"قمة الصين ـ إفريقيا" .. فرص اقتصادية واعدة ترسُم "طرق الحرير الجديدة"

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

تنطلق اليوم الأربعاء (رابع شتنبر) بالعاصمة الصينية قمة منتدى التعاون الإفريقي الصيني برهانات كبيرة، تواكب توغلاً متزايداً لـ”التنين الصيني” في أدغال القارة الإفريقية، خاصة عبر بوابة الاستثمارات الضخمة في قطاعات اقتصادية أبرزها يتصل بمجال البنيات التحتية والمناجم وتحلية المياه.

ولم تفوّت المملكة المغربية فرصة هذا اللقاء الدولي الملتئم تحت عنوان “التكاتف من أجل تعزيز التحديث، وبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا”، لتُعزز علاقاتها مع هذا الاقتصاد الآسيوي الرائد عالمياً، باعثة إشارات دالّة، أبرزُها مشاركة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الثلاثاء، في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي ببكين.

الصين واصلَتْ استبعاد الطرح الانفصالي في قضية الصحراء المغربية، رغم المحاولات الحثيثة التي قادتها الدبلوماسية الجزائرية بقيادة رئيسها أحمد عطاف، مُوجّهةً “صفعة جديدة” على خدّ الجبهة الانفصالية، التي كانت تمنّي نفسها (ربما) بتكرار “فضيحة طوكيو” خلال اجتماع أشغال التحضير لقمة “تيكاد-9″، الذي انعقد قبل أيام.

يأتي هذا تماشياً مع ما يشكله هذا المنتدى، الذي يحتفل هذه السنة بالذكرى 24 لتأسيسه، باعتباره “شراكة متميزة” بين الصين والقارة الإفريقية، قائمة على المبادئ الأساسية للتضامن، والتعاون، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية.

“طرق الحرير الجديدة”

وقبل أيام من انعقاد القمة، التي ستجمع زعماء الصين ودول إفريقية في بكين (بين 4 و6 شتنبر)، تعهّدت بكين بتعزيز مشروع “طرق الحرير الجديدة”، المعروف أيضا باسم “الحزام والطريق”، فيما تمثل إفريقيا أساسا منطقة رئيسية في هذه المبادرة.

ووفق أرقام رسمية لوزارة التجارة الصينية، فإن الشركات الصينية أبرمت “عقوداً بقيمة إجمالية تزيد عن 700 مليار دولار بين عامي 2013 و2023″، أي خلال عشر سنوات فقط.

بدوره كان سفير المملكة المغربية في الصين، عبد القادر الأنصاري، قد أكد “إرسال المغرب وفدًا رفيع المستوى لحضور قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي لعام 2024″، معتبرا المنتدى “فرصة لتقييم الوضع الحالي وآفاق الشراكة الصينية الإفريقية، فضلا عن كونه فرصة لمناقشة العلاقات الثنائية في إطار المنتدى، إضافة إلى مناقشة مواضيع النمو والتنمية وسبل مواجهة التحديات المشتركة”.

وصادق الوزراء الصينيون والأفارقة، خلال اجتماع الثلاثاء، على “إعلان ومخطط عمل بكين”، في أفق “اعتمادهما النهائي” من طرف رؤساء الدول والحكومات المشارِكين في القمة، بمشاركة مغربية وازنة.

المغرب إضافة لتعاون الصين- إفريقيا

وأكد ‎ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الإفريقي- الصيني للتنمية، أن “استبعاد جبهة الانفصال من أشغال المنتدى أو اجتماعاته التحضيرية يؤكد أن الصين تتعامل فقط مع الدول التي لها علاقة دبلوماسية مع عضوية بالاتحاد الإفريقي”، مثمناً موقف بكين المعهود ضدّ الانفصال في الصحراء المغربية.

وأوضح بوشيبة، في تصريح مطول لجريدة هسبريس، أن “المنتدى الصيني الإفريقي يأتي، هذه السنة، في ظرفية عالمية جد حساسة مع استمرار النزاع في أوكرانيا بآثاره الاقتصادية، فضلا عن تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، والتداعيات المحتملة في حال توسع الصراع بالشرق الأوسط، مما قد يؤثّر على مسارات السفن التجارية التي تقصد إفريقيا أو أوروبا عبر البحر الأحمر”.

وعدّد الخبير الباحث في العلاقات الصينية الإفريقية عوامل تجعل “المغرب يموقع نفسه كإضافة للتعاون الصيني- الإفريقي”، أبرزها “الحضور الاقتصادي الوازن للمغرب في غرب إفريقيا، بعد أن كان مجرد ممرّ تجاري، وخط الغاز نيجيريا- المغرب (سيمكن حوالي 15 دولة إفريقية من الحصول على مصدر طاقي)، وكذا المبادرة الملكية الأطلسية لدول الساحل بما قد يتيح للصين ولوج غرب إفريقيا (سوق 500 مليون نسمة)”.

وتابع قائلا: “هي مبادرة ملكية تمكن الشركاء الجادّين من التفاعل إيجابياً معها، وفضلا عن الحجم الديبلوماسي الوازن للمملكة في منتدى بكين، فإن الجانب الاقتصادي مفتاح صينيٌ مهم تجاه غرب إفريقيا عبر مشروع الميناء الأطلسي للداخلة، ودعم مشاريع الصين في قطاعات البناء والأشغال العمومية بهذه الدول”.

ولفت إلى انتهاج الرباط منطق “المنفعة المتبادلة لجميع المتدخلين بغض النظر عن الخلفية الإيديولوجية للدول، في إطار تعدّد الشركاء وفق الرؤية الملكية”.

“فرصة لتعميق الشراكة”

يعد منتدى الصين إفريقيا، المشتهر اختصارا باسم “فوكاك”، فرصة سانحة لكلا الطرفين من أجل تعميق شراكة تعود لأكثر من عقديْن، وهو ما أكد عليه بوشيبة قائلا إن “المغرب يوفر فرصة تعزيز التعاون ثلاثي الأبعاد”.

وضرب الخبير في الشؤون الصينية مثالا بـ”الفرص الواعدة للاستثمار في قطاعات عبر القطب المالي للدار البيضاء، الذي يعد بوابة ولوج ممكنة للصين نحو أسواق القارة الإفريقية”، مستحضرا “عامل الاستقرار والنمو المطرد للمملكة”.

وأضاف أن “العرض المغربي جاذبٌ بالنسبة للصينيين، خاصة مع تحفيزات ودعم ميثاق الاستثمار الجديد لمشاريع عالية القيمة المضافة”، موجهاً نداء بضرورة بناء “علاقة سوق جديدة مبنية على التعاون وليس التلقي فقط، أيْ عبر نقل التكنولوجيا، مثلا، في مجالات المياه والزراعة وغيرها، مع مراعاة خصوصية الدول الإفريقية كل على حدة”.

وختم بوشيبة حديثه لهسبريس قائلا: “حان الوقت ليكون موقف الصين الرسمي أكثر جرأة بالنسبة للاعتراف بمغربية الصحراء لأن الفاعلين التاريخيين في الملف، سواء فرنسا أو إسبانيا، اعترفوا بذلك”، مؤكدا أن “نهضة القارة لن تكون بوجود حركات انفصالية، ويمكن للصين، مثلا، أن تلعب دورا في التقريب بين المغرب والجزائر كما فعلت بين السعودية وإيران”.

وتابع قائلا: “إذا أرادت الشركات الصينية أن تستفيد من صفقات المونديال بالمغرب، مثلا، عليها اتخاذ موقف واضح وشجاع في ملف الوحدة الترابية لأن هذا الملف هو نظارة العلاقات الخارجية للمملكة، وبحكم أن المغرب كان دائما مع مبدأ الصين الواحدة”.

“قمة استثنائية”

من وجهة نظر استراتيجية للعلاقات الدولية وتشابك مصالحها، تحدّث هشام معتضد، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، مبرزا أن “القمة جاءت في سياق مواصلة الصين سياستها الثابتة تجاه القضايا السيادية للدول الإفريقية، وهو ما يظهر جلياً في استبعادها أي محاولة لإشراك الكيانات الانفصالية مثل البوليساريو، رغم محاولات الجزائر الأخيرة بقيادة وزير خارجيتها عطاف. هذا الموقف يعكس التزام الصين بمبادئها الراسخة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مما يعزز شرعية الموقف المغربي ويؤكد على متانة العلاقات الصينية- المغربية”.

وحسب معتضد، “تكتسب هذه القمة أهمية استثنائية بالنظر إلى التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الجارية، مع سعي المغرب لتعزيز دوره كحلقة وصل استراتيجية بين الصين والقارة الإفريقية”. وزاد شارحا “هذا الدور يعزز فرص المغرب في الاستفادة من مبادرة “الحزام والطريق” كركيزة أساسية في الاستراتيجية الصينية للتوسع الاقتصادي واللوجستي على الصعيد العالمي”.

“إن مشاركة المغرب في هذه المبادرة تعكس عمق الشراكة بين البلدين وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك البنية التحتية، الصناعة والزراعة”، يضيف الباحث في تصريح لهسبريس.

وفي ظل التطورات المرتبطة بطريق الحرير الجديدة، قال الخبير ذاته: “يتضح أن الصين تتجه نحو تعزيز استثماراتها في إفريقيا، بما في ذلك المغرب الذي يعتبر بوابة إفريقيا نحو أوروبا وأحد الشركاء الاستراتيجيين لبكين. هذه الاستثمارات، التي تتنوع بين المشاريع الكبرى مثل تلك المرتبطة بمونديال 2030 والبنية التحتية، تكرّس أهمية الدور المغربي في الخريطة الاقتصادية الجديدة التي ترسمها الصين بتعاون مع الدول الإفريقية”.

تعاون ثلاثي نموذجي

وفي قراءته لأبعاد المنتدى ودلالاته، سجل معتضد أن “التعاون الثلاثي بين الصين وإفريقيا والمغرب نموذجٌ مبتكر للشراكة الدولية، إذ يساهم المغرب، من خلال موقعه الجغرافي الاستراتيجي واستقراره السياسي، في تعزيز روابط التعاون بين الصين والدول الإفريقية، التي لا تقتصر على المجال الاقتصادي فحسب، بل تشمل أيضاً أبعاداً استراتيجية أخرى مثل الأمن الغذائي، الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة، مما يتيح فرصاً متعددة لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى القارة”.

ملفات حيوية في الأجندة

وبعد مرور 24 عاماً على تأسيس المنتدى، يرى الخبير في الشؤون الدولية أن “هذه الشراكة حققت نجاحات كبيرة في مختلف المجالات، مع تصاعد ملحوظ في حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين”، لافتا إلى أن “العلاقات الصينية- الإفريقية أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى به في التعاون جنوب- جنوب، مع التزام الصين بتقديم الدعم اللازم لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا، مستفيدة من تجربتها التنموية الفريدة”.

“ومن المتوقع أن تركز أجندة القمة الحالية على ملفات حيوية مثل الحوكمة، تسريع التعاون الصناعي والزراعي وبناء شراكات مستدامة في إطار مبادرة الحزام والطريق”، يضيف معتضد.

وختم تصريحه بكون “المغرب، بفضل موقعه المتميز ودوره الفاعل في الشراكة الصينية- الإفريقية، سيكون له دور محوري في تنفيذ هذه الأجندة، مما سيعزز مكانته كفاعل رئيسي في رسم ملامح التعاون الثلاثي بين الصين وإفريقيا”، مشيرا إلى أن “هذه القمة تمثل فرصة تاريخية وإضافية للمغرب لتعزيز شراكته الطبيعية مع الصين، وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والسياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق