نُشطاء يربطون حل إشكالية "الحريك" بإنهاء الوضع الاستعماري لسبتة ومليلية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أبى حقوقيون وباحثون في مجال الهجرة إلا أن يعيدوا مُحاولة “الحريك الجماعي”، التي نفذها آلاف من الشباب والقاصرين بمدينة الفنيدق منتصف شتنبر الماضي، إلى طاولة النقاش الأكاديمي لتحليل مدى تأثيراتها المحتملة على سياسات المغرب وإسبانيا في مجال الهجرة خلال السنوات المقبلة.

وذكّر هؤلاء، الذين التأموا في ندوة نظمتها “الشبكة المغربية لصحفيي الهجرات”، الجمعة بالعاصمة الرباط، تحت عنوان “بعد الهروب الكبير لـ15 شتنبر أي مستقبل لسياسات الهجرة بين إسبانيا والمغرب؟”، بأن “هذه المحاولة هي إجابة عن إشكالات مجتمعية عديدة، على رأسها تفاقم الفوارق الاجتماعية بين المغاربة، وكذا عدم تمكين ساكنة الفنيدق من بدائل اقتصادية عن التهريب بعد إغلاق معبر سبتة المحتلة”.

ونبهّ الحقوقيون والباحثون في مجال الهجرة إلى أن “المقاربة الأمنية التي تم نهجها للتعامل مع هذه الأحداث لن تكون رادعةً لمحاولات أخرى بما أن مكمن الداء يتمثل في هذه الإشكالات المجتمعية”، مُتوقعين أن “يظل التنسيق في قضية الهجرة بين إسبانيا والمغرب دائما خاضعا لمستوى العلاقات السياسية بين البلدين، وأن تبقى إشكالية الهجرة صوب الثغرين المحتلين قائمة دائما ما لم يتم إنهاء وضع استعمارهما”.

“حصيلة تراكمات”

محمد بنعيسى، رئيس “مرصد الشمال لحقوق الإنسان”، أوضح أن “واقعة 15 شتنبر هي حصيلة عدة تطورات عرفتها ظاهرة الهجرة بالشمال المغربي منذ سنة 2016″، مُسجّلا أنه “خلال هذه السنة بدأت تتنامى نسبة القاصرين ضمن محاولي الهجرة، خصوصا المنحدرين من المداشر والقرى والمدن المحاذية للحدود مع الثغرين المحتلين سبتة ومليلية”.

وأبرز بنعيسى، خلال مُداخلته ضمن الندوة ذاتها، أن “عوامل عديدة سرعت إثر ذلك انتشار فكرة الهجرة السرية في أوساط هذه الفئة، تمثلت أساسا في إغلاق معبر سبتة سنة 2019، وخلال فترة جائحة كورونا بعد ذلك”، لافتا إلى أنه “بعدما أدى الإغلاق إلى إيقاف نشاط التهريب، الذي كانت تعتاش منه الكثير من الأسر، بدأت سبتة تتحول إلى منطقة جذب للمهاجرين من أبناء الفنيدق وعموم مناطق المغرب، وازدادت جاذبيتها بعد تخفيف المغرب الإجراءات الأمنية سنة 2021 على خلفية الأزمة السياسية مع إسبانيا آنذاك”.

وتابع قائلا: “من نجحوا خلال هذه المحاولة شكلوا مصدر إلهام بالنسبة للعديد من القاصرين والشباب، الذين حاولوا التكيف مع تشديد السلطات المغربية مراقبة الحدود إثر ذلك، من خلال تنظيم محاولات للهجرة سباحةً بشكل جماعي بغرض تشتيت انتباهها”، مُشيرا إلى أنه “تزامنا مع ذلك بدأ عدد محاولي الهجرة السرية بمناطق الشمال، المنحدرين من مدن مغربية أخرى، يرتفع تدريجيا ليفوق عدد أبناء هذه المناطق؛ ففي محاولة الهجرة الجماعية الأخيرة 80 في المائة من منفذي المحاولة كانوا من خارج مدينة الفنيدق”.

“المقاربة الأمنية”

خالد مونة، باحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ومتخصص في شؤون الهجرة، قرأ في “مُحاولة الهجرة الجماعية التي شهدتها مدينة الفنيدق احتجاجا اجتماعيا من قبل فئة واسعة من الشباب والقاصرين ضد استمرار الفوارق الاجتماعية بين الطبقات، ولعل ما ساهم في لجوء هؤلاء الشباب إلى هذا الخيار هو كون المدرسة لا تقوم بأدوارها كما يجب”.

وأوضح مونة، خلال مداخلته، أن “مدينة سبتة حينما كان الدخول إليها متاحا بواسطة جواز السفر فقط لم يكن يلجها الكثيرون بغرض الهجرة، بل كانت مثل مدينة “للتهريب” فقط من قبل العاملات ، إلا أن قرار المغرب غلق المعبر بين الفنيدق وهذه المدنية حوّلها إلى مدينة للهجرة، خُصوصا مع عدم توفر البدائل”.

وأردف الباحث في شؤون الهجرة، وهو يجيب عن سؤال مآل سياسات الهجرة بين المغرب وإسبانيا غداة مُحاولة “الحريك الجماعي”، أن “البلدين، مبدئيا، وصلا اليوم إلى مستوى مماثل من المقاربة الأمنية لهذا الملف، حيث نجد أن المغرب قام بإغلاق الحدود وتشديد المراقبة عليها”.

خديجة عيناني، نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وقفت بدورها عند توظيف “المغرب للمقاربة الأمنية في هذا الملف”، مشيرة إلى أن “مُحاولة الهجرة الجماعية شابتها عدة اعتقالات وحوادث عنف بحق منفذي المحاولة”. وأضافت أن “الاستمرار في اعتماد هذه المقاربة يشكل تكراراَ للأخطاء السابقة لأنها لن تمنع هؤلاء القاصرين والشباب الذين نفذوا المحاولة الأخيرة من إعادة تكرارها وسلك طرق للهجرة ربما أكثر خطورة”.

وأبرزت عيناني، خلال مداخلتها، أن “المحاولة الأخيرة تستدعي فتح نقاش عمومي، فمن غير السهل رؤية آلاف من الشباب المغاربة يحاولون الهجرة من مدينة مغربية صوب مدينة مغربية أخرى محتلة”، لافتة إلى أن “هذه المحاولة هي نتيجة فشل السياسات العمومية، حيث تقر الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية كمندوبية التخطيط بذلك حينما تؤكد أن أكثر من مليون شاب مغربي لا يشتغلون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين”.

“عوائق سياسية”

من جهته أوضح عبد الكريم بلغندوز، الأستاذ الجامعي والباحث في شؤون الهجرة، أن مُحاولة الهجرة الجماعية صوب سبتة هي إجابة عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الشباب والقاصرون الذين نفذوا هذه المحاولة، لافتاً إلى أن “الإشكال أن الباحثين والمهتمين لا يملكون معلومات ومعطيات محددة عن حيثياتها، مثلهم مثل السلطات العمومية، نظرا لأنه لم يتم تفعيل مرصد الهجرة، الذي كان من شأنه أن يقوم بدراسة هذه المحاولة وظاهرة الهجرة بالمغرب عموما؛ فبدون دراسة هذه الإشكالية لا يمكن بلورة سياسات فعالة تُمكن من تجاوزها”.

وأشار بلغندوز، في مداخلته، إلى أن “التنسيق في قضية الهجرة بين البلدين سيظل دائما خاضعا لمستوى العلاقات السياسية بين البلدين، فإن بقيت دافئة كما هو الحال الآن سيبقى التنسيق عاليا، وإن تراجعت سينخفض هذا التنسيق أو ينقطع”، لافتاُ إلى أنه “لا يمكن حل إشكالية الهجرة صوب الثغرين المغربيين المحتلين ما لم يتم حسم وضعهما السياسي”.

وأضاف “يجب الانتباه إلى أنه من الناحية المبدئية، المغرب لديه فقط مراكز عبور مع سبتة ومليلية، وليس حدودا، فهما مدينتان سليبتان في نهاية المطاف”، منبّها إلى أنه “ما دام لم يتم إنهاء الوضع الاستعماري لهاتين المدينتين، سيظل الاتحاد الأوروبي يعتبرهما حدوده خارج فضاء شينغن، وبالتالي فإن تدبير ملف الهجرة صوبهما سيظل خاضعا ليس لحسابات إسبانيا فقط، بل لحسابات الاتحاد ككل، التي ما زالت تتجه نحو مزيد من التشديد”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق