تفاصيل تحول نزاع حول عقار بـ 9 مليارات إلى "أزمة سياسية" داخل "البام"

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

تحول صراع تجاري بين اسمين بارزين بالدار البيضاء (صلاح الدين أبو الغالي وعبد الرحيم بن الضو) ينتميان إلى حزب الأصالة والمعاصرة، إلى أزمة داخل هذا التنظيم السياسي دفعته إلى تجميد عضوية أبو الغالي من القيادة الجماعية الثلاثية.

تدفع قيادات التنظيم السياسي بكون هذا الإجراء جاء بناء على “أفعال جنائية” من قبيل شبهات تتعلق بـ”النصب والاحتيال وخيانة الأمانة”، وهي خطوة استباقية لأي إجراء من شأنه أن يسيء إلى صورة الحزب، نافية أي صلة للأمر بـ”تصفية حسابات”.

وفق محمد المهدي بنسعيد، عضو القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة الناطق الرسمي باسمها، في كلمة له أمام وسائل الإعلام، الأربعاء الماضي، فإن “الحزب توصل بثلاث شكايات من مناضلين وشكاية أخرى من مقاولة إعلامية بشأن محاولة رشوة ضد القيادي في الحزب الذي جرى تجميد عضويته”.

الذين يعرفون أبو الغالي وابن الضو يؤكدون أنهما وجهان لعملة واحدة؛ علاقات قوية تجمع ابن الرحامنة عبد الرحيم بن الضو، أشهر رجال الأعمال في الدار البيضاء، وصلاح الدين أبو الغالي، المنعش العقاري رئيس جماعة مديونة. فماذا جرى لتتحول “المحبة إلى عداوة؟”.

رواية بنضو

بينما ينفي صلاح الدين أبو الغالي وجود شكاية ضده، برزت شكاية عبد الرحيم بن الضو، المنسق الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة الدار البيضاء سطات، لتكشف أطوار قضية هزت “الجرار”.

الشكاية التي وضعها المحامي الطيب عمر، نيابة عن موكله البرلماني القيادي “البامي” عبد الرحيم بن الضو، لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، التمس من خلالها متابعته بـ”النصب والتصرف في مال إضرارا بمن سبق له التعاقد معه بشأنه والمشاركة”.

انطلقت فصول هذه القضية التي هي حديث قادة الحزب، وفق مضمون الشكاية التي اطلعت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية، منذ سنة 2022، حين “اقترح صلاح الدين أبو الغالي على عبد الرحيم بن الضوء الذي تشتغل بعض شركاته في الإنعاش العقاري، أن يفوت له عقارا بجماعة مديونة، يملكه مع أقاربه، ومقيد بالمحافظة العقارية باسم شركة يسيرها أخوه عبد الصمد أبو الغالي”، إذ وافق ابن الضو، بحسب مضمون الشكاية، ورافق أبو الغالي صلاح الدين وأخاه عند الموثق لإبرام عقد وعد بالبيع على أساس أن العقار تثقله رهون وتقييدات لفائدة الغير.

إلى هنا تكون الأمور عادية، لكن ما سيقلب هذه العلاقة التي جمعت الطرفين، وفق الشكاية نفسها، هو أن ابن الضو “فوجيء خلال شهر ماي 2024 بأن العقار قد تم بيعه لشركة [أبرار التعمير]، والحال أن صلاح الدين أبو الغالي وأخاه كانا قد توصلا من الموعود لها بالبيع بمبالغ مالية خارج نظر الموثق، كجزء من الثمن بذريعة تطهير العقار مما يثقله، وكان السيد صلاح الدين يلتقي بالطرف المشتكي بشكل يومي تقريبا دون أن يخبره بأنه بصدد بيع العقار للغير”.

وحسب المصدر نفسه، فإن شركة ابن الضو “وبموجب عقد محرر من طرف الموثق صلاح الدين شنكيطي، بتاريخ 2022/10/12 كان عبد الصمد أبو الغالي بوصفه المسير الوحيد لشركة اند سميد INDUSMED A والشركة ميدينوس MEDINUS قد التزم بصفة نهائية لا رجعة فيها بأن يفوت لها قطعة أرضية مساحتها 65.713 مترا مربعا، تستخرج من الملك المسمى [تيران المنصور] موضوع الرسم العقاري عدد 4318 س، الكائن بالمنطقة الصناعية بمديونة، والبالغة مساحته الإجمالية 9 هكتارات و70 آرا و53 سنتيارا، حيث يتبين من العقد المذكور أن الثمن المتفق عليه هو 750 درهما للمتر المربع، أي ما مجموعه 49.284.750 درهما، يؤدى عند توقيع عقد البيع النهائي، كما يتجلى من العقد أن الطرفين قد حددا أجل شهرين لإبرام العقد النهائي، مع التزام الطرف الواعد بالبيع بأن يقوم بالإجراءات اللازمة لاستخراج ما مساحته 65.713 مترا مربعا، من مجموع مساحة العقار التي هي 90.70.53 مترا مربعا، وذلك داخل أجل الشهرين المشار إليه”.

ويضيف ابن الضو المشتكي أن “الواعد بالبيع قد التزم حسب الفقرة رقم 5.1 من الفصل 5 بالامتناع عن التصرف في العقار أو رهنه أو كرائه، أو التصرف فيه بأية وسيلة من الوسائل، طوال مدة سريان الوعد بالبيع، ما لم يتم فسخه قبل الأوان، وفي مقابل ذلك، فقد التزمت المشتكية (شركة ابن الضو) بأن لا تقوم بإجراء أي تقييد احتياطي على العقار، وأن لا تحول للغير حقها فيما تم التعاقد بشأنه، كما اتفق الطرفان على أن عقد الوعد بالبيع يفسخ بقوة القانون متى تم فسخه من طرف أي واحد من الطرفين، مع إشعار الطرف الآخر”.

وفق مضمون الشكاية التي ينتظر أن يتم الشروع في التحقيق فيها من طرف الضابطة القضائية، فقد تسلم شقيق أبو الغالي بتاريخ 2022/10/20 شهادة صادرة عن الموثق الذي ليس سوى صلاح الشنقيطي، وهو برلماني باسم الحزب كذلك، تتضمن تصريحه بأنه “بمجرد التوصل من الشركة الموعود لها بالبيع بالمبالغ اللازمة لرفع اليد عما يثقل العقار من تحملات، فإنه يلتزم بالقيام بالإجراءات اللازمة لأداء باقي دين البنك 30.000.000 درهم، ومبلغ 10.000.000 درهم لشركة تابريك”.

شيكات بمبلغ 9 مليارات سنتيم

يقول ابن الضو إن أبو الغالي وشقيقه عبد الصمد، ومن أجل تنفيذ مضامين العقد وللوفاء بالتزاماته من أجل استخراج ما مساحته 65.713 مترا مربعا من مجموع مساحة العقار التي هي 90.70.53 مترا مربعا، قد توصلا في هذا الإطار، خارج نظر الموثق، بمبالغ عبر شيكات.

وتوزعت هذه المبالغ بين 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/10/14 مسلم لعبد الصمد أبو الغالي، وكذا مبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/10/18 مسلم لشركة فونسيير ديبيير Foncière des Pierres، التي يملكها الطرف الواعد بالبيع، وكذا مبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/10/22، وبعدها مبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/10/26 مسلم للشركة نفسها، ثم مبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/12/15 لفائدة صلاح الدين أبو الغالي، وبعده مبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/12/19، سحب قيمته صلاح الدين أبو الغالي، ومبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/12/29 للشخص نفسه، ثم مبلغ 1.000.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2022/12/22 لفائدة عبد الصمد، ومبلغ 500.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2023/07/06 لفائدة شركة سايلور كورب Saylor Corp، التي يملكها الطرف الواعد بالبيع، إضافة إلى مبلغ 500.000 درهم بواسطة شيك مؤرخ في 2023/07/17 لهذه الشركة الأخيرة.

وبلغ مجموع المبالغ التي تم التوصل بها، وفق الشكاية، 9.000.000 درهم، وذلك بغاية تطهير العقار لإبرام هذا العقد، تضيف الشكاية.

مستجدات في البيع

في منتصف يناير من السنة الجارية، تورد الشكاية، طلب صلاح الدين أبو الغالي من ابن الضو أن يلتقيا عند الموثق، “وخلال هذا اللقاء وبمحضر أخيه، فقد أخبره بأنه يقوم بمفاوضات مع بنك افريقيا لتخفيض مبلغ الدين على أساس الإلتزام بأداء مبلغ 40.000.000 درهم”.

وأضاف المصدر نفسه: “وفعلا، فإنه بموجب بروتوكول اتفاق مبرم بين البنك المذكور وشركة INDUSMED وشركة كاري رون وصلاح الدين أبو الغالي وعبد الصمد أبو الغالي والسيدة نزهة العدلوني بوصفهم كفلاء، بأن الشركات المدينة وكفلاءها قد التزموا بإرجاع الدين على أساس حصر دين شركة INDUSMED في مبلغ 60.000.000 درهم، يؤدى منه مبلغ 40.000.000 درهم، بواسطة التزام صادر عن الموثق الأستاذ صلاح الدين شنكيطي، وذلك مقابل تسليم رفع اليد عن الرهن المثقل به العقار موضوع الرسم عدد 4318 س ضمانا لأداء مبلغ 75.268.000 درهما”.

وحسب الشكاية، أودع عبد الرحيم بن الضوء بين يدي الموثق شيكا مسحوبا على بنك افريقيا بمبلغ 40.000.000 درهم، بعد أن اقترض هذا المبلغ من بنك، وهو المبلغ الذي تم تحويله لحساب الموثق بصندوق الإيداع والتدبير.

بالنسبة إلى ابن الضو، فإنه “خلافا لكل تلك الالتزامات، وبطريقة لا تخلو من خيانة، واحتيال، فإنه بمقتضى عقد محرر بتاريخ /2024/4 من طرف الموثق الأستاذ محمد مليكي، فإن شركتي اند سميد INDUSMED ومدينوس MEDINUS ممثلتين من طرف عبد الصمد أبو الغالي قد فوتتا لشركة أبرار التعمير ( ABRAR ATAAMIR) في شخص ممثلها القانوني فيصل كرماشي مجموع الملك المسمى تيران المنصور موضوع الرسم العقاري عدد 4318 س الكائن بالمنطقة الصناعية بمديونة، والبالغة مساحته الإجمالية 9 هكتارات و22 آرا و54 سنتيارا، بثمن إجمالي قدره 65.000.000 درهم”.

رواية أبو الغالي

حاولنا مرارا وتكرارا التواصل مع صلاح الدين أبو الغالي لمعرفة جوابه عن هذه الاتهامات التي أطلقها عبد الرحيم بن الضو، ومعه رفاقه داخل “الجرار” بحديثهم عن شكايات تتعلق بالنصب، لكن دون جدوى.

أبو الغالي، قدم روايته عبر صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”، في شكل بيان مفصل بعد انتشار خبر تجميد عضويته من الحزب عقب اجتماع المكتب السياسي ليلة الثلاثاء الماضي.

وقال أبو الغالي في البيان الثاني الذي جاء تعقيبا على الندوة الصحافية التي عقدها الحزب: “تمتلك عائلة أبو الغالي 9 هكتارات من الأراضي في مديونة منذ حوالي 40 سنة، والمسؤول عنها والمكلّف بها قانونيا هو شقيقي عبد الصمد، الموقع على الوعد بالبيع، والمعتمد لتدبير عقارات العائلة، وهذه الهكتارات التسعة موضوعة تحت الرهن لفائدة أحد البنوك المغربية”.

وفي سنة 2022، يضيف، “اتفق شقيقي عبد الصمد مع مسؤول جهوي (يقصد عبد الرحيم ابن الضو المنسق الجهوي للحزب)، على أن يبيعه ستة (6) من تلك الهكتارات، على أساس أن يقدّم مبلغ البيع إلى موثّق، وهو أحد أعضاء البام بدوره (صلاح الشنكيطي)، ليستكمل مسطرة أداء دين البنك لرفع الرهن البنكي، وباقي الحجوزات، وتمكين المشتري من تملّك العقار المُباع”.

وعلى هذا الأساس، يتابع المتحدث، “أنجز وعدٌ بالبيع مدّة صلاحيته 6 شهور مغلقة… والحال أن الأمر طال حوالي سنتين دون تمديد للوعد بالبيع أو إتمامه، وجراء ذالك تكبّد شقيقي عبد الصمد خسارة مالية جسيمة ارتفعت فيها فوائد دين البنك لأكثر من مليار سنتيم! ولكي يخرج شقيقي من هذه الوضعية المأزومة، اتخذ قرار اللجوء إلى مشترٍ آخر بعد انتهاء صلاحية الوعد بالبيع المذكور لأكثر من سنة ونصف، ليتمكن من أداء دين البنك ووقف نزيف الفوائد، ورفع اليد عن الحجوزات الأخرى، خصوصاً أن البنك كان قد هدد باللجوء لبيع العقار المرهون بالمزاد العلني”.

وأكد صلاح الدين أبو الغالي أن “الخلاف التجاري بين متعاملين اثنين هما: عبد الصمد أبو الغالي والمسؤول الجهوي، وأن صلاح الدين أبو الغالي، عضو القيادة الجماعية للبام، لا علاقة قانونية له بالملف، ليس هو من باع ولا من اشترى، بل شقيقه عبد الصمد المعني المباشر بالملف! فما رأي أصحاب الإجماع على هذا الظلال المُبين؟”.

طوق بلجنة الأخلاقيات

يضرب قادة حزب الأصالة والمعاصرة طوقا على هذه القضية، إذ بلع كثيرون ألسنتهم وتحاشوا الحديث عنها. حتى العارفون بالخبايا إلتزموا الصمت. مصدر من داخل المكتب السياسي تحدث لهسبريس، أشار إلى أن هناك توجيهات صارمة بعدم تسريب أي معلومة حول الموضوع من داخل الحزب.

وقال المصدر نفسه: “هناك تعليمات إلى لجنة الأخلاقيات بعدم تسريب أي شكاية من الشكاوى المتوصل بها في حق عضو القيادة الجماعية الذي جرى تجميد عضويته، وسيتم تحميل كل من قام بذلك المسؤولية”.

وحسب المعطيات المتوفرة لدى هسبريس، فإن اجتماعات تقوم بها لجنة الأخلاقيات من أجل النظر في هذه القضية التي هزت الحزب الثاني في البلاد، ويرتقب أن تبت فيها في الأسبوع المقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق