كشفت مصادر مطّلعة في الإدارة الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب يسعى إلى تطبيق سياسة جديدة ومثيرة للجدل، تقضي بترحيل مهاجرين مدانين بجرائم أو طالبي لجوء إلى دول مثل ليبيا ورواندا، في خطوة وُصفت بأنها تصعيد صارخ في الحرب على الهجرة غير النظامية.
المعلومات، التي نقلتها شبكة CNN عن مصادر متعددة في وزارة الخارجية الأميركية، تؤكد أن المحادثات قد بدأت بالفعل مع مسؤولين من البلدين، وتحديدًا خلال زيارة مسؤول ليبي رفيع إلى واشنطن هذا الأسبوع. ووفقًا لهذه التسريبات، فإن الخطة تشمل إرسال المهاجرين إلى دول ثالثة، بعيدة عن الحدود الأميركية، للتقليل من احتمالات عودتهم مجددًا.
ترامب يفتح الجبهة الأفريقية لترحيل المهاجرين
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لم يترك الكثير للخيال، إذ قال صراحة في اجتماع وزاري: "نحن نبحث عن دول تقبل منا أكثر الناس دناءة... وكلما كانت أبعد عن أميركا كان ذلك أفضل". هذا التصريح، رغم فجاجته، يعكس ما يبدو أنه توجه استراتيجي لإدارة ترامب لتحويل الهجرة إلى مشكلة عالمية وتوزيع العبء على دول أخرى.
وفي إطار هذه الخطة، أبدت رواندا موافقة مبدئية على استقبال عدد محدود من المرحّلين من الولايات المتحدة، خاصة من أولئك الذين أنهوا عقوباتهم في السجون الأميركية. ووفق مصادر، سيحصل بعضهم على مساعدات مالية وسكنية وفرص عمل، في نموذج مشابه لاتفاق رواندا السابق مع المملكة المتحدة، والذي أُلغي لاحقًا بعد خلافات قانونية وسياسية واسعة.
ليبيا... أرض الترحيل القسري رغم فوضاها الداخلية
لكن الشق الأخطر في الخطة الأميركية يكمن في ليبيا، الدولة التي ما زالت تُصنّف من قبل الأمم المتحدة كأحد أخطر الأماكن على المهاجرين. فالتقارير الأممية لعام 2024 وثّقت انتهاكات جسيمة بحق المهاجرين في مراكز الاحتجاز، من تعذيب إلى استعباد جنسي إلى اختفاء قسري. ومع ذلك، تخطط واشنطن لبحث توقيع اتفاق "البلد الثالث الآمن" مع طرابلس أو الجهات النافذة فيها، ما يتيح لأميركا ترحيل طالبي اللجوء الذين يتم توقيفهم عند حدودها إلى ليبيا.
هذا التوجه، إذا ما تم تفعيله، سيحوّل ليبيا إلى ما يشبه "مكب نفايات بشري" للملف الأميركي في الهجرة، وهو ما يثير سخط المنظمات الحقوقية التي ترى في ذلك خرقًا صارخًا لاتفاقيات جنيف الخاصة بوضع اللاجئين.
من النموذج البريطاني إلى التجربة الأميركية: لماذا رواندا؟
رواندا، التي وقّعت اتفاقًا مشابهًا مع بريطانيا في 2022 لاستقبال مهاجرين، أصبحت وجهة مفضلة لبعض الدول الغربية الباحثة عن حلول سريعة وقليلة التكلفة لوقف سيل المهاجرين. ورغم أن الاتفاق البريطاني انهار لاحقًا بفعل حملة قانونية قادتها جمعيات حقوقية، إلا أن التجربة أثارت شهية إدارة ترامب لاستنساخ النموذج على الطريقة الأميركية.
الملفت أن أول ترحيل فعلي تم في مارس الماضي حين أُرسل لاجئ عراقي – يُدعى عمر عبد الستار أمين – من الولايات المتحدة إلى رواندا في عملية سرية. وقد اعتُبرت تلك العملية بمثابة اختبار عملي لقدرة رواندا على استيعاب المرحّلين وتوفير ظروف معيشية "آمنة لهم"، على حد تعبير مسؤولين أميركيين.
مخاوف قانونية وتحديات قضائية في الأفق
لكن هذه الخطط لن تمر دون عقبات. فمحكمة فدرالية أميركية أصدرت مؤخرًا حكمًا يمنع ترحيل أي شخص إلى بلد ثالث دون إخطار مسبق ومنحه الحق في الطعن. ومن المتوقع أن تثير خطط الترحيل إلى ليبيا – المعروفة بسجلها الكارثي في حقوق الإنسان – موجة من الطعون القانونية والاحتجاجات السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
كما يرى مراقبون أن الزج بليبيا في ملف معقد مثل الهجرة يعمّق من هشاشة المشهد الليبي، ويضيف بُعدًا خارجيًا إلى أزمة داخلية لا تزال تبحث عن حل سياسي دائم منذ أكثر من عقد.
0 تعليق