الريس زكريا وأنا (1)

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رجال الظل أبطال لا يعلم عنهم الكثيرون.. مهما كرمناهم وتكلمنا عنهم لايوفيهم ذلك حقهم أبدا.. حملوا أرواحهم على أكفهم ليقوموا بعمليات وجعت العدو وحفرت في تاريخ مصر بحروف من ذهب وحملتنى الذكريات والمحبة وأنا أفكر في أساطير مصر من رجال الظل إلى إسم رجل تشرفت أننى قد تعاملت معه وجمعتنى به مواقف وأحداث وعدد من السنوات وله فضل كبير علي وله دين في عنقي لن أوفيه مهما حاولت. وأبسط شيء أستطيع تقديمه له وهو في دار الحق أن أسرد جزءا من بطولاته وماقام به لصالح بلاده وقطعا هى خطوط عريضة لعمليات خطيرة تحمل الكثير من التفاصيل والمغامرات والجزء الآخر الإنساني الذي يغمرك  ويتعامل معك بمحبة الأب الذي يفرح بكل ما تفعله ويفتخر وتشجيعه الدائم الذي لم ينقطع أبدًا.

إنه الريس زكريا الحقيقي الذي قام بدوره الفنان صلاح قابيل في مسلسل (دموع في عيون وقحة) وكان الضابط المسؤل عن تجنيد (جمعة الشوان) وزرعه داخل الكيان الصهيونى لصالح مصر والذي يعرفه الجميع باسم اللواء عبدالسلام المحجوب ويعرفه الإسكندرانية باسم المحبوب. والذي أعتبره أبي الروحي.

وأول يوم التقيته كنت حديثة العهد بالصحافة ومازلت أدرس وتحت التدريب صغيرة السن جدًا وبدون خبرات ولكنها الحماسة والنشاط لبذل أقصي ماعندى وبدأت أقوم بما أراه وليس بما يتم تكليفي به فكنت دائما متمردة أبحث عن غير المألوف وأتحرك من نفسي فورا وبدأت أبحث من مصادر عن الافتتاحات والمؤتمرات وكان أول مؤتمر لوزير التنمية المحلية اللواء عبدالسلام المحجوب وكنت فرحانه لأننى أعلم من هو وأعلم عن تاريخه وأنه (الريس زكريا) فقد كنت شديدة الشغف بقصص المخابرات والعمليات لدرجة الجنون ونظرتى إنه بطل من الأبطال وذهبت مبكرا جدا لأتفاجأ بوجوده قبل الجميع وتقدمت منه فرحة أننى أمام هذا البطل وجها لوجه وكان مبتسما ابتسامة هادئة وكأنه فطن أننى أرحب به كبطل وليس كوزير سألته حضرتك وصلت بدري جدًا، رد قائلًا: "بحب دايما أتواجد في المكان قبل الجميع" ورددت سريعا "مؤكد ده كان شغلك الأساسي" فضحك لأنه تأكد مما فطن إليه أننى أعلم عنه الكثير، رد قائلا "إنتى اللى جيتى بدري" قلت والدى عميد قوات مسلحة اتربيت تربية عسكرية شويتين وإنى أكون حاضرة قبل الموعد بساعة تحسبا لأى ظروف رد متبسما "ربنا يحميكى يابنتى".

- وتعددت اللقاءات في أحداث كثيرة وأتذكر بعد مرور فترة من الشهور التى مرت كانت الفرصة العظيمة بالنسبة لى أن أسمع تحليله لشخصيتى وانطباعه عنى والذي كان له دور كبير في حياتى وعامل محفز ودافع أساسي لي.

 كان مؤتمر صحفي في الغرفة التجارية وكان رئيس الغرفة ونائبه ووزير التجارة وسيادة الوزير اللواء الريس زكريا وكعادتى لم ألتزم بالقواعد أن أدخل القاعة مع الصحفيين وأنتظرهم حتى يدخلوا جميعا وتبدأ التصريحات تسللت إلى غرفة رئيس الغرفة التجارية وفتحت الباب ودخلت فضحك رئيس الغرفة ونائبه قائلا "المشاغبة وصلت" قلت أنا جيت آخد تصريحات حصرية وأروح" وجلست بجوار الريس زكريا فإبتسم وفاجأنى قائلا: "انتى هيكون ليكى مستقبل وفى يوم من الأيام هقرأ اسمك كتير وأسمع عنك لأنك نشيطة  ومجتهدة وسريعة البديهة وذكية ذكاء حاد وثباتك الانفعالي خطير وعندك حضور وكاريزما مؤثرين ومخلصة جدا ووطنية لو احتاجتى أي حاجة يا بنتى قوليلي فورا".. فرحت فرحة مابعدها فرحة وقلت له "طيب رقمك عشان لو احتجت حاجة" (وطبعا كل تلك الفترة عمرى ما طلبت منه حاجة كنت أتصل لأطمئن عليه فقط او نتكلم لأحداث تحدث ونتناقش فيها كعادة حواراتنا) ولكنها فرحة بشهادة تتويج أضعها علي رأسي عمري بأكمله محفورة في كيانى.

وأكثر مواقفة الانسانية معى على سبيل المثال لا الحصر: كان هناك مؤتمر في أحد الفنادق وذهبت قبل الموعد بساعة ولم يكن هناك أحد دخلت القاعة وجدته كالعادة يجلس عند طرف (ترابيزة) القاعة ومشغول بتركيز  فى ورق امامه ومن على الباب قلت له "اهلا وسهلا بحضرتك وكالعادة بدرى وقبل الجميع".. قال لى "وإنتى كمان كل التربية العسكرية كده".. جلست علي طرف (الترابيزة) بجانبه ودار حديث رائع وخطير ومن أروع وأخطر الأحاديث وكان يشرح لى بالورقة والقلم وأنا مركزة ومستمتعة ومستغرقة في الحوار الذي أحفظه عن ظهر قلب (لكنى أحتفظ به لنفسي) ولكن الجملة التى أستطيع أن أقولها ردا علي سؤال منى قال: (عرفت الناس وعرفونى وأنا محافظ إسكندرية لكن أنا في دمى وتحت جلدى ضابط مخابرات) ولكن اندهاشي كان فى ثقته ومحاورتى وأسئلته وهو واثق أننى سأجيب إجابة صحيحة وكلما أقول شيئًا يقول لى "برافو عليكى يا بنتى برافو عليكى صح ماشاء الله عقلك وذكاءك عالي جدا وعلى فكرة لدرجة ممكن تخوف ناس منك لإنك فاهماهم اكتر من نفسهم ده غير ان تحليلك معجون بالحاسة السادسة بتستشعري الأمور بدرجة واضحة ربنا يحميكى ويحفظك" وكان كل من يدخل القاعة ينظر باستغراب لأن التركيز والملامح تعكس ذلك.. وبعد ذلك اتخذ كل منا مكانه وبدأت فاعليات المؤتمر وفي الأثناء رفعت يدى استأذن بالسؤال أبتسم وقال كده فيها ربع ساعة أرد أنا عارف والكل ضحك وبعد سؤالى قال أنا كنت عارف، وبعد انتهاء المؤتمر كان هناك عشاء للصحفيين مع الوزير توجهت نحوه قائلة "بعتذر لحضرتك الوقت تأخر والمسافة بعيدة وبعتذر عن العشاء" رد "مفيش الكلام ده اتصلي بـ(بابا) فطلبته وقلت له سيادة الوزير معاك قال: مين؟ ليه؟ عملتى إيه؟! ضحكت وقلت: اتفضل فقال له "الأستاذة هتخلص المؤتمر وعربية هتوصلها في أمان للبيت بعد إذنك طبعا"، رد والدى: شكرا يا أفندم وكملوا المكالمة  في حوار مع بعض.. لن أنسى الموقف ماحييت مشاعر الأبوة التى تفيض من هذا الرجل رهيبة الوصف هو حقا رجل مواقف وأفعال، ونفس الموقف تكرر في مؤتمر شعبي بمنطقة شعبية كان في العاشرة مساء، وكنت البنت الوحيدة وعندما لمحنى من المنصة تحدث إلى فرد حراسة والذي حضر إلى قائلا أستاذة من فضلك قبل نهاية المؤتمر هتيجى معايا تخرجى من المدخل الخلفي المتأمن وتطلعي معانا. ومهما أحاول أن أوصف حبي وإحترامى وتقديري لهذا الرجل أقسم بالله أعجز عن التعبير والوصف.

وبعدها بفترة قليلة حدثت الأحداث المؤسفة في مصر وقت المجلس العسكرى وفي مكالمة طلبته لأطمئن عليه سمعت صوته مخنوقًا فقلت له يارب تكون بخير.. قال إزاى أكون بخير ومصر مش بخير يابنتى.. ازاى ولادها بيضيعوها ازاى يساعدوا في دمارها إزاى يخربوها بإيدهم ويصدقوا كلام عملاء ومدفوعين بيضيعوا البلد اللى ضحينا عشانها بأرواحنا، دى مصر يابنتي دى مصر.. رديت:حضرتك علمتنى مهما الأمور كانت صعبة مفيش ضعف ولا يأس ولا مستحيل وفي يقين إن البلد دى ربنا حافظها ورد بسرعة آه والله ربنا حافظها يابنتاه والله هتعدى وهتقف تانى.

 قفلت المكالمة وأنا ببكى وقلبي يعتصر من الألم لكن في لحظة توقف البكاء وعادت نظرة التحدى والقوة وعاد اليقين يتملكنى إن مصر في حفظ الله ليوم الدين.. وللحديث بقية. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق