أمطار الجنوب تؤثر إيجابيا على مخزونات الماء والمنظومات الزراعية والواحات

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

بعد موسم فلاحي “صعب” وسنوات جفاف وإجهاد مائي قاسٍ استمر قرابة “سبع سنوات عجاف”، انتعشت معظم الأراضي المغربية، خصوصا بجهات الجنوب الشرقي للمملكة، بأولى أمطار الخير، على الرغم من حمولتها الطوفانية الجارفة إثر هطول أمطار رعدية جد قوية، خصوصا تلك التي تتوفر على مساحات زراعية بورية ومنشآت مائية كانت في طريقها إلى النضوب.

وبفضل التساقطات الأخيرة التي سجلت ملمترات قياسية في أقاليم بعينها، سارت الحقينة الإجمالية للسدود بالمغرب في “منحى تصاعدي” لم تشهده منذ أشهر، ما رَفعها لتتجاوز -ولو بشكل طفيف- النسبة المسجلة قبل عام؛ وهو ما شدد عليه خبراء مختصون في الشؤون المائية والفلاحية تحدثت إليهم هسبريس عن الموضوع، مبرزين آثارا إيجابية عديدة على المنظومة المائية والزراعية يجب ألا تحجُبها الأضرار والخسائر المسجلة في الأرواح والممتلكات.

انتعاش المخزون المائي الجوفي

مراد أقنوي، أستاذ جامعي متخصص في “الهيدروجيولوجيا والاستشعار عن بعد” بكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية، أكد أن “الجانب الإيجابي للتساقطات المطرية التي شهدتها الأحواض المائية بالجنوب الشرقي لبلادنا لا يقتصر فقط على تزويد السدود بكميات كبيرة من الواردات المائية؛ بل يشمل أيضا دورا أساسيا في انتعاش المخزون المائي الجوفي، الذي شهد انخفاضا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة”.

وفي إفادات تحليلية لهسبريس، أبرز أقنوي أنها “تساقطات مهمة كميا ستساعد على تحسين مستوى المياه الجوفية؛ وهو ما يُعد حيويا لضمان استدامة الموارد المائية في المنطقة”، مسجلا بالإضافة أن “حمولات الأودية والشعاب المائية ستلعب دورا مهما في نقل الرواسب الغنية إلى السهول، مما يساهم في تعزيز جودة التربة وضمان مردود فلاحي جيد”.

وزاد المتخصص في “الهيدروجيولوجيا والاستشعار عن بعد” شارحا: “كما أن نفاذ كميات كبيرة من مياه الأمطار إلى الطبقات التحت أرضية، خاصة في جنبات الأودية وفي السهول، سيساهم في تحسين تغذية الخزانات الجوفية وزيادة قدرتها على تلبية احتياجات الزراعة والري في الفترات الجافة”.

عن التفسيرات الممكنة لهذه التساقطات من زاوية جيو-مناخية، أبرز الأستاذ الباحث أن “التكوينات الجيولوجية في معظم أحواض الجنوب الشرقي (مثل أحواض زيز، غريس، غير، ودرعة الأعلى والمتوسط) تتميز بتخللها صدوع ذات أحجام مختلفة. وتلعب هذه الصدوع دورا مهما في تسريب مياه الشعاب الناتجة عن الأمطار إلى الطبقات التحت أرضية ذات النفاذ”.

ولفت إلى أنه “من خلال هذه الصدوع، تتسرب المياه بشكل طبيعي إلى داخل الأرض، مما يساهم في تغذية الفرشة المائية الجوفية بشكل مستمر”، خالصا إلى أن “هذا التدفق المستمر للمياه إلى الطبقات الجوفية يعزز من المخزون المائي في المنطقة، ويساعد في تأمين مصدر مستدام للمياه خلال الفترات الجافة؛ مما يعد ضروريا لدعم الأنشطة الزراعية وإنعاش مختلف الأنشطة الحياتية في هذه الأحواض”.

وختم أستاذ الهيدروجيولوجيا مؤكدا: “المناخ شبه الجاف في جبال الأطلس الكبير، التي تقع ضمن حدود جهة درعة تافيلالت، والمناخ الجاف والصحراوي في السهول والحمادات المعروفة بقساوته، ينتعش بفضل الأمطار الرعدية التي تُعد المصدر الأساسي للمياه. ومع ذلك، فإن هذه الأمطار تتسم بعدم انتظام توزيعها وتساقطها بسرعة كبيرة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تدفقات مائية قوية ومفاجئة في الأودية والشعاب. ورغم هذا التفاوت في توزيع الأمطار، فإنها تظل حيوية لتنشيط الدورة المائية وتغذية الفرشة المائية الجوفية؛ مما يساعد في الحفاظ على التوازن البيئي والمائي في هذه المناطق”.

أنشطة فلاحية وحقينة مائية

محمد بن عبو، خبير في الماء والمناخ، أكد أن “تساقطات الجنوب الشرقي نتجت عنها حصيلة جد مهمة بلغت حوالي 250 ملمترا في غضون يومين تقريبا بمناطق عديدة، وفق المعطيات الرسمية”، مسجلا إيجابيتها في “تعبئة الأحواض المائية زيز غريس وسوس ماسة، فضلا عن درعة واد نون؛ وهي الأحواض الثلاثة التي استفادت بشكل مباشر”.

وتابع بن عبو: “انتعاش الحصيلة العامة للأحواض الثلاثة دفع المعدل للوطني في مسار التصاعد”، مشددا على أنها “أمطار فأل خير على الفلاحين ومؤشر إيجابي على انطلاق موسم فلاحي جيد بوقع مائي مهم، خاصة أن المناطق المعنية كانت منذ سنوات في حاجة ماسة للمياه”، خاصا بالذكر استفادة المحيط الإيكولوجي للواحات التي كان المغرب قد فقَدَ حوالي ثلثها بسبب حرائق وتوالي الجفاف وتضررت ظروف عيش الساكنة فيها”.

وستطال الاستفادة، حسب الخبير المائي المغربي، إيجابا “السنوات المقبلة عبر تغذية أغلب أنواع الفرشات المائية”؛ غير أنه بالمقابل نبه إلى ضرورة استمرار قرارات حالة الطوارئ المائية التي تنظم زراعة البطيخ وحفر الآبار بالأقاليم المعنية، بعدما تبين أن النماذج الفلاحية المتبعة قد استُنزفت”.

وختم بن عبو بأن “توالي الحمولات المائية القوية في ظرف ثلاثة أسابيع إيجابي بالنسبة للمنظومات البيئية بشتى مكوناتها باعتبار الماء أساس الحياة لمختلف المكونات، من تربة وهواء ومناخ وزراعات”.

“أنقذتنا من المرحلة الأخطر”

من جهته أكد رياض أوحتيتا، خبير مختص الشؤون الفلاحية، أن “6 سنوات صعبة مناخيا توالت على المغرب، خصوصا مناطق الجنوب الشرقي الجافة، قد أدت إلى جفاف مائي تكرست دوريته بصفة هيكلية”، قبل المرور إلى المرحلة الثانية أي الجفاف الهيدرولوجي بما يتضمن ضعف الفرشة المائية والسدود”.

وشرح أوحتيتا مصرحا لهسبريس أن “التساقطات في الشرق والجنوب الشرقي جنبت المملكة المغربية ما يُعرف بـ”جفاف التربة”؛ وهي المرحلة الثالثة، وهي الأخطر في دورات الجفاف”، معتبرا أن الأمطار الطوفانية ستنعش التربة التي كانت بدأت تفقد خصائصها، وتعد الأساس في الأمن الغذائي”.

وأبرز المتحدث إيجابية “إنعاش الغطاء النباتي وتوسيع مساحات الرعي”، مسجلا في المجمل “تأثيرا إيجابيا واضحا على الثروة الحيوانية”، قبل أن يذكر بـ”متغير آخر في السياق ستحد منه التساقطات، وهو زحف الرعاة الرحل إلى الشمال، إثر سنوات جافة متلاحقة”.

واعتبر أوحتيتا أن “الأمطار المسجلة في شتنبر ونهاية غشت ستُعجل بداية الموسم الفلاحي عبر قرار المرور إلى الحرث، في مناطق مساحات شاسعة ذات تربة بورية؛ ما يعد بشارة للمزارعين قصد بداية عملية الزرع”، مؤكدا بالمقابل “تأثيرا سلبيا لأمطار رعدية على أشجار مثمرة، خاصة التفاح والتمور”.

عن النظام الهيدرولوجي، علق أوحتيتا بأن التساقطات ستوفر “احتياطيات مائية سواء للماء الشروب أو مياه السقي والمطفيات والسواقي والوديان والشعاب”، مبرزا أن “نسبة 32 في المائة ملء حوض زيز غريس تعني عدم استفادة جميع السدود في المنطقة من المياه الفيضانية الغامرة”؛ ما يستدعي، حسبه، “تعميم تجربة ربط الأحواض المائية، مع وجوب الحفاظ على إجراءات مكافحة الإجهاد المائي المقررة سابقا بزراعات البطيخ الأحمر بالمنطقة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق