أسرٌ أمازيغية بالمغرب تتواصل بالدارجة .. "عقدة نقصٍ" أم نتاج "التعريب"؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

موازاة مع استمرار عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 كعملية استراتيجية تهم الجانب اللساني والثقافي للمغاربة يتجدد النقاش حول ما الذي يجعل أسرا ناطقة بالأمازيغية بعدد من المناطق بالمغرب لا توظف هذه اللغة في تخاطُبها اليومي مع أبنائها داخل الوسط المنزلي تحديدا، مقابل اللجوء إلى اعتماد اللسان الدارج؛ ما يساهم في تراجع منسوب تداوُلِيتها وضمان تمسك الناشئة والأجيال الجديدة بها.

ولا يُنكر عدد المهتمين بهذا الموضوع وجود تراجع في تداولية هذه اللغة داخل المنازل، خصوصا بالمدن الكبرى؛ غير أن الأجوبة بهذا الخصوص تأخذ عادة شقين بين من يطرح أن هناك “نزوحا متعمدا وغير مبررٍ من الآباء والأُمهات نحو استخدام اللسان الدارج داخل الوسط الأسري الناطق بالأمازيغية كُليا” وبين من لا يتوانى في التأكيد على أن “هذا التحول اللغوي ناتج عن عقود من التعريب وسياسات الدولة التي أقصت الأمازيغية من الإدارات والمدارس والإعلام والفضاء العام”.

ويدعم المهتمون بالشأن الأمازيغي والحقوق اللغوية والثقافية للمواطنين عادة الطرح الثاني، إذ يؤكدون أن المتحدثين بهذه اللغة “أحسوا على مدار سنوات وبفعل طبيعة السياسات اللغوية الوطنية بأنهم يتكلمون لغة لا تحضر بشكل رسمي على مستوى الفضاء العام والإدارات والمؤسسات العمومية والإعلان، بما دفعهم إلى الاعتقاد بأن المشكل لغتهم، عاملين بذلك على توجيه أبنائهم وتعليمهم طريقة توظيف اللسان الدارج كشرط من شروط الاندماج داخل المجتمع والترقي”.

“من نتائج التعريب”

محمد أمدجار، رئيس منظمة “تماينوت”، اعتبر أن “موضوع تراجع منسوب التحدث باللغة الأمازيغية داخل البيوت لا يمكن مقاربته بتاتا بدون ربطه بشكل مباشر بعملية التعريب التي تعرض لها المغرب منذ الاستقلال عن فرنسا، إذ تم تغييب هذه اللغة عن المدرسة والمعاهد والفضاء العام والإعلام كذلك؛ بما خلق لدينا عددا من الناطقين الأمازيغ الذين صاروا يعتقدون بوعي أو بدون وعي أن هناك مشكلا في اللغة الأمازيغية وأنها أقل قيمة من اللهجة الدارجة”.

وأضاف أمدجار، في تصريح لهسبريس، أن “عددا من الآباء والأمهات نزحوا نحو تعليم أبنائهم وبشدة التحدث باللسان الدارج كشرط من شروط الاندماج داخل المجتمع والنجاح عبر الحصول على وظيفة بأسلاك الوظيفة العمومية مثلا وبمختلف القطاعات؛ فالمهم في هذا الإطار هو أن هذا الأمر عبارة عن نتيجة نهائية لسياسات تمييزية للدولة ضد اللغة والثقافة الأمازيغية”.

وذكر المتحدث أن “كل هذه السياسات ساهمت في صنع حالات من الخجل وعدم الرضا بالحديث باللغة الأمازيغية في صفوف أجيال من المغاربة ظنا منهم أنها أقل قيمة من الدارجة، إلى درجة أنه يوجد من زوج وزوجة من الناطقين بها ممن يجنحون نحو التحدث داخل الوسط المنزلي باللسان الدارج ما دام أن لغتهم الأم ليس لها تواجدٌ صريح على مستوى الفضاء العام أو الإدارات والإعلام”.

وتابع: “حتى وإن قلنا اليوم بأن اللغة الأمازيغية تراجعت على مستوى الفضاء الأسري فإن ذلك بشكل أو بآخر يسائل السياسة اللغوية والتخطي اللغوي للدولة، حيث نتحدث اليوم عن أزيد من 20 سنة من بداية تدريس هذه اللغة بالمدارس، بما يجب في الأساس أن يساهم في رفع نسبة الحديث بها سواء بالمنازل أو بالفضاء العام”، مؤكدا في الأخير أن “الموضوع تحصيل حاصل لسياسات امتدت لعقود”.

تحصيلُ حاصل

على النحو ذاته، سارت أمينة زيوال، حقوقية عن جمعية صوت المرأة الأمازيغية “أمسلي”، والتي اعتبرت أن “هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم؛ بل فرضت نفسها منذ سنوات وارتفعت حدتها خلال الآونة الأخيرة لتعبر عن تحول مجتمعي لا ينبغي أن يتم ربط أسبابه بالأسر والآباء والأبوين، حيث يجب أن نستحضر كون توجه الدولة نحو التعريب ساهم في هذا التحول وعززته سياساتها في المجال اللغوية والثقافي طيلة العقود الماضية”.

قالت زيوال، في تصريح لهسبريس، إنه “من الواضح جدا أن عددا من الأسر التي تتقن الأمازيغية صارت تختار الحديث مع أبنائها داخل الفضاء المنزلي بالدارجة بعيدا عن لغتها الأم التي يجب في الأساس تشجيعها وعدم حرمان الأبناء منها بأي شكل من الأشكال”، موضحة أن “خُلو الفضاء العام والمؤسسات الوطنية من الأمازيغية وكذلك الإعلام يؤثر في الناشئة هي الأخرى ويدفعها إلى اعتبار نفسها مخطئة عندما توظف لغتها الأمازيغية في التخاطب اليومي”.

وأكدت المتحدثة ذاتها أن “هناك من هذه الناشئة من تشتكي لأسرها تعرضها لمضايقات على مستوى الشارع العام أو حتى المدارس نتيجة لتوظيفها للغتها الأم، بما يولد لديها دائما حالة من تحقير لغتها هذه واعتبر نفسها مخطئة دائما على مدار أجيال”، مسجلة أن “هذه الناشئة كذلك التي تنخرط في التعليم الأولي في سنة مبكرة تصطدم باللسان الدارج داخل الفصول الدراسية، مما يساهم دائما في ربط اللغة الأمازيغية بالهامش وعدم ربطها بأي نجاح مرتقب داخل المجتمع”.

وزادت: “مسؤولية الدولة في هذا الصدد قائمة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التغاضي عنها؛ وهو ما جعلنا نناضل من سنوات بغرض تمتيع الأمازيغية بوضعية اللغة المُدسترة والرسمية والوظيفية، غير أننا لم نصل بعد إلى تنزيل حقيقي لمضمون الدستور والقانون التنظيمي رقم 26.16 القاضي بتفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة”، معيدة التأكيد في الأخير على أن “هذا التحول المجتمعي الذي عرفته اللغة الأمازيغية داخل المنازل يرتبط أساسا بالحصيلة الرسمية لسياسات الدولة خلال العقود الماضية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق