بعد مقتل 15 طبيبا بغزة.. الأمم المتحدة تدعو للتحقيق في جرائم الحرب

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل الصراع المستمر في قطاع غزة، أثارت الأحداث الأخيرة موجة من القلق الدولي، حيث أعربت الأمم المتحدة عن استيائها العميق إزاء مقتل 15 من العاملين في المجال الطبي والإنساني في هجمات نسبتها إلى قوات الاحتلال الإسرائيلية. هذه الحادثة، التي وقعت مؤخرًا، أعادت إلى الواجهة قضية حماية العاملين في المجال الصحي أثناء النزاعات المسلحة، وأثارت تساؤلات حول مدى التزام الأطراف المتحاربة بالقوانين الدولية التي تحمي المدنيين والمنشآت الطبية. 

وفي تقرير حديث، حذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من "تزايد مخاطر جرائم الفظائع" في غزة، مشيرًا إلى أن استمرار العنف الوحشي ضد المدنيين، بما في ذلك العاملون في المجال الطبي، قد يشكل نمطًا من الانتهاكات الجسيمة التي تستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لمنع المزيد من التدهور.

تفاصيل الحادثة وردود الفعل الأولية

وفقًا لتقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تم العثور على 15 فردًا من العاملين في الطوارئ والإغاثة – بمن فيهم أطباء ومسعفون من الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الفلسطيني وبعض موظفي الأمم المتحدة – مدفونين بجوار سياراتهم المحطمة التي كانت تحمل علامات واضحة تشير إلى طبيعتها الإنسانية. وقد أشارت التقارير إلى أن هؤلاء الأفراد قُتلوا أثناء محاولتهم تقديم المساعدة الطبية وإنقاذ الأرواح في ظل ظروف قاسية يعيشها سكان غزة منذ تصاعد النزاع في أكتوبر 2023.

وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد أعرب عن "استيائه الشديد" لهذا الحادث، واصفًا إياه بأنه انتهاك صارخ محتمل للقانون الدولي الإنساني. 

في بيان رسمي، دعا تورك إلى إجراء "تحقيق مستقل وسريع وشامل" للكشف عن ملابسات الحادثة، مؤكدًا أن "من يرتكبون انتهاكات للقانون الدولي يجب أن يُحاسبوا". كما شدد على أن استهداف العاملين في المجال الطبي والإنساني، الذين يتمتعون بحماية خاصة بموجب اتفاقيات جنيف، يمثل "رسالة مدمرة" للمجتمع الدولي وللشعب الفلسطيني الذي يعتمد على هؤلاء الأفراد في البقاء على قيد الحياة.

سياق النزاع وتدهور النظام الصحي في غزة
تأتي هذه الحادثة في سياق حرب مدمرة أدت إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية الصحية في غزة. منذ بدء النزاع في أكتوبر 2023، أفادت منظمة الصحة العالمية بتسجيل أكثر من 1000 اعتداء على منشآت صحية في غزة والضفة الغربية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 885 من العاملين في المجال الطبي، بما في ذلك أطباء وممرضون ومسعفون، وإصابة المئات الآخرين. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 84% من المرافق الصحية في غزة تعرضت للتدمير أو أصبحت غير صالحة للعمل بسبب نقص الأدوية والمعدات والكهرباء.

في تقرير حديث نشرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وُثقت أنماط الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات ومحيطها، بما في ذلك استخدام أسلحة ثقيلة مثل القنابل التي تزن 2000 رطل، مما أثار مخاوف من أن تكون هذه الهجمات عشوائية أو غير متناسبة، وهي تصرفات قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. وفي الوقت نفسه، أشارت التقارير إلى أن إسرائيل بررت بعض هذه الهجمات بمزاعم استخدام الجماعات الفلسطينية المسلحة للمستشفيات كقواعد عسكرية، لكنها لم تقدم أدلة كافية تدعم هذه الادعاءات، وفقًا للمقررين الأمميين.

ردود فعل دولية وحقوقية
وأثارت الحادثة الأخيرة ردود فعل واسعة من منظمات حقوقية ودولية. فقد استنكرت منظمة أطباء بلا حدود، التي فقدت عددًا من موظفيها في غزة خلال النزاع، استهداف العاملين في المجال الإنساني، ووصفت الحادثة بأنها "جزء من نمط منهجي" يهدف إلى تقويض القدرة على تقديم الرعاية الطبية. كما دعت المنظمة إلى حماية أفضل للطواقم الطبية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

من جانبها، أكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن تدمير النظام الصحي في غزة يؤثر بشكل غير متناسب على النساء والأطفال، مشيرة إلى أن أكثر من 10 آلاف امرأة قُتلن منذ بدء الحرب، بما في ذلك 6 آلاف أم تركن وراءهن أطفالًا يتامى. وفي ظل انهيار المستشفيات، أصبحت النساء الحوامل غير قادرات على الحصول على الرعاية الطبية الأساسية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية.

على الصعيد السياسي، دعا عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك دول عربية وأوروبية، إلى تحقيق دولي مستقل في الحادثة. وفي الوقت نفسه، رفضت إسرائيل الاتهامات الموجهة إليها، معتبرة أن الأمم المتحدة "متحيزة"، وأكدت أنها تستهدف فقط المسلحين وليس المدنيين أو العاملين في المجال الطبي.

الإطار القانوني والدعوة إلى المساءلة
بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف لعام 1949، يتمتع العاملون في المجال الطبي والمنشآت الصحية بحماية خاصة أثناء النزاعات المسلحة، بشرط ألا يتم استخدامها لأغراض عسكرية. وتشير التقارير الأممية إلى أن الهجمات المتعمدة أو العشوائية على هؤلاء الأفراد أو تلك المنشآت قد تشكل جرائم حرب، مما يستدعي تحقيقًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية إذا لم تجرِ السلطات الإسرائيلية تحقيقات ذات مصداقية.

في هذا السياق، جددت الأمم المتحدة دعوتها لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات فورية لضمان المساءلة ومنع تكرار مثل هذه الحوادث. كما حثت الدول الأعضاء على استخدام نفوذها لوقف ما وصفته بعض التقارير بـ"الإبادة الجماعية المستمرة" في غزة، وهو مصطلح ظل مثيرًا للجدل، حيث تجنب كبار المسؤولين الأمميين استخدامه بشكل مباشر حتى الآن.

الآثار طويلة الأمد والتحديات المستقبلية
إن مقتل 15 طبيبًا ومساعدًا إنسانيًا ليس مجرد خسارة لأرواح أفراد، بل هو ضربة قاصمة لنظام صحي كان يعاني أصلًا من نقص الموارد والضغوط الهائلة. مع استمرار الحرب، يواجه سكان غزة خطر تفشي الأمراض والأوبئة، مثل شلل الأطفال الذي أعلنت عنه وزارة الصحة الفلسطينية كوباء محتمل في وقت سابق من عام 2024. وفي ظل غياب الرعاية الطبية الكافية، يتفاقم الوضع الإنساني يومًا بعد يوم.

في الختام، فإن تعبير الأمم المتحدة عن قلقها إزاء هذه الحادثة يعكس الحاجة الملحة إلى تدخل دولي لحماية المدنيين والعاملين في المجال الطبي في غزة. ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذا القلق إلى إجراءات ملموسة تضمن المساءلة وتوفر الحماية اللازمة. ففي ظل استمرار النزاع وتصاعد الخسائر البشرية، يبقى السؤال المطروح: هل سيكون هذا الحادث دافعًا لتغيير المسار، أم أنه سيظل مجرد رقم آخر في سجل الانتهاكات التي لا تمر دون حساب الجناة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق