اقرأ في هذا المقال
- مشاركة المغرب في هذه النسخة من كوب 29 تأتي امتدادًا لرؤية ملكية استشرافية طموحة
- أكدت المملكة في كوب 28 ضرورة زيادة التمويل المناخي، وتيسير الوصول إلى هذه الموارد عبر المؤسسات متعددة الأطراف والبنوك التنموية
- يسعى المغرب إلى توسيع شراكاته الدولية لتعزيز الاستثمارات البيئية وتوجيهها نحو مشروعات بنّاءة
- نأمل أن يسهم مؤتمر COP29 في تسريع تعبئة الموارد لضمان تقديم الدعم الفوري
- يسعى المغرب إلى جذب تمويلات مرنة وقابلة للتوقع، وتوجيهها نحو مشروعات إستراتيجية تتركز على كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة
تتقدم المملكة المغربية بخطوات واثقة نحو تعزيز ريادتها في مواجهة التحديات المناخية وتحقيق التحول الطاقي المستدام، مسترشدةً برؤية ملكية طموحة تهدف إلى تكريس التنمية المستدامة.
وفي إطار هذا الالتزام العميق، حرصت المملكة خلال مؤتمر الأطراف COP28 في دبي (عام 2023) على تأكيد أن التقييم العالمي الشامل يشكّل فرصةً فريدة لتأسيس رؤية مشتركة تحفّز جميع الأطراف المعنية على اتخاذ إجراءات حاسمة، بما يتيح مواجهة التحديات المناخية العالمية بكفاءة وفعالية لبلورة خطة عمل واقعية تتيح تضافر جهود القطاعين العام والخاص لتحقيق التحول المناخي المطلوب.
وقد شدد المغرب في دبي على ضرورة الانتقال العادل والمنطقي والعملي، داعيًا إلى خطوات تدريجية تبني الثقة وتعززها من خلال سياسات طموحة ومستدامة تركّز على التخفيف من الانبعاثات والتكيف مع آثار التغير المناخي، بالإضافة إلى استثمارات نوعية وأهداف مناخية واضحة في القطاعات الرئيسة، مع إعطاء أولوية خاصة لدعم الدول الأكثر هشاشة، وخاصة في أفريقيا.
كما أكد المغرب خلال هذه الدورة ضرورة زيادة التمويل المناخي، وتيسير الوصول إلى هذه الموارد عبر المؤسسات متعددة الأطراف والبنوك التنموية، لدعم الدول الأكثر تأثرًا في تحقيق أهدافها المناخية وتعزيز قدرتها على التكيف.
التوجه نحو الالتزام بالعمل المناخي كان في صلب اهتمامات المملكة خلال رئاستها للدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة UNEA-6 لسنتين، التي تكللت بانعقاد اجتماع الدورة في فبراير/شباط 2024 بنيروبي، تحت عنوان "إجراءات فعالة وشاملة ومستدامة لمكافحة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث".
فقد ركّزنا على تعزيز التعاون الدولي وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات البيئية العالمية، بما فيها الحروب، وطالبنا بالوقف الفوري لإطلاق النار، وأكدنا تشجيع السياسات التي تدعم العمل المناخي الشامل، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومكافحة التلوث، وقد أثمرت هذه الجهود مخرجاتٍ تدعم استجابة عالمية مستدامة.
قمة المناخ كوب 29
اليوم، يأتي مؤتمر الأطراف COP29 (قمة المناخ كوب 29) في باكو ليواصل هذه الجهود، عبر توفير منصة عالمية لتوحيد الرؤى وحشد الموارد اللازمة.
وتأتي مشاركة المملكة المغربية في هذه النسخة امتدادًا لرؤية ملكية استشرافية طموحة، تجمع بين الالتزام بتحقيق الأهداف الوطنية ودعوة المجتمع الدولي إلى تعزيز التزاماته ضمن اتفاق باريس.
تمثّل هذه المشاركة للمغرب فرصة جديدة لتسريع العمل المناخي العالمي، واتخاذ قرارات ملموسة تعزز التزام الدول بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة ودعم التكيف مع آثار التغير المناخي، بما يلبي احتياجات الدول النامية.
كما تمثّل هذه المشاركة فرصة سانحة لإبراز إنجازات المغرب في مجالات الطاقات المتجددة، والتدبير المندمج للماء، وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز صمود البنى التحتية، ضمن سياسة استباقية تأخذ البعد المناخي في التخطيط والبرمجة.
وفي هذا السياق، نرى في قمة المناخ كوب 29 (COP29) منبرًا دوليًا يتيح تعزيز الطموح العالمي بشأن الإسهامات المحددة وطنيًا (NDC)، سعيًا لتحقيق هدف الحدّ من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
جهود مغربية.. وشراكات دولية
يسعى المغرب إلى توسيع شراكاته الدولية لتعزيز الاستثمارات البيئية وتوجيهها نحو مشروعات بنّاءة تعزز البنية التحتية المستدامة، واضعًا التمويل المناخي في قلب إستراتيجيته لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ.
كما يسعى إلى تحقيق تكامل بين الأهداف التنموية والمناخية، مما سيتيح للاستثمارات أن تحقق أثرًا اقتصاديًا وبيئيًا متوازنًا، من خلال دمج التكيف مع التغير المناخي في النظام المالي الوطني، ما يضمن قدرة المشروعات والبنية التحتية على مقاومة المخاطر المناخية.
نحن نتطلع أيضًا إلى تحقيق خطوات ملموسة في قضايا تمويل المناخ، مع السعي للوصول إلى إطار مالي جديد وعادل لما بعد عام 2025، يلبي احتياجات الدول النامية ويؤمّن تمويلًا مستدامًا يصل إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول 2030، لدعم التكيف وبناء الصمود.
وفي هذا الصدد، يُعَدّ دعم صندوق الخسائر والأضرار أولوية قصوى، ويأمل المغرب أن يسهم مؤتمر COP29 في تسريع تعبئة الموارد لضمان تقديم الدعم الفوري.
إنجازات المغرب في الطاقة المتجددة
منذ قمة المناخ COP28، عملت المملكة المغربية على تسريع وتيرة جهودها لتحقيق إنجازات ملموسة في الطاقات المتجددة، وتشجيع الاستثمارات الخضراء، وتخفيض انبعاثات الكربون، وتكيف المناطق الهشة والمتضررة كالواحات والساحل والتصحر، بما يعزز رؤيتها نحو تحقيق تنمية مستدامة وتقوية مرونة الاقتصاد الوطني.
فعلى صعيد الطاقات المتجددة، حققت المملكة المغربية إنجازات بارزة في مجال الإصلاحات التشريعية والتنظيمية والمؤسسية التي تهدف إلى تشجيع تطوير الطاقات المتجددة وجذب الفاعلين الخواص، سواء من داخل المملكة أو من الخارج.
كما واصلت المملكة الجهود الرامية إلى تعزيز قدرتها الإنتاجية، إذ تمّ تشغيل نحو 750 ميغاواط من الطاقات المتجددة منذ مؤتمر الأطراف COP28، ضمن مشروعات أخرى مبرمجة تهدف إلى تسريع وتيرة التحول الطاقي وتثمين استغلال الطاقات المتجددة.
وتجاوزت نسبة الطاقات المتجددة 44% من القدرة الكهربائية المُنشأة، وهو ما سيساعدنا لتجاوز الهدف الذي تمّت برمجته في أفق 2030 والذي تحدَّد بـ 52%.
ولتوفير بيئة استثمارية محفّزة، تمّت بلورة مجموعة من مشروعات النصوص التنظيمية لقانون الطاقات المتجددة، وقانون الإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية، وذلك وفق مقاربة تشاركية شملت الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص.
كما اعتُمِدَت قرارات مهمة، مثل القرار المتعلق بالجهد المتوسط، والقرار المحدد لمناطق استقبال مشروعات الطاقة الشمسية، مما يسهم في تمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وخاصة في مجال الطاقة الشمسية، من التوسع في بيئة تنظيمية تدعم مختلف القطاعات الاقتصادية.
واعتُمدَت أيضًا تشريعات إضافية تواكب التطورات، منها مشروع العدادات الذكية وشهادة الأصل للطاقة الكهربائية من مصادر متجددة، ما يتيح فرصًا جديدة لتسويق المنتجات الخضراء، ويعزز تنافسيتها في الأسواق الوطنية والدولية.
إضافة إلى ذلك، نُشِرت القدرة الاستيعابية للمنظومة الكهربائية من الطاقة المتجددة، مع نشر التعرفة لاستعمال شبكة النقل الكهربائي وتعرفة خدمات المنظومة الكهربائية، مما يمنح المستثمرين رؤية واضحة وشفافية أكبر.
عرض المغرب للهيدروجين
في إطار رؤية المملكة لتعزيز ريادتها في مجال الهيدروجين الأخضر، وُضِع "عرض المغرب" لتطوير هذا المجال الواعد، وقد وُقِّعَ مؤخرًا أول عقود الشراكة لتفعيل هذا العرض.
ويهدف هذا البرنامج إلى إنشاء منظومة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، مع دعم مشروعات تحلية المياه وتطوير البنية التحتية اللازمة، بما فيها المواني ووسائل النقل والتخزين، مما يعزز موقع المغرب بصفته ممرًا للطاقة الخضراء، ويفتح آفاقًا واسعة للتعاون الدولي.
ويعدّ البرنامج الاستثماري لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط جزءًا من هذه الجهود، حيث يهدف إلى إزالة الكربون من الأنشطة الصناعية الفوسفاطية، ويعزز تحولًا صناعيًا مستدامًا، إضافة إلى دعم تحول صناعي مستدام ينسجم مع رؤية المملكة.
كما تواصل المملكة الاستثمار في البنية التحتية لشبكة النقل الكهربائي، مع فتح المجال لأول مرة للقطاع الخاص للإسهام في تطوير الشبكة كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، بما في ذلك 3 غيغاواط.
ومن المتوقع أن تتضاعف الاستثمارات في هذا القطاع 5 مرات، مما سيُسْهم في تحسين الربط الكهربائي وتسهيل نقل الطاقة المتجددة إلى مختلف مناطق المملكة، وتعزيز مرونة المنظومة الطاقية على المدى الطويل.
الغاز الطبيعي والإستراتيجية الانتقالية للطاقة
وفقًا للرؤية الملكية السامية، يعدّ الغاز الطبيعي جزءًا أساسيًا من الإستراتيجية الانتقالية للطاقة، إذ يوفر حلًا مرنًا يساعد في استقرار شبكة الطاقة ودعم توسّع الطاقات المتجددة والصناعة.
وإدماج الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة الوطني يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، مما يتيح للمغرب تحقيق توازن بيئي أفضل، واستغلالًا أمثل لإمكاناته الطاقية، ويدعم هذا التوجه الانتقال نحو منظومة طاقية متكاملة، أكثر استدامة وكفاءة.
إن المغرب اليوم جاهز لاستقبال الاستثمارات الخضراء والمبتكرة، حيث وضع الركائز الأساسية لإطار تنظيمي ورؤية واضحة تشجع المستثمرين على أداء دور محوري في الانتقال الطاقي.
ويوفر المغرب إطارًا سياسيًا مستقرًا وقابلًا للتنبؤ، مما يعزز ثقة القطاع الخاص، ويشجع على توجيه التدفقات نحو مشروعات تحقق أثرًا بيئيًا واقتصاديًا ملموسًا، وقائمتنا لبعض فرص الاستثمار متاحة على الدوام (للمزيد هنا).
وفي إطار الشراكات الدولية، يسعى المغرب إلى جذب تمويلات مرنة وقابلة للتوقع، وتوجيهها نحو مشروعات إستراتيجية تتركز على كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة، كذلك، يطوّر المغرب منظومة محلية تتيح سهولة دخول رؤوس الأموال الخاصة، وتعزز الشراكات بين القطاعين العام والخاص عبر حوافز ضريبية، مما يهيئ فرصًا مميزة للاستثمار في المشروعات المستدامة.
كما يعمل المغرب على تطوير نظام مالي مستدام يدعم هذه الرؤية من خلال إصلاحات مالية تهدف إلى تقليل تكلفة رأس المال وتوحيد الإجراءات، ويحرص على إرساء قواعد الشفافية وتوفير البيانات وتوحيد التقارير لضمان الوضوح، بما يتيح للمستثمرين اتخاذ قراراتهم بثقة، وتقييم أثر استثماراتهم بشكل دقيق.
ولأن "الأشياء العظيمة تتحقق من خلال سلسلة من الأشياء الصغيرة التي تجتمع معًا"، فنحن نؤمن أن مواجهة التحديات المناخية تتطلب شجاعةً وإصرارًا لاتخاذ خطوات جريئة لترسيخ العمل المشترك، ونؤمن أن العمل الدؤوب والمستمر والجادّ هو السبيل لتحقيق التحول المستدام الذي ننشده.
أدعو الحكومات، والمؤسسات المالية، والمستثمرين، للانضمام إلى هذه الجهود، ليس فقط لدعم جهود الانتقال الطاقي، ولكن أيضاً للإسهام في بناء مستقبل أكثر استدامةً وعدالةً للجميع.
فلنكن معاً في هذا المسار، ولنحوّل هذا الالتزام إلى أفعال ملموسة تُحدث فرقًا حقيقيًا للأجيال الحالية والمستقبلية.
نبذة عن الوزيرة ليلى بنعلي
حصلت الوزيرة ليلى بنعلي على درجة الدكتوراه في اقتصادات الطاقة من "جامعة ساينس بو" في فرنسا، ودرجة الماجستير في الهندسة من الجامعة ذاتها.
كما حصلت على درجة الماجستير في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس، ودرجة الماجستير في الهندسة الصناعية من "المدرسة المحمدية للمهندسين" في المغرب.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2021، تتولى الدكتورة ليلى بنعلي منصب وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وإلى جانب ذلك تشغل أيضًا عضوية مجموعة خبراء الوقود الأحفوري في الأمم المتحدة، منذ عام 2018.
كما أنها خبيرة في مجال الإستراتيجية الطاقية والاستدامة، إذ سبق لها أن شغلت منصب كبيرة الخبراء الاقتصاديين في منتدى الطاقة الدولي، بجانب خبرتها في "رابطة التجريف المركزية".
وشغلت أيضًا منصب كبيرة الاقتصاديين ورئيسة قسم توفير الطاقة والتنمية المستدامة في الشركة العربية للاستثمارات "أبيكورب" (صندوق الطاقة العربي حاليًا) بين عامي 2018 و2021.
وعملت الدكتورة ليلى بنعلي في المدة بين 2002 و2015، أستاذة غير متفرغة في الإستراتيجية الطاقية واقتصاد الطاقة في "جامعة ساينس بو" بفرنسا.
وقبلها، كانت تعمل بوظيفة مهندسة صناعية في شركة "شلمبرجيه" بين 2000 و2001.
نرشّح لكم..
ملف خاص عن قطاع الطاقة في المغرب، يتضمن حوارات وزارية وجولات في أبرز المشروعات (هنا).
اقرأ أيضًا..
0 تعليق