هل تخفف "العقوبات البديلة" من اكتظاظ المؤسسات السجنية في المغرب؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

بعيدا عن إثارته سابقا “زوابع” الجدل السياسي والحقوقي، يشكل دخول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية (العدد رقم 7328)، أواخر غشت المنصرم، لحظة فارقة في تدبير شؤون العدالة وإنفاذ القانون بالمغرب.

وعادة ما طُرحت العقوبات البديلة في علاقة بموضوع الاعتقال الاحتياطي من زاوية “ترشيده”، مع اقتراح بدائل للعقوبات السالبة للحرية في بعض حالات الجرائم والمخالفات القانونية التي جاء القانون ليحسم النقاش بشأنها.

بنود القانون المذكور عرّفت العقوبات البديلة بأنها تلك “التي يُحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا”، فيما حددها النص ذاته في “العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، إلى جانب الغرامة اليومية”.

أما الفصل 3-35 فأكد بوضوح تام أنه “لا يُحكم بالعقوبات البديلة في الجنح المتعلقة بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب، الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، غسل الأموال، الجرائم العسكرية، الاتجار الدولي في المخدرات، الاتجار في المؤثرات العقلية، الاتجار في الأعضاء البشرية، الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة”.

وبالنظر لتحقيق المغرب “أرقاماً قياسية” في اكتظاظ السجون، حسب معطيات رسمية تضمنها التقرير السنوي للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إذ بلغ عدد المعتقلين متم سنة 2023 ما مجموعه 102 ألف و653 سجينا وسجينة، 2.47 في المائة منهم إناث، 37.56 في المائة معتقلون احتياطياً، ويشكّل الشباب الأقل من 30 سنة، وفق التقرير ذاته، 47.68 في المائة من الساكنة السجنية، فقد برزت الحاجة لهذا القانون.

وكانت المؤسسات السجنية بالمغرب قد استقبلت السنة الماضية فقط، ما مجموعه 111 ألفاً و697 سجيناً جديداً، 96 في المائة منهم ذكور و4 في المائة إناث، و95 في المائة بالغون و3 في المائة أحداث.

وتزداد ملحاحية تنزيل العقوبات البديلة وراهنية تفعبل النص الجديد باستحضار أن “جلّ المعتقلين الوافدين من حالة سراح على المؤسسات السجنية احتياطيون، بنسبة 95 في المائة (مقابل 5 في المائة بأحكام نهائية ومقررات قضائية بشأن الإكراه البدني)”.

“إسهام في تخفيف الاكتظاظ”

تعليقا على الموضوع وتفاعلا مع أبعاده، قال عادل تشيكيطو، فاعل حقوقي مغربي، إن “العقوبات البديلة جاءت لتعويض العقوبات الصادرة عن أحكام قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به”، لافتا إلى أن “هذه الأحكام القضائية هي بالضرورة أحكام حبسية ذات أحكام بالحبس النافذ لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات تتضمن عقوبات عن قضايا بعينها وتَستثني أخرى متسمة بالخطورة”.

وأضاف تشيكيطو، الذي يرأس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “ما نص عليه القانون هو شكل من عقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية، وليست بديلة عن إجراءات مثل إجراء الاعتقال الاحتياطي كما يُروج له الآن”، معتبرا أن هذا الأخير هو إجراء أو مسطرة منعزلة عن قانون العقوبات البديلة، وهي مسطرة من المفترض أن يتدخل في تقنينها والحد منها المشروع الذي يرتقب أن يوضع أمام البرلمان، وهو مشروع قانون المسطرة الجنائية”.

كما أكد أن “الغرض الأساسي من قانون العقوبات البديلة، هو إعطاء الحق في الفرصة الثانية بالنسبة للمحكوم عليهم أو المدانين الذين أدينوا لأول مره في قضية من القضايا الجنحية، مع ضمان إعادة تأهيل وإعادة الإدماج بالنسبة لهؤلاء المدانين”.

وفي تقدير الفاعل الحقوقي ذاته، فإن “المهم جدا في تطبيق القانون ومقتضياته، هو التخفيف من الاكتظاظ الذي تعرفه السجون المغربية، خاصة أمام معطى دالّ يتجلى في أن أكثر من 30 في المئة من المحكوم عليهم في السجون المغربية تكون أحكامهم القضائية من صنف الأحكام ذات المُدد القصيرة”، خالصا إلى أن “سُلوك المسطرة العقوبات البديلة يمكنه أن يسمح بالتخفيف بـ30% من حجم الاكتظاظ في السجون المغربية”.

ولم يُخف تشيكيطو آمالا حقوقية معقودة على “تفعيل القانون الجديد بالشكل الذي تضمّنه وصودق عليه”، مسجلا ضرورة “أنْ تَسهر الجهات القضائية على تفعيله بشكل مستعجل، وأنْ تتفاعل جميع المؤسسات مع هذه البنود، وأنْ نسير في اتجاه ترشيد الاعتقال الاحتياطي من خلال إشراف مؤسسة النيابة العامة على هذا الأمر بتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عبر إعطاء توجيهات صارمة وتوجيهات محددة ودقيقة للوكلاء العامّين لدى النيابة العامة وكذا لقضاء التحقيق من أجل التفعيل”.

“إيجابي مع إشكاليات تعترض التطبيق”

غير بعيد عن تعليق الحقوقيين، أكد محمد ألمو، محام خبير قانوني، أن “دخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ طالما كان رهانا عموميا ومطلباً حقوقيا؛ لأن الواقع العملي والممارسة في بعض الجرائم وبعض الأشخاص المدانين (محكوم عليه) أثبتا عدم تحقيق العقوبة السالبة للحرية للغاية من إقرار منظومة العقاب في الجنايات كما الجُنح”.

ولفت ألمو، مصرحا لهسبريس، إلى ملاحظة سجلها فاعلون في مجال العدالة مفادها أن “السجن لا يؤدي وظيفة التهذيب والإصلاح وإعادة الإصلاح، خاصة بالنسبة لذوي العقوبات قصيرة المُدد، فضلا عن ارتفاع ساكنة السجون بشكل مهول، إلى جانب عوامل عدة كانت الدافع وراء إقرار هذا القانون بعدما استشعرت الدولة خطورة التكلفة الاجتماعية والاقتصادية للعقوبات السجنية”.

وبينما قال إن العقوبات البديلة “حاجة تشريعية مُلحّة وراهنية”، استدرك ألمو بأن “الإشكال سيُطرح على مستوى التطبيق”، إذ “لا تتوفر فضاءات خاصة بتصريف عقوبات لتقديم أشغال للمصلحة العامة (مثلا في مؤسسات الرعاية الاجتماعية)”، طارحا “عدم وجود آليات مراقبة تدبير وتنفيذ هذه النوعية من العقوبات، فضلا عن إشكالية ضمانات التنفيذ”.

ورغم أن الخبير القانوني أكد أن قانون العقوبات البديلة “سيساهم في خفض أعداد المعتقلين وساكنة السجون”، إلا أنه نبه إلى “عدم جعل الهاجس الأكبر في الكمّ، بل محاربة جذور الظواهر الإجرامية (الإدمان، الهدر المدرسي، الهشاشة الاجتماعية والتفكك الأسري…) عبر برامج توعوية، وتكثيف الحملات الأمنية الاستباقية، والسعي لأنسنة العقوبة وملاءمتها حسب الحالات”.

وشرح ألمو أنه إذا الرهان الوحيد والأوحد من اللجوء لهذه العقوبات هو التخفيف من ساكنة السجون، فـ”هو مسلك خاطئ في تقديري”، مبدياً تخوفاً من أن “تصير هذه البدائل هي الأصل وتؤثر على السياسة الجنائية العقابية التي يجب أن تستمر في دورها الردعي والوقائي”، منبهاً إلى أن بعض العقوبات المالية، كالغرامة اليومية، يمكنها أن تشكل حافزًا لذوي النفوذ المالي للقيام بأعمال إجرامية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق