حوارٌ بين كاتب النصّ الأدبي ومؤقلِمه للمسرح، شهده المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، اليوم الاثنين، في نقاش جمع الأديب والأكاديمي محمد برادة، والمخرج والكاتب المسرحي بوسلهام الضعيف، وسيّره الناقد حمادي كيروم.
يرى برادة أنه “عندما تكون المسرحية جزءا من تراث قديم يوناني أو فرنسي أو إنجليزي… يكون للمخرج مطلق الحرية في صوغها. أما عندما يكون الكاتب المسرحي على قيد الحياة، فيكون الحوار بين الكاتب والمخرج ضروريا للحفاظ، على الأقل، على عشرين أو ثلاثين بالمائة من المسرحية”.
وتفاعلا مع مسيّر الجلسة، قال الروائي إن “الخيانة” في إعادة صياغة النص الأصلي “قد تضيف الجديد كما قد تضيف السلبي”.
وتفاعل برادة مع ناقل روايته “بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات” إلى المسرح، وناقل نصّه المسرحي الجديد “كلام يمحوه النهار” إلى الخشبة، مسائلا اختيار المخرج في هذا النص الأخير بدء مشهد في مقبرة بصوت القرآن، الذي “يحيل على حساسية عن المشاهد”، بينما كان يمكن البدء مثلا بـ”موسيقى مثل الجاز” حتى تُخرج المشاهد منها.
وناقشَ المسرحيُّ الكاتبَ في هذه الملاحظة، قائلا إنه قد تمسّك بصوت القرآن لأن عليه “خلق عوالم فوق العوالم”، ولذلك “مع تغير الموقع في المشاهد الستة للمسرحية، كان علي الإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن تضع المقبرة فوق الخشبة دون أن يتذكر الناس الموت؟ مقبرة فيها الحياة! وكيف تخلق عوالم من مقابر فاس وطنجة وباريس واليابان وإسبانيا… دون شكل المقابر”، علما أن “عالَم المقبرة، قد اختير عالما صوفيا، لا عالما دينيا”.
واستحضر المسرحي رهانات مسرحة الأدب التي في حالة مسرحية برادة التي اقتضت الرهان على “عدم السقوط في الخطابية، واستحضار المقابر وعوالمها دون أن نرى الموتى أكثر من الأحياء”، خاصة وفي المشهدِ الأخير “شخصيات تُبعث، وتتحدث”.
وقدّر محمد برادة أن المغرب “لم تعد لديه فرقة قوية للمسرح لها من يفكر ويكتب” في سياق يعرف فيه “تطور العالم السريع خلق مشاكل عديدة داخل مجتمعنا؛ من بينها الثقافة كسلوك، وصيغة في التفكير وحضور للمواطن الذي يستطيع التأثير في سياسة بلاده”، مع استحضاره “أزمة زمن الرصاص” التي كان لها تأثير أيضا.
لكن، يرجّح برادة أن أزمة اليوم ترتبط بمستوى التعليم العمومي، واستدرك قائلا: “قد أكون مخطئا، إلا أن هذا التعليم قد تدهور، والآباء الذين لا يمتلكون الوسائل الكافية، لا يتاحُ لأبنائِهم تعليمٌ يمكّنهم من فرض أنفسهم في مجال العمل”، ثم أردف متسائلا: “هل يتطور المسرح دون فرقة وطنية لها ميزانية كافية تشجع الشباب على ارتياد المسرح والتأليف؟ أم هل سيظل المسرح هكذا دعما للفرجة الشابة والمشاهدة، لكن بتضارب لا يشجع على الأسئلة؟”.
من جهته، تطرق المخرج المسرحي بوسلهام الضعيف لافتتانه منذ بداية مساره طالبا بـ”الاشتغال على نصوص ليست مسرحية، بما فيها الرواية، وهو ما يتيحه المسرح”، مضيفا: “اشتغلت في بحث تخرجي على مَسرحة الرواية”، وهذا “تمرين مهم؛ يمكّن من الانفتاح على صعوبة النص الروائي، والتقاطع بين عمل المخرج وما يقع في المجتمع”.
وينطلق المتحدث الذي مسرحَ روايات غير مغربية، ومغربية مثل “ليلة القدر” و”أوراق” و”بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات”، من أن على “المخرج أن يكون وفيا للعالم الروائي، وأن يفهمه ويلتقط الأساسي فيه، وينفذ إلى الخيط الرابط في الرواية والعمل الروائي، وتقديم كل تضاريس ومناخات الرواية”.
مثل هذه الأعمال، وفق المتدخل، تلقى “نقاشا جد إيجابي؛ لأن كثيرا ممن قرؤوا الرواية كان العمل جسرا لهم لأسئلة كثيرة، ومن لم يقرؤوها يقرؤونها بعد ذلك، ليعرفوا ماذا فعلت بهذا العمل؟”.
وتحدث الضعيف عن “عناء مشترك” له مع برادة “في البحث عن ممثلة، مثلا”، لأداء “كلام يمحوه النهار”، واقتراح الروائي مثلا اعتماد “موسيقى الثلاثي جبران”، مع ذكره أن هذا النص المسرحي لمحمد برادة “فيه الكلام. والكلام جد مهم للمسرح، ولو سماه البعض كلاما أدبيا، فإن رهان المسرحي هو كيف يكون الكلام فِعلا”.
0 تعليق