لم يخف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، قلقه من مظاهر تأثير الثورة التكنولوجية الممثلة في الذكاء الاصطناعي على العدالة بشكل عام، وعلى استقلالية القاضي بشكل خاص.
وأكد عبد النباوي في كلمة له ضمن الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة، المنظم تحت شعار “من أجل قضاء إفريقي مستقل”، أن العالم يشهد تحولات رقمية لم يُشهد لها نظير، يُنتظر أن تغيِّر وجه العدالة.
ودعا عبد النباوي القضاة والمنتسبين للعدالة الحاضرين في هذا اللقاء من مختلف دول القارة “إلى مسايرة الثورة الرقمية اليوم حتى لا نظل متفرجين على الهامش، وهي الآن تقتحم أنظمة العدالة في الدول المتقدمة وتدعونا لمسايرتها”.
وسجل الرئيس المنتدب لدى السلطة القضائية، في هذا الصدد، أن الزحف السريع لأنظمة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي الذي تشهده النظم الاقتصادية والصناعية “ماضٍ نحو إحداث تغييرات شاملة على الأنماط الاجتماعية السائدة وانتظارات مختلف الفاعلين، لا سيما في مجال تطوير وتجويد الأداء القضائي وعلى المعاملات المألوفة”.
وشدد على أن هذا الأمر “سيضع تحديات خطيرة جداً على أنظمة العدالة بالعالم، التي ستجد نفسها مطالبة بمواكبة التحولات الرقمية، وإيجاد الحلول الملائمة للإشكاليات المستجدة التي ستطرحها. بل إن منظومة العدالة نفسها قد تعرف تغييرات هيكلية من جراء استعمال الذكاء الاصطناعي في حل المنازعات”.
وقال المسؤول القضائي أمام الحاضرين: “قد نجد أنفسنا بعد حين في أوضاع غريبة ومعقدة، يأخذ فيها الحديث عن استقلال القاضي شكلاً جديداً يرتبط بالبرمجيات الرقمية وواضعيها أكثر من ارتباطه بالقاضي الذي يستعملها”.
من جهته، أوضح الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، أن اللقاء يأتي في ظل مناخ دولي يعرف تحولات اقتصادية واجتماعية وما واكبه من تطور مهول على مستوى أنواع الجريمة، لا سيما العابرة للحدود، كالجريمة الإرهابية والسيبرانية والبيئية.
وأكد الداكي في معرض كلمته أن صيانة الحقوق والحريات وضمان شروط المحاكمة العادلة “تعد واجبا دستوريا يتحمله قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة على حد سواء من خلال السهر على صيانة حقوق المتقاضين، والحرص على التطبيق السليم والعادل للقانون في احترام تام لمبادئ التجرد والاستقلال وبصرف النظر عن انتماءاتهم الفئوية أو الجمعوية، بما ينسجم مع المعايير المشتركة الواردة في المرجعيات الكونية التي قررتها مبادئ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وكذا مبادئ بنغالور للسلوك القضائي”.
وشدد رئيس النيابة العامة في معرض مداخلته على أهمية تقوية وتضافر جهود النظم القضائية بالقارة الإفريقية لدعم استقلال القضاء، “من خلال بناء جسور التعاون وانخراط كافة القضاة الذين تجمعهم المبادئ السامية للعدالة التي أقسموا على صونها والدفاع عنها والالتزام بمبادئها النبيلة بصرف النظر عن انتماءاتهم الجمعوية”.
ولفت الداكي إلى أن المبادئ السامية للعدالة تعتبر “رافعة لخلق مناخ سليم للاستثمار ورافعة لتجويد أداء العدالة ونجاعتها، ضمانا للحقوق والحريات للأفراد والجماعات والمؤسسات، سواء كانوا أبناء الوطن أو مقيمين فيه”.
0 تعليق