شدد الرئيس القائد عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر «بريكس» الذى عُقد مؤخراً فى مدينة كازان الروسية على «الأهمية الكبيرة لتجمع البريكس، والدور الحيوى الذى يمكنه القيام به لتطوير المنظومة الدولية، مستعرضاً أولويات مصر فى هذا الإطار، والمتمثلة فى أهمية تعزيز التعاون المشترك لاستحداث آليات مبتكرة وفعالة لتمويل التنمية، على غرار مبادلة الديون من أجل المناخ، مع تعظيم الاستفادة من الآليات التمويلية القائمة، فى ظل ارتفاع فجوة تمويل التنمية إلى حوالى 4 تريليونات دولار فى الدول النامية».
ما يميز تكتل «بريكس» هو أنه غير تقليدى، فدوله لا يجمعها نطاق جغرافى واحد، بل تنتشر فى أربع قارات مختلفة، وبالتالى لا تشترك فى التراث الثقافى والتاريخى ولا الهيكل الإنتاجى، وإنما تشترك فى كونها دولاً نامية وناشئة، تسعى لتحسين وضعها الاقتصادى الدولى، أى أنها لا تنتمى إلى «دائرة الحضارة الغربية المهيمنة»، بل تشكل مزيجاً من حضارات مختلفة وضاربة فى التاريخ، ولديها عوامل مستقبل اقتصادى واعد.
ورغم حداثة عهد التكتل وقلة عدد أعضائه، فإنه يُعد أحد التكتلات الاقتصادية الواعدة فى العالم، والتى يؤكد الخبراء تفوقها على أكبر التكتلات الاقتصادية كمجموعة «السبعة الكبار» (G7)، حيث تضم «بريكس» بشكلها الحالى أكثر من 45% من سكان العالم (3.25 مليار نسمة) و33.9% من إجمالى مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاد المجموعة 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالى 29% من حجم الاقتصاد العالمى. وبحسب بيانات البنك الدولى أضافت الدول الخمس الجديدة 3.24 تريليون دولار إلى اقتصادات المجموعة.
ويمثل حجم الناتج المحلى الإجمالى لمجموعة «بريكس» بناء على معيار تعادل القوة الشرائية نسبة 36.7% من الاقتصاد العالمى، ويشكل حوالى 16% من التجارة العالمية، حيث يسهم التكتل بحوالى 16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات، كما يقدر إجمالى الاحتياطى النقدى الأجنبى المشترك للمجموعة بأكثر من 4 تريليونات دولار. وتسيطر المجموعة -بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران- على 80% من إنتاج النفط العالمى، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم فى السوق العالمية، كما أنها تتحكم فى أكثر من 50% من احتياطى الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
وتعد اقتصادات دول «بريكس» مكملة لبعضها (الغاز والنفط والمعادن والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية والإمكانات العسكرية)، وباتت المجموعة تمتلك بنكاً للتنمية وصندوق احتياطات نقدية للدول النامية التى تحتاج إلى مساعدات وقروض.
بمعنى أن العالم يشهد تحولاً متسارعاً فى ميزان القوى الاقتصادية، الذى تأسس منذ عقود على مركزية نفوذ مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة، ويمكن أن يؤدى توسع مجموعة «بريكس» أكثر إلى زيادة وزنها الاقتصادى ونفوذها الجيوسياسى بشكل كبير، ما يعزز دورها على الساحة العالمية، حيث إنها أصبحت بديلاً بعد تصدع النظام العالمى الأحادى القطبية والمنظومة الدولية التى بنى عليها بعد الحرب العالمية الثانية ومحورها الغرب بقيادة الولايات المتحدة اقتصادياً ومالياً، عبر نظام «بريتون وودز» بمؤسساته المالية والنقدية، أو ما يسمى بعصر التفوق الأمريكى والغربى فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى.
وشدد الرئيس خلال الاجتماع الختامى الموسع لقمة «بريكس» على أن منطقة الشرق الأوسط «تعيش على وقع الحرب الإسرائيلية المستمرة، لما يزيد على العام، على أبناء الشعب الفلسطينى المحاصرين بقطاع غزة، والمحاطين بأشكال القتل والترويع كافة»، محذراً من «توسيع الصراع والانزلاق نحو حرب شاملة».
وقال الرئيس إن «هذه الاعتداءات، التى امتدت إلى الأراضى اللبنانية، تعد أكبر دليل على ما وصل إليه النظام الدولى من تفريغ للمبادئ وازدواجية للمعايير، فضلاً عن غياب المحاسبة والعدالة، إزاء الانتهاكات التى ترتكب فى حق المواثيق الدولية، وقواعد القانون الدولى والإنسانى، الأمر الذى نتجت عنه كارثة إنسانية غير مسبوقة، واستمرار الحرب وتوسعها».
ورغم إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الأول، لا تزال مصر تتصدر الجهود الإقليمية والدولية نحو تنفيذ وقف فورى ودائم لإطلاق النار، وصد كافة المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، التى تعد امتداداً تاريخياً للدور المصرى إزاء قضية العرب الأولى، حيث ظلت القضية على رأس أولويات اهتمام الرئيس القائد عبدالفتاح السيسى، نتيجة الإيمان والقناعة بعدالة القضية، وبحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم التى انتزعتها إسرائيل منهم منذ 76 عاماً.
* رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
0 تعليق