في ستينيات القرن الماضي، لمع نجم الفنان حسن مصطفى كواحد من أبرز وجوه الكوميديا في مصر، قدم العديد من الأعمال التي صنعت جمتهيريته مثل "مطاردة غرامية" و"الزواج على الطريقة الحديثة" و"عفريت مراتي"، لكن قصة تألقه الحقيقية بدأت قبل ذلك بسنوات، في لقاء مصيري جمع بين تلميذ صغير وبين عميد الأدب العربي طه حسين.
حسن مصطفى.. الطفل الذي أدهش طه حسين
نشأ حسن مصطفى في بيئة بسيطة، التحق بمدرسة "جاويش" الابتدائية، وكان شغوفاً باللغة العربية إلى حد الهوس، كان والده قد اشترى راديوًا، فوجد الصغير في أحاديث الدكتور طه حسين الأسبوعية عالماً ساحراً من البلاغة والبيان، وكان يستمع أيضاً إلى فكري أباظة، متأثراً بأسلوبه الأدبي، حتى أصبحت اللغة العربية جزءاً من هويته. يقول عن نفسه: "كنت أشربها كالماء وأتنفسها كالهواء".
لم يمر هذا الشغف مرور الكرام، فأساتذته لاحظوا تميزه في الإلقاء والنطق السليم، فكانوا يختارونه دائماً لإلقاء الخطب المدرسية. وفي يومٍ لا يُنسى، زار طه حسين – الذي كان وزيراً للمعارف آنذاك – مدرسة "جاويش"، وكُلف حسن مصطفى، التلميذ الصغير، بإلقاء كلمة الترحيب أمامه.
وقف مصطفى بثقة، وألقى كلمته بنبرة مميزة، مزجت بين الترنيم والإتقان النحوي، حتى بدا وكأنه يقرأ من كتابٍ مفتوح. انبهر طه حسين بالأداء، وسأله عن اسمه، فأجابه الصبي: "حسن مصطفى إسماعيل عبد الباسط شريف". ابتسم عميد الأدب العربي وسأله: "كيف نطقت اللغة العربية بكل هذه البراعة؟ أنت مميز". ثم أهداه نسخة من كتابه الشهير *"الأيام"* وكتب عليها إهداءً: "إلى الطالب النجيب".، وكان لهذا اللقاء أثر عميق في نفس حسن مصطفى، حيث تحول من تلميذ عادي إلى شاب واثقٍ بموهبته.
نقطة التحول الكبرى في مسيرته الفنية
بعد تخرجه، عمل موظفاً حكومياً براتبٍ زهيد، لكن شغفه بالفن دفعه للالتحاق بـ "المعهد العالي للفنون المسرحية"، ليتخرج عام 1957، لكن نقطة التحول الكبرى في مسيرته الفنية جاءت عندما تعرف على المخرجين: نور الدمرداش والسيد بدير، اللذان فتحا له أبواب المسرح، كما انضم إلى فرقة إسماعيل يس، ثم أسس مع فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي فرقة "الفنانين المتحدين"، التي قدمت أعمالاً خالدة مثل "أنا وهو وهي" و"هالو شلبي".
الصدفة التي صنعت "الناظر" الأشهر
رغم نجاحه المبكر، فإن الدور الذي جعله أسطورة كان بفضل صدفة غريبة، من خلال مسرحية "مدرسة المشاغبين"، كان من المفترض أن يؤدي دور الناظر عبد المنعم مدبولي، لكن الأخير انسحب لظروفٍ خاصة، فوقع الاختيار على حسن مصطفى. كان عليه أن يبتكر أسلوباً جديداً يناسب شخصيته، فخلق شخصية "الناظر" التي لا تزال مضرباً للمثل حتى اليوم.
زواجه من ميمي جمال.. قصة حب هزت الوسط الفني
على المستوى الشخصي، عاش حسن مصطفى قصة حب جميلة مع الفنانة *ميمي جمال*، التي قابلها في مسرح التلفزيون. رغم فشل زواجه الأول، وجد في ميمي شريكته الروحية، حيث تزوجا في 26 يونيو 1966، وهو نفس تاريخ ميلاده.
أنجبا توأمين هما "نجلاء" و"نورا"، وظلا معاً حتى آخر أيامه، رغم عاصفة طلاق عابرة بسبب غيرته الشديدة على ميمي، التي التزمت بطلبه بارتداء ملابس أكثر تحفظاً بعد ذلك.
رحل حسن مصطفى تاركاً خلفته مئات الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية من "مدرسة المشاغبين" إلى "العيال كبرت"، وصولاً إلى مسلسلات مثل "رأفت الهجان" و"يوميات ونيس". لكن تظل لحظة لقائه بطه حسين* هي الشرارة التي أشعلت موهبته.
0 تعليق