قفة المغاربة تئن تحت وطأة التضخم المزمن .. مشكلات هيكلية وعوامل خارجية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

مرت ثلاث سنوات والمغاربة تحت ظل التضخم الذي تفاقم بسبب انتعاش ما بعد كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، ما كانت له تأثيرات كبيرة على البلدان النامية، بما في ذلك المغرب، حيث يعد غلاء المعيشة موضوع إجماع. هذه الزيادة في الأسعار، التي تصل أحيانا إلى مستويات مفرطة، للمنتجات الأساسية تثير الدهشة وأحيانا استياء الناس الذين يتساءلون غالبا عن الأسباب الكامنة وراءها ويتساءلون عن كيفية عمل الأسواق.

وإذا كانت القدرة الشرائية همًّا مشتركا بين جميع المغاربة، فإن مجلس المنافسة خصص جزءا مهما في تقريره السنوي الذي يغطي 2023 لمشكلة التضخم، التي تواجهها الحكومة الحالية منذ تشكيلها، والتي أثرت بشكل واضح على جيوب المواطنين، خصوصا من الطبقة الوسطى، حيث ورد في التقرير المذكور: “حاليا، الوضع أقل حدة من السنة السابقة، حيث وصلنا إلى ذروته في فبراير بنسبة 10 في المائة بمتوسط سنوي بلغ 5.5 في المائة. وبفضل التباطؤ الذي شهدناه منذ ذلك الحين، يبدو أن المغرب في مأمن من خطر التضخم المتسارع”.

وترجع السيطرة على التضخم إلى عوامل عديدة؛ منها انخفاض مستوى الاستهلاك الداخلي الذي يعتبر، من وجهة نظر سلطة المنافسة، منخفضا جدا، لدرجة لا تؤدي إلى زيادة الطلب؛ فيما ساهمت البطالة والتراجع المستمر للقدرة الشرائية في ركود الاستهلاك، بينما ظلت حلقة الأجور والأسعار غير نشطة، حيث من غير المحتمل أن تتشكل حلقة تضخمية.

وشدد التقرير الجديد على ارتباط التضخم بمشكلات هيكلية تتعلق بطريقة عمل الأسواق وسلاسل التوريد، وتتجاوز العوامل الخارجية، المتعلق بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية في الأسواق العالمية.

غلاء المواد الغذائية

أكد مجلس المنافسة أن التضخم بالمغرب لا يزال مدفوعا أساسا بالمنتجات الغذائية التي تشهد أسعارها تقلبات، موضحا أن “زيادة التضخم الكلي كانت نتيجة لارتفاع متوسط مؤشر أسعار المواد الغذائية بنسبة 12.7 في المائة، ومؤشر أسعار المنتجات غير الغذائية بنسبة 1.7 في المائة، وفقاً لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط”، منبها إلى أن أسعار المواد الغذائية بقيت في مستوى أعلى من متوسط التضخم في ذروته؛ بينما أقر المجلس في تقريره بحقيقة مهمة، تمثلت في أن التضخم أثر بشكل مباشر على قفة الأسر، أي على المنتجات الأكثر استهلاكا يوميا، خصوصا الخضر (الطماطم والبصل)، وكذا اللحوم الحمراء، والبيض.

وأوضح محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، أن “الاقتصاد الوطني تأثر بعوامل خارجية وداخلية عديدة؛ بما في ذلك التقلبات في الأسواق العالمية وصدمات الإمدادات الغذائية”، مؤكدا أن التضخم الحاد الذي شهده المغرب خلال الثلاث سنوات الماضية يعكس إلى حد كبير الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية والنقص في المنتجات الغذائية بسبب الظروف المناخية والجفاف المتكرر في البلاد، مشددا على أن الاعتماد الكبير على استيراد المواد الغذائية جعل المملكة عرضة للتقلبات الخارجية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وأفاد يازيدي شافعي، في تصريح لهسبريس، بأن التضخم الذي يتركز في أسعار المواد الغذائية يعني أن تكلفة المعيشة ترتفع بشكل حاد بالنسبة إلى الأسر؛ لأن الغذاء يشكل جزءا كبيرا من سلة استهلاكهم اليومية، خصوصا أن نسبة كبيرة من السكان تنفق جزءا مهما من دخلها على المواد الغذائية، حيث يؤدي ارتفاع أسعار الغذاء إلى تآكل القدرة الشرائية بشكل مباشر.

ولفت إلى أن تقرير مجلس المنافسة الأخير وثق ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ12.7 في المائة للمنتجات الغذائية ككل، وزيادات فاقت 28 في المائة بالنسبة إلى بعض أنواع الخضر، مثل الطماطم والبصل، معتبرا أن هذه النسب تظل عالية مقارنة بمستوى زيادة دخل الأسر؛ ما يعمق الشعور بالضغط المالي، ويجعل توفير الاحتياجات الأساسية أكثر صعوبة.

خطر “تضخم الجشع”

لا يمكن الاستهانة بتأثير الصدمات المناخية، وفق تقرير مجلس المنافسة، الذي اعترف بتأثير سنوات الجفاف المتعاقبة على ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وأقر أيضا بمسؤولية الشركات التي تمتلك قوة سوقية ورغبتها في زيادة أسعارها للاستفادة من التضخم، من خلال رفع هامش الربح بشكل غير مبرر.

وحذر من خطر “تضخم الجشع” cupidflation؛ وهو ظاهرة نظر لها الاقتصاديون إيزابيلا ويبر وإيفان وازنر في 2023، والتي تشير إلى دور الأرباح في تجاوز التضخم، معتبرين أن هذا النوع من التضخم يرتبط باستغلال الشركات ارتفاع الأسعار لزيادة هامش أرباحها بشكل مفرط.

رشيد قصور، خبير اقتصادي متحصص في المالية العمومية، قال إنه رغم عمليات المراقبة ومكافحة مظاهر المضاربة وتعدد الوسطاء التي أطلقتها لحكومة خلال الفترة الماضية، فإن خطر “تضخم الجشع” ما زال حاضرا، بارتباط مع استمرار اضطراب الإمدادات في الأسواق، خصوصا بالمواد الغذائية.

وأكد الخبير الاقتصادي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن بنية الإمداد تعتمد بشكل كبير على الاستيراد؛ ما أثر سلبا على توازن الأسعار، مشيرا في المقابل إلى أن “الانخفاض في استهلاك الأسر، بسبب ضعف القوة الشرائية والبطالة المتزايدة، كان من العوامل الرئيسية التي ساعدت على التحكم في التضخم؛ فيما ظلت العلاقة التقليدية بين الأجور والأسعار غير نشطة، ما منع حدوث دوامة تضخمية قوية”، معتبرا أن الاستقرار في أسعار الوقود قد خفف من تأثير التضخم المرتبط بارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وفي السياق ذاته، أضاف قصور أن القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة ظلت هي المتضرر الأول من “تضخم الجشع”، حيث أدى هذا التضخم إلى ارتفاعات مستمرة في الأسعار دون تحسين حقيقي في الدخول؛ ما أدى إلى تآكل دخل الأسر وزيادة حدة الفقر.

وأوضح المتحدث ذاته أنه مع استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل الأغذية، أصبح من الصعب على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط تلبية احتياجاتها الأساسية، مشددا على أن التضخم المذكور أدى إلى تعميق الفوارق الاجتماعية بين الطبقات، حيث عانى ذوو الدخل المحدود أكثر من تأثيرات التضخم مقارنة بالأغنياء؛ ما فاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وعزز التوترات الاقتصادية والاجتماعية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق