أوراق من برلين: أخطار تهدد الديمقراطية.. هل هي نهاية "عصر الأنوار"؟

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مقال تحليلي حمل عنوان “هل هي نهاية زمن الأنوار؟”، تقدم الكاتبة الألمانية كارستين كنوب رؤيتها حول التأثير العميق للتكنولوجيا الحديثة على فهمنا للحقائق وعلى الديمقراطية نفسها. المقال، الذي نُشر في صحيفة “فرانكفورتر ألغماينة” الألمانية، يسلط الضوء على الأخطار التي تهدد أسس الديمقراطية في عصر الإنترنيت ووسائل الإعلام الرقمية.

عصر الحقيقة في خطر

تبدأ كاتبة المقال بتساؤل جوهري: هل أصبحت الحقيقة سلعة قابلة للتفاوض؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فإن هذا يعني أن الديمقراطية نفسها في خطر. تشير كنوب إلى تأثير الخوارزميات والمعلومات المضللة التي أصبحت جزءًا أساسيًا من النقاش العام؛ مما يهدد أركان الحقيقة التي كانت تُعتبر ركيزة أساسية في زمن الأنوار.

وسائل الإعلام وتضارب الحقائق

تستعرض الكاتبة تجربتها في الولايات المتحدة، حيث لاحظت كيف كانت وسائل الإعلام تقدم الأخبار بشكل منحاز لصالح الحزب الجمهوري؛ مما يساهم في توسيع الهوة بين سكان المدن الكبرى مثل بورتلاند وسياتل وبين المناطق الريفية التي تزداد فيها قوة المواقف السياسية المتطرفة.

الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة

وفيما يتعلق بتأثير وسائل الإعلام الرقمية، تتناول كنوب دور منصات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”إكس”، التي أصبحت البوابات الرئيسية لتداول المعلومات. تستعين الكاتبة في ذلك بكتاب “موت الحقيقة” للكاتب ستيفن بريل، الذي يناقش كيف تم تدمير الثقة في الحقائق العلمية والسياسية عبر الإنترنيت. تقدم الكاتبة مثالاً على كيف تم تكذيب حقائق علمية معترف بها؛ مثل فعالية لقاحات الحصبة، وآثار تقنية 5G على الصحة.

انخفاض الثقة العامة في الحكومات ووسائل الإعلام

التحليل لا يقتصر فقط على التأثير السلبي لوسائل الإعلام الرقمية؛ بل يشمل أيضًا تراجع الثقة العامة في المؤسسات. في الولايات المتحدة، انخفضت نسبة الثقة في الحكومة من 73 في المائة في عام 1958 إلى 16 في المائة في عام 2023. أما في ألمانيا، فقد شهدت نسبة الرضا عن الديمقراطية انخفاضًا حادًا، لتصل إلى 22 في المائة فقط في أكتوبر 2022؛ وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2011.

دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأكاذيب

تتوسع الكاتبة في تحليل دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز المعلومات المضللة. هذه التقنية، كما توضح، تُمكّن الأشخاص من إنشاء مواقع مزيفة أو منشورات تدعم الروايات الكاذبة بسهولة أكبر. تشير إلى كيف أن الخوارزميات على منصات مثل “تويتر” التي تحولت إلى “X” تروّج للقصص الكاذبة بشكل أكبر بكثير من القصص الحقيقية.

الحرية والرقابة.. جدل مستمر

يتناول المقال أيضًا الجدل حول حرية التعبير والرقابة على وسائل الإعلام في العصر الرقمي. ينما يرى البعض أن حرية التعبير يجب أن تكون مطلقة، حتى وإن كان ذلك يعني انتشار المعلومات المضللة، تشير كنوب إلى أن هذه الحرية استغلها أصحاب المصالح التجارية لتحقيق الأرباح على حساب الحقيقة والمصداقية.

أزمة الإعلام في أوروبا..

تُشير الكاتبة إلى أن أوروبا لم تتمكن من تطوير منصات إعلامية قوية بديلة لوسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية والصينية. هذا الوضع جعل أوروبا عرضة لنفوذ هذه المنصات الكبرى التي تسيطر على النقاشات العامة؛ مما يهدد الديمقراطية نفسها. وتستعرض كنوب تصويتًا في ألمانيا أظهر أن العديد من المواطنين يؤيدون تنظيمًا أقوى لوسائل التواصل الاجتماعي؛ بل يدعمون فكرة حظر تطبيق “تيك توك”، نظرًا لتأثيره على الديمقراطية والصحة النفسية.

بحثًا عن الحلول..

وفي الختام، تقدم الكاتبة الألمانية كارستين كنوب بعض الحلول التي قد تساهم في حل هذه الأزمة؛ مثل دعم المنصات المستقلة واللامركزية التي لا تعتمد على الخوارزميات الموجهة لتحقيق الأرباح، بل تسعى إلى تقديم المعلومات الصحيحة والموثوقة. تشير إلى أمثلة مثل منصة “Signal”، التي يمكن أن تكون بديلاً مناسبًا في ظل الفوضى المعلوماتية الحالية.

هل يمكن العودة إلى عصر الأنوار؟

تختتم الكاتبة مقالها بتساؤلٍ فلسفي: هل يمكن العودة إلى المفاهيم التي تأسس عليها عصر التنوير؛ مثل التفكير العقلاني والنقدي، في ظل هذه الفوضى المعلوماتية التي تزداد تعقيدًا؟ السؤال يبقى مفتوحًا، ويتطلب منا التفكير مليًا في مستقبل الديمقراطية والمعلومات في عصر التكنولوجيا.

* كاتب ومخرج مقيم في برلين

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق