تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تأكيد دعمها للجهود الرامية إلى إيجاد حل دائم لقضية الصحراء المغربية، في سياق يتصاعد فيه الجدل حول شرعية التمثيلية التي تدعيها جبهة “البوليساريو”، التي تواصل تقديم نفسها كـ”ممثل وحيد” للصحراويين.
وفي موازاة ذلك، تتصاعد من داخل الأقاليم الجنوبية، خصوصا من لدن شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية التمثيلية التقليدية المعترف بها أمميا، أصوات تنادي بضرورة أن يقوم تمثيل الساكنة على إرادة حرة واختيار ديمقراطي، بعيدا عن الوصاية والادعاءات التي ظلت تفرضها جبهة “البوليساريو” منذ عقود، متشبثة بلقب “الممثل الوحيد” للصحراويين دون تفويض شعبي حقيقي.
تأكيد الشرعية
أعاد ميشيل روبين، المستشار السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، تسليط الضوء على ضرورة الاعتراف بحركة “صحراويون من أجل السلام ” (MSP) باعتبارها صوتا حقيقيا للصحراويين، يتجاوز الخطاب التقليدي للـ”بوليساريو” الذي بات في نظره جزءا من ماضٍ تجاوزه السياق الدولي الراهن.
وقال روبين، في مقابلة نشرتها صحيفة “ماروك هبدو”، إن القوى الدولية الكبرى، بما فيها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا، مدعوة إلى التعامل مع حركة “صحراويون من أجل السلام” كممثل شرعي وديمقراطي للصحراويين، مضيفا أن “المغرب يمكنه أن يستلهم النموذج الكردي في تسيير ملف الصحراء”، ومشيرا إلى أن “البوليساريو لم تُنتخب يوما من لدن الساكنة، ولم تمنح الصحراويين فرصة اختيار ممثليهم بحرية”.
وأوضح الخبير الأمريكي أن الاعتراف الدولي بحركة “صحراويون من أجل السلام”، خصوصا بعد دعمها من الأممية الاشتراكية، يشكل فرصة لإعادة هيكلة تمثيلية الصحراويين على أسس ديمقراطية، لافتا الانتباه إلى قرب نهاية مهمة بعثة “المينورسو”، مؤكدا أن “إدارة البيت الأبيض بصدد مراجعة دعمها المالي لعمليات حفظ السلام التي وصفها بـ”غير الفعالة” والموروثة من صراعات الحرب الباردة”.
وتابع قائلا: “إذا استمرت الأمم المتحدة في إعطاء الأولوية لمصالح بعثات مثل المينورسو على حساب الفعالية، فإن ذلك سيعرض تمويل المنظمة الأممية برمته للخطر”، مؤكدا أن “مسؤولين أمميين يسارعون الخطى إلى واشنطن لمحاولة تجنب هذا المصير”.
وأشار روبين أيضا إلى أهمية دور شيوخ وزعماء القبائل الصحراوية، معتبرا أن “إشراكهم في العملية السياسية ضروري لتحقيق حل دائم ومنسجم مع واقع الصحراء الغربية”، داعيا المغرب إلى منحهم مكانة مركزية ضمن أي مشروع مستقبلي.
دعم السلام
تعليقا على المواقف الصادرة عن المستشار الأمريكي ميشيل روبين، قال الحاج أحمد باريكلى، السكرتير الأول لحركة “صحراويون من أجل السلام”، إن التصريحات الصادرة عن خبير يتمتع بمكانة مرموقة تعزز القناعة بأن الحركة تسير بخطى ثابتة على المسار الصحيح.
وأوضح باريكلى، في تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الاعتدال الذي يميز خطاب الحركة، إلى جانب تمسكها بخيار الحل السياسي كسبيل وحيد لتسوية النزاع، هو ما يمنحها مصداقية متزايدة في نظر الأطراف الدولية الفاعلة”.
وأكد السكرتير الأول لحركة “صحراويون من أجل السلام” أن هذه الأخيرة تضع نصب عينيها تحقيق تسوية تقوم على مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”، مستبعدة بشكل قاطع أي توجه نحو الخيار العسكري الذي لا يخدم سوى مفاقمة معاناة الساكنة وابتعاد الحلول الواقعية.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “الدعوة إلى إقرار حل سياسي توافقي، يقوم على الحوار والتفاهم، يعكس رؤية مسؤولة تنأى عن الخطابات المتشنجة والمقاربات الإقصائية التي عفى عنها الزمن”.
وفي هذا السياق، أبرز السكرتير الأول للحركة أهمية الدعوة التي أطلقها المستشار الأمريكي إلى الأمم المتحدة وإلى حكومات دول مؤثرة؛ مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، للاعتراف بالحركة كخيار ديمقراطي حقيقي يمثل الصحراويين، مشيرا إلى أن “مثل هذا الاعتراف سيساهم في فتح آفاق جديدة أمام مسار التسوية، ويكرس القيم الديمقراطية والنهج السلمي الذي تتبناه الحركة منذ تأسيسها”.
كما عبّر باريكلى عن أمله في أن تُسهم هذه الدعوات الموجهة إلى المجتمع الدولي في إعادة تكييف مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بما يتيح له تجاوز حالة الجمود الراهنة التي رافقت مسار الوساطة منذ بدايته، مشددا على أن “اعتماد مقاربة جديدة أكثر واقعية وشمولية قد يفتح الباب أمام تقدم ملموس نحو حل عادل ودائم لقضية الصحراء”.
وختم القيادي الصحراوي تصريحه بالتأكيد على أن التوصية التي أوردها المستشار روبين بشأن ضرورة إشراك شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية في مسلسل البحث عن الحل تشكل اعترافا صريحا بأهمية البنية الاجتماعية التقليدية في المجتمع الصحراوي، وبالدور المحوري الذي يمكن أن تضطلع به المؤسسة القبلية في تعزيز فرص التوصل إلى تسوية قائمة على الشرعية المجتمعية والدينامية الداخلية.
يذكر أن حركة “صحراويون من أجل السلام” كانت قد قدمت، خلال مؤتمرها الدولي الثاني المنعقد في دكار أواخر سنة 2023، خارطة طريق جديدة تستلهم تجربة إقليم كردستان في إرساء نموذج متقدم للحكم الذاتي، ضمن مقاربة سلمية للحل السياسي في الصحراء المغربية.
0 تعليق