هذه تفسيرات "المواجهات الموثقة" بين جانحين مسلحين ورجال الأمن

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تصاعد ملحوظ ذلك الذي تشهده الساحة المغربية في الآونة الأخيرة في الحوادث الإجرامية التي تتضمن مواجهات مباشرة بين جانحين يحملون أسلحة بيضاء ورجال الأمن؛ مما يثير قلقا متزايدا في صفوف المواطنين والأجهزة الوصية على تعزيز الشعور بالأمن.

وتثير هذه الظاهرة، التي باتت موثقة عبر مقاطع فيديو تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تساؤلات حول أسبابها العميقة ومدى فعالية المقاربات الأمنية والاجتماعية لاحتوائها، خاصة مع تزايد الحالات التي يتعرض فيها رجال الأمن لاعتداءات خطيرة أثناء أداء مهامهم.

ولم تعد هذه الحوادث تقتصر على المدن والحواضر الكبرى؛ بل إنها امتدت لتشمل مناطق أخرى، كما في حالتي الجديدة وتيكيوين، حيث اضطر الأمن إلى استخدام السلاح الوظيفي لتحييد الخطر.

محسن بنزاكور، أستاذ جامعي مختص في علم النفس الاجتماعي، سجل أن المواجهات بين الجانحين حاملي الأسلحة البيضاء وبين رجال الشرطة “ظاهرة آخذة في الانتشار، وتتطلب مقاربة شاملة تشمل الجوانب التربوية والاجتماعية والأمنية والقانونية والتحسيسية”.

وفي هذا الصدد، شدد بنزاكور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “الهاجس الأمني وحده لا يكفي لحل هذه الظاهرة؛ لأن مصدر العنف يكمن في المجتمع نفسه”.

وانتقد المختص في علم النفس الاجتماعي ما يصفه بـ”فشل التربية” في المغرب، مستحضرا انتشار العنف حتى بين التلاميذ؛ كما في حادثة اعتداء تلميذ على أستاذة. ويعزو ذلك إلى تحول الأسرة نحو تربية “تركز على الطفل كفرد بدلا من القيم والتراتبية الاجتماعية”.

واعتبر المتحدث عينه أن هذا التحول “عزز الأنانية المفرطة لدى الأطفال، وهي تتفاقم بتأثير الهواتف الذكية التي تعمق الفردانية وتضعف الانتماء للجماعة؛ مما يدفع الشباب إلى التحدي والاندفاع وراء الرغبات الشخصية بدلا من الالتزام بالأمن الجماعي”.

وربط الأكاديمي أيضا بين العنف وبين سهولة الوصول إلى المخدرات والحبوب المهلوسة مثل “البوفا” التي تؤدي إلى التهيج وتدفع الأفراد إلى سلوكات خارجة عن التعقل والارتباط بالواقع، موضحا أن هذه المواد تخلق قطيعة مع الواقع، حيث يخضع المتعاطون لهلوسات ومشاعر تدفعهم إلى العنف، مشيرا إلى أن هذا العامل يفاقم الظاهرة ويجعلها أكثر خطورة، خاصة في مواجهة رجال الأمن.

ودعا الأستاذ الجامعي المختص في علم النفس الاجتماعي إلى إعادة النظر في الجانب القانوني، معتبرا أن “العقوبات البسيطة لا تكفي”، واقترح تصنيف هذه السلوكات كـ”قطع الطريق” الذي يستوجب أحكاما رادعة، مستلهما من الشريعة الإسلامية دون الدعوة إلى الإعدام. كما أبرز أن المجتمع المدني يجب أن يتدخل داخل السجون لإعادة إدماج هؤلاء الأفراد عبر برامج تعيد بناء شخصياتهم، بعدما فشل المجتمع في تنشئتهم، لضمان عدم عودتهم للإجرام بعد الإفراج عنهم.

من جانبه، اعتبر إدريس الصنهاجي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، أن تزايد العنف والإجرام مرتبط بمتغيرات متعددة تشمل الفرد والسياقات الاجتماعية والأسرة والعمل، مؤكدا أنه “لا يمكن تفسيره بمتغير واحد”.

وأشار الصنهاجي، في حديث لهسبريس، إلى أن التوترات الاجتماعية المتصاعدة “تلعب دورا كبيرا، حيث يصعب فصل العنف عن التحولات القيمية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع المغربي؛ مما يجعل الظاهرة معقدة ومتشابكة”.

وأبرز الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع أن الأسرة لها “دور محوري في نشأة العنف”، مستندا إلى البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط (2019) الذي أظهر أن “من يتربى على العنف داخل الأسرة يصبح العنف بالنسبة له أمرا عاديا”.

وأضاف المتحدث عينه أن العطالة –أيضا- “تشكل سببا رئيسيا آخر”، مشيرا إلى أن غالبية السجناء تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، وهي فترة الإنتاجية الأمثل التي يفترض أن تسهم في تطور المجتمع؛ لكنها تحولت إلى مصدر للجريمة بسبب غياب فرص العمل.

وحذر الصنهاجي من أن التحولات القيمية التي يشهدها المجتمع، مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، “لم تُواكب بما فيه الكفاية على مستوى المدرسة والإعلام والأسرة”.

وأوضح أن هذا الخلل ينعكس على سلوك الأفراد، حيث يطبعون مع العنف بدلا من رفضه، مشيرا إلى أن “ضعف المناهج التربوية والحوار والأنشطة الموجهة إلى الشباب يفاقم المشكلة”؛ مما يجعل حتى رجال الأمن أنفسهم عرضة للخطر.

وشدد الأستاذ الجامعي ذاته على أن المسؤولية “تقع على الجميع؛ لكن الدولة تتحمل الجزء الأكبر بسبب امتلاكها الإمكانيات لتطوير المناهج التعليمية والإعلام الرسمي وبرامج الشباب”، داعيا الأحزاب والمجتمع المدني والباحثين إلى “تحمل دورهم أيضا”، خالصا إلى أن “القانون يمكن أن يكون رادعا؛ لكنه لن يعالج المشكلة، بينما الحل الحقيقي يكمن في معالجة جذور المشكلة” عبر التعليم والأسرة والشغل والفقر، مع مواكبة التحول القيمي باستراتيجيات تحافظ على التوازن الاجتماعي وتعزز القيم الأصيلة كالتضامن وحب الوطن”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق