية بأنها "خطوة غير قانونية قد تؤدي إلى تفاقم الصراع".

الواقع الميداني: غزة تحت الحصار والدمار

للنظر إلى تداعيات هذه التصريحات، يجب أن نأخذ في الاعتبار الوضع المأساوي في غزة. منذ أكتوبر 2023، تعرض القطاع لقصف إسرائيلي مكثف أودى بحياة عشرات الآلاف، ودمر البنية التحتية بشكل شبه كامل. الحصار المستمر منذ عقود، إلى جانب العمليات العسكرية المتكررة، جعل الحياة في غزة غير محتملة، مع نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه. في هذا السياق، يبدو الحديث عن "هجرة طوعية" محاولة لتبرير تهجير قسري تحت ضغط الظروف الإنسانية القاسية.

سكان غزة، الذين عانوا من نكبة 1948 وما تلاها من تهجير، يبدون تصميمًا على البقاء رغم المعاناة. ونقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية شهادات لسكان غزة يرفضون الرحيل، حيث قال أحدهم: "لن نترك أرضنا مهما كلف الأمر"، بينما أكدت امرأة فقدت عائلتها: "غزة هي هويتنا، ولن يمحوها أحد". هذا الصمود يشكل تحديًا كبيرًا أمام خطة نتنياهو وترامب، لكنه لا يلغي مخاطر الضغط العسكري والإنساني الذي قد يُستخدم لفرض التهجير.

ردود الفعل الدولية والإقليمية

أثارت تصريحات نتنياهو وخطة ترامب ردود فعل متباينة. على الصعيد الدولي، نددت الصين بالخطة، حيث وصفتها صحيفة "تشاينا ديلي" بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي"، مؤكدة دعمها لحقوق الفلسطينيين. كما حذرت روسيا، عبر وكالة "تاس"، من أن التهجير قد يشعل "حربًا إقليمية"، داعية إلى تدخل الأمم المتحدة. في أوروبا، أعربت "دير شبيجل" الألمانية عن قلقها من أن الخطة قد تؤدي إلى "أزمة إنسانية غير مسبوقة"، بينما حذرت الأمم المتحدة من أن التهجير القسري يشكل جريمة حرب.

إقليميًا، رفضت مصر والأردن، اللتين تُعدّان وجهتين محتملتين للتهجير، هذه الخطة بشكل قاطع. مصر أكدت التزامها بحماية حدودها، بينما حذر الأردن من أن استقبال الفلسطينيين سيؤدي إلى "فوضى داخلية"، حسبما نقلت "واشنطن بوست" الأمريكية. هذه المواقف تعكس حجم التحدي أمام الخطة، لكنها لا تضمن إفشالها في ظل الدعم الأمريكي القوي.

التحديات والتداعيات المستقبلية

يبدو أن تنفيذ "خطة ترامب" يواجه عقبات كبيرة، أبرزها مقاومة الفلسطينيين، الذين أثبتوا على مدى عقود قدرتهم على الصمود. كما أن الرفض الإقليمي والدولي قد يحد من قدرة إسرائيل على فرض هذا الواقع دون مواجهة عقوبات أو عزلة سياسية. داخل إسرائيل، تواجه حكومة نتنياهو ضغوطًا من المعارضة وعائلات الأسرى، الذين يرون أن التصعيد قد يعرض حياة المحتجزين للخطر، حسبما أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

مع ذلك، فإن نجاح هذه الخطة، إن تحقق، سيفتح الباب أمام تداعيات خطيرة. أولها احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في غزة والضفة الغربية والداخل المحتل، كرد فعل على محاولة تصفية القضية. ثانيًا، قد يؤدي التهجير إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع نزوح ملايين الفلسطينيين إلى دول غير مستعدة لاستيعابهم. ثالثًا، قد يزيد هذا التوجه من التوترات مع إيران وحلفائها، مما يهدد بتوسيع الصراع إلى حرب إقليمية شاملة.

المقاومة الرقم الصعب في مواجهة المخططات

تمثل المقاومة الفلسطينية حائط صد أمام هذه المخططات، حيث أكدت قدرتها على إجبار إسرائيل على التفكير في وقف الحرب رغم محاولات نتنياهو إطالتها لاعتبارات تتعلق بمستقبله السياسي وحاولاته لتجنب السجن باتهامات فساد، وفقا لصحيفة تورنتو ستار الكندية.

وفي ظل هذا الواقع، تبدو وعود نتنياهو بـ"المرحلة الأخيرة" محاولة لتحقيق انتصار سياسي شخصي، بينما تظل الخطة الأمريكية الإسرائيلية رهينة إرادة شعب يتشبث بأرضه وحقوقه. نجاح أو فشل هذه الخطة لن يحدده نتنياهو أو ترامب وحدهما، بل صمود الفلسطينيين ودعم المجتمع الدولي لقضيتهم العادلة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق