كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في تقرير نشرته نهاية الأسبوع الماضي، عن معطيات تتعلق بتورط أفراد من جبهة البوليساريو في أنشطة مسلحة بدعم من إيران في سوريا، حيث تلقوا تدريبات عسكرية وشاركوا في شبكات إقليمية تهدف إلى توسيع النفوذ الإيراني.
هذه المعطيات، التي استندت إلى مصادر أمنية إقليمية وأوروبية، أعادت إشعال النقاش حول طبيعة أنشطة الجبهة، خاصة في ظل اتهامات متكررة لها بالارتباط بجماعات مسلحة في منطقة الساحل والصحراء، ما يثير تساؤلات حول احتمال تصنيف الولايات المتحدة لها كـ”جماعة إرهابية”.
ويأتي هذا التقرير في سياق تزايد الدعوات داخل الكونغرس الأمريكي، بقيادة شخصيات مثل النائب جو ويلسون، إلى تصنيف البوليساريو ضمن قوائم الإرهاب، مستندة إلى تقارير استخباراتية تربطها بأنشطة تهدد الأمن الإقليمي. ومع دعم الإدارة الأمريكية المتجدد مقترح الحكم الذاتي المغربي تُطرح التساؤلات حول ما إذا كانت هذه المعطيات كافية لتسريع اتخاذ قرار تصنيف الجبهة كتنظيم إرهابي.
في هذا السياق أكد عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، أن “التقارير الإعلامية والاستخباراتية التي تتناول أنشطة البوليساريو تُظهر بوضوح تورطها في أعمال إرهابية”، مشيراً إلى معلومات دقيقة حول تجنيد عناصر لصالح جماعات مسلحة في الساحل والصحراء.
وأوضح الفاتحي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذه الأنشطة ليست وليدة اللحظة، بل تندرج ضمن نمط مستمر يشمل قيادات بارزة في الجبهة، ضالعة في تشكيلات إرهابية منظمة، إلى جانب عمليات تهريب وتجارة غير مشروعة عابرة للحدود”، واعتبر أن ما نشرته “واشنطن بوست” ليس إلا “الشجرة التي تخفي الغابة”، إذ “تخفي الجبهة أنشطة محظورة أوسع بكثير”.
وأضاف المحلل ذاته أن الدعوات الأمريكية إلى تصنيف البوليساريو كجماعة إرهابية تستند إلى أدلة استخباراتية قوية تثبت استهدافها قيادات عسكرية دولية في المنطقة، ما يجعل هذا التصنيف خطوة منطقية ومبررة، مشيراً إلى أن التوترات الأخيرة بين عناصر في مخيمات تندوف والجيش الجزائري قد تكون محاولة للتخلص من أعباء الارتباط بهذه الأنشطة قبل انكشافها دولياً.
وفي هذا السياق شدد المتحدث على أن “هذه التقارير الإعلامية الأمريكية تؤكد ما سبق أن أكدته المخابرات المغربية عن ضلوع السفارة الإيرانية في الجزائر في تسليح وتدريب مقاتلين وتصنيع الأسلحة، بإشراف مقاتلين من حزب الله اللبناني”.
وربط الفاتحي بين هذه المعطيات وبين الجهود الأمريكية لتصنيف الجبهة، موضحاً أن “المعلومات التي تقدمها أجهزة الاستخبارات المغربية والدولية تدعم بقوة هذا التوجه”، وموردا أن “التصنيف ليس مجرد قرار سياسي، بل هو نتيجة تراكم أدلة على أفعال إرهابية واضحة، مثل استهداف المدنيين وتهديد الأمن الإقليمي”، واعتبر أن “ما يفصل البوليساريو عن التصنيف الرسمي هو مجرد إجراءات إدارية، خاصة في ظل الدعم المتزايد داخل الكونغرس”.
وتوقع مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية أن “تؤدي هذه التطورات إلى تغيير جذري في التعامل الدولي مع قضية الصحراء، إذ سيُعزز التصنيف الموقف المغربي ويُضعف الجبهة وداعميها”، خالصاً إلى أن “الكشف عن هذه الأنشطة يضع الجزائر في موقف حرج، خاصة مع تأكيد تقارير دولية على دورها في تمكين البوليساريو من تنفيذ عمليات محظورة، ما قد يدفع المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم علاقاته مع النظام الجزائري”.
من جانبه أشار الحسين كنون، محام ورئيس المرصد المغاربي للدراسات السياسية الدولية، إلى أن تقرير “واشنطن بوست” “يعزز الدعوات الغربية المتكررة إلى تصنيف البوليساريو كجماعة إرهابية، مستنداً إلى أدلة على ارتباطها بجماعات مثل القاعدة، جبهة النصرة، وبوكو حرام، فضلاً عن تلقيها تدريبات من حزب الله بتمويل إيراني”.
وأكد كنون، في حديث لهسبريس، أن “هذه الجبهة لا تقتصر على أنشطة انفصالية، بل تتورط في الجريمة المنظمة، بما في ذلك تجارة المخدرات، الأسلحة، والهجرة غير الشرعية، ما يجعلها تهديداً للأمن الإقليمي”، مبرزا أن “مؤتمر مراكش لمكافحة الإرهاب ربط بوضوح بين الانفصال والتطرف، معتبراً البوليساريو جزءاً من هذا النسيج الإجرامي”.
وأضاف المتحدث أن “قيادات الجبهة تستفيد من أموال مشبوهة تمول استثماراتها العقارية والتجارية في دول الكاريبي وغيرها”، متسائلاً عن مصادر هذه الثروات التي ترتبط مباشرة بأنشطة غير قانونية، بما في ذلك دعم البترول الجزائري.
وأشار المحلل نفسه إلى أن “هذه الأنشطة بدأت تتكشف منذ الربيع العربي، إذ انضمت عناصر من الجبهة إلى جماعات متطرفة قادمة من العراق وسوريا، مستغلة الفوضى لتوسيع نفوذها في الساحل والصحراء”، مردفا بأن “التصنيف الأمريكي للجبهة كجماعة إرهابية سيكون خطوة موضوعية تتماشى مع حجم التهديد الذي تمثله”، وخالصاً إلى أن “البوليساريو ليست مجرد جماعة إرهابية، بل ‘غدة سرطانية’ تعيق التنمية وتزعزع الاستقرار في شمال إفريقيا”.
0 تعليق