الاقتصاد الدائري في الأردن.. خطوة لتحقيق التنمية المستدامة وخفض الانبعاثات

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشكّل الاقتصاد الدائري في الأردن خطوة مهمة في إطار مساعي المملكة لتحقيق التنمية المستدامة، وخفض الانبعاثات، وصولًا إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي.

ويسير الأردن بخطوات سريعة نحو التحول من الاقتصاد القائم على استخراج الموارد وتصنيع المنتجات والتخلص من مخلّفاتها، للاقتصاد الدائري الذي يعتمد على إعادة استعمال الموارد وتدوير النفايات وإنتاجها من جديد.

ويشكّل التوجه نحو الاقتصاد الدائري في الأردن فرصة واعدة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، والإيفاء بالالتزامات البيئية وزيادة النمو الاقتصادي، ورفع القيمة المضافة للإنتاج المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة.

ووفق تقرير الإسراع بالانتقال إلى الاقتصاد الدائري في المنطقة العربية، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، فإن الاقتصاد الدائري هو "اقتصادٌ تبقى فيه المواد والمنتجات قيد الاستعمال، ويساعد في تخفيف الضغوط على النظم الطبيعية، ما يتيح تجدُّدها".

التحول إلى الاقتصاد الأخضر

يرتكز اهتمام المملكة على الاقتصاد الدائري في الأردن نظرًا لآثاره الإيجابية في البيئة، لا سيما لجهة تخفيض كميات النفايات من خلال إعادة التدوير أو إعادة الاستعمال وغيرها، وتقليل الغازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي، واستغلال الموارد بأقصى درجة، والتوجه نحو الاستهلاك والإنتاج المستدامين.

وقالت وزارة البيئة الأردنية: إن "الاقتصاد الدائري يعدّ مكونًا رئيسًا في جهود الدولة بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، بالتعاون مع الشركاء من القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني".

وطورت الوزارة الخطة الوطنية التنفيذية للاقتصاد الأخضر (2021-2025)، التي ترتكز على 6 قطاعات رئيسة، وهي: الطاقة والمياه وإدارة النفايات والزراعة والسياحة والنقل، علاوة على ربط جهود العمل المناخي بالاقتصاد الدائري في الأردن من خلال المشروعات والوثائق المهمة، مثل وثيقة المساهمات المحددة وطنيًا.

الطاقة الخضراء

ورخّصت وزارة البيئة الأردنية 183 منشأة لإدارة النفايات، من بينها منشآت خاصة لإعادة التدوير، منها 8 لإعادة تدوير البطاريات، و12 لإعادة تدوير الزيوت، ومثلها لإعادة تدوير الإطارات.

وأشارت الوزارة إلى تأسيس 34 محطة لجمع النفايات الكهربائية والإلكترونية وتوزيعها بمحافظات الأردن، إلى جانب ترخيص 8 منشآت لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية والكهربائية.

وتسعى رؤية التحديث الاقتصادي -التي تُعدّ "خريطة طريق" للاقتصاد الأردني- لتعزيز النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة مع ضمان الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية، إذ حددت ضمن محرك البيئة المستدامة عدّة أهداف للحدّ من النفايات وإعادة تدويرها واستعمالها.

وتهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي مستدام، يعزز النمو الاقتصادي ويعالج التحديات الهيكلية في الاقتصاد الأردني، إذ وضعت الاقتصاد الدائري في الأردن ضمن أولوياتها تحت المحرك السابع، محرك "بيئة مستدامة.

وسلطت رؤية وزارة البيئة الضوء على إعداد معايير ممارسات الاقتصاد الدائري في الأنشطة الصناعية والتركيز على المجمعات الصناعية البيئية ضمن محرك الصناعات عالية القيمة أيضًا، في وقت يبلغ فيه معدل تولُّد النفايات للشخص الواحد بالأردن نحو 0.8 إلى 1 كغم لكل فرد.

النمو الأخضر

حدّد الملخص التنفيذي لقطاع النمو الأخضر في رؤية التحديث الاقتصادي بالأردن 6 قطاعات استراتيجية لقيادة مسيرة النمو الأخضر، وهي الطاقة والمياه والنفايات والنقل والسياحة والزراعة، بالإضافة للحاجة إلى إستراتيجية تمويل.

ولفت الملخص إلى أن الاستجابات العالمية والوطنية للتغير المناخي توفر فرصة للأردن لتحقيق النمو الأخضر والتعافي عبر الطاقة المستدامة والنقل الأخضر وكفاءة الموارد وإعادة استعمال النفايات وإعادة تدويرها والزراعة الذكية مناخيًا.

ويرى منتدى الإستراتيجيات الأردني -وهو إحدى مؤسسات القطاع الخاص- أنَّ تجاوُز منظور إدارة النفايات وكفاءة استعمال الموارد إلى الإدماج الكامل لجميع مبادئ الاقتصاد الدائري يمكن أن يوفر للأردن المزيد من المكاسب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وأشار المنتدى إلى أن الصناعة التحويلية تعدّ أكبر قطاع في الأردن، ومن المتوقع أن يتضاعف حجم هذا القطاع بحلول عام 2033، ليوفر نحو 260 ألف وظيفة جديدة في الصناعات الكيميائية والمنسوجات والأغذية والأدوية والصناعات الهندسية بصفتها خطوط الإنتاج الرئيسة.

وتستهلك هذه القطاعات مجتمعةً كميات كبيرة من الطاقة والموارد، ما يجعلها مرشحة بنحو رئيس لتنفيذ نهج الاقتصاد الدائري في الأردن، الذي يهدف إلى زيادة الكفاءة والحدّ من النفايات وتعزيز ممارسات الاستدامة.

وأطلق الأردن قبل عامين مشروع تطبيق ممارسات متكاملة متعلقة بكفاءة استعمال الموارد والإنتاج الأنظف المطبقة في المنشآت الصناعية لغايات تنفيذ خدمات فنية واستشارية، لتطبيق منهجية الإنتاج الأنظف والكفؤ في استعمال الموارد لنحو 15 منشأة صناعية، مستهدفًا القطاعات الصناعية بعموم محافظات المملكة.

النفايات في الأردن

حسب معطيات إحصائية لوزارة البيئة الأردنية، يبلغ معدل الإنتاج السنوي للنفايات بالمملكة 2.7 مليون طن، وكمية النفايات الصلبة البلدية 2.5 مليون طن في السنة، 50% منها عضوية، وكمية النفايات الطبية 2745 طنًا سنويًا، وكمية النفايات الصناعية الخطرة 45 ألف طن سنويًا، في حين تبلغ نسبة النفايات البلاستيكية من إجمالي النفايات، نحو 35%.

وتشير المعطيات إلى أن 90% من المناطق الحضرية و70% من المناطق الريفية بالأردن مغطّاة بخدمة جمع وإدارة النفايات الصلبة، وأن جزءًا كبيرًا منها كالزيوت المعدنية المستهلكة وبطاريات الرصاص الحامضية المستهلكة، يعاد تدويره ويُنقَل لمركز معالجة النفايات الخطرة، بما يعادل 2000 طن سنويًا.

وضمن جهود الأردن بمشروعات إعادة التدوير، أُنشئ أول مركز لـ"بنوك التدوير" في العاصمة عمان، وهو مصمم لتلبية أفضل الممارسات الدولية في إعادة تدوير النفايات التجارية، من خلال استقبال المواد القابلة لإعادة التدوير المفصولة من المصدر كالبلاستيك والورق والمعادن والكرتون.

وأكد رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير، وجود نمو متزايد في الصناعات التي تعتمد على المواد المستدامة والمدوّرة بالأردن، مثل صناعة البناء التي بدأت باستعمال الطوب المعاد تدويره، بالإضافة الى بعض الصناعات الغذائية والكيماوية والورق والكرتون والبلاستيك والإنشائية.

تدوير النفايات البلاستيكية

وقال، إن قطاع الطاقة المتجددة يعدّ من العوامل الرئيسة بدعم الاقتصاد الدائري في الأردن، من خلال توفير طاقة نظيفة ومستدامة، بالإضافة إلى القطاع الزراعي الذي يستفيد من ممارسات الاقتصاد الدائري عبر تطبيق أنظمة الزراعة المستدامة، كالزراعة العضوية وتدوير المخلّفات الزراعية لاستعمالها سمادًا، أو لتوليد الكهرباء.

وأكد أن هناك اهتمامًا متزايدًا من الشركات الصناعية بالأردن لتطبيق الممارسات المتعلقة بالاقتصاد الدائري، ولا سيما مع تزايد الوعي البيئي، ودعم التشريعات الحكومية لهذه الاتجاهات.

وأوضح الجغبير أن الاقتصاد الدائري في الأردن أصبح ركيزة من الحلول الفعّالة لمواجهة تحديات النفايات واستعمال الموارد الطبيعية، ما يعزز القدرة التنافسية للقطاعات الصناعية، كما يسهم بتعزيز سمعة المملكة في الأسواق الدولية، خاصة تلك التي تركّز على المنتجات المستدامة، مع تزايد الطلب العالمي على المنتجات التي تتبنّى المعايير البيئية.

وأشار الجغبير إلى أن الأردن سيستفيد من التحول من خلال تحسين جودة المنتجات وتقليل التكاليف، وتعزيز كفاءة استعمال الموارد وفتح فرص جديدة للابتكار الصناعي، إلى جانب تقليل التأثيرات البيئية، ما يعزز المصلحة الوطنية على المدى الطويل.

وبيَّن أن الاقتصاد الدائري في الأردن يؤدي دورًا مهمًا في تحقيق الاستدامة وتقليل النفايات وزيادة كفاءة استعمال الموارد من خلال إسهامه في تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، مع زيادة كفاءة استعمال المواد القابلة لإعادة التدوير والاستعمال، ما يقلل من مستويات الهدر، ويسهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية، ويعزز من أشكال الاستدامة البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية المختلفة.

ولفت إلى أن الاقتصاد الدائري يعزز من عمليات الابتكار بنحو كبير، إذ إن عمليات إعادة التدوير مجالاتها واسعه ومبتكرة، سواء بآليات إعادة التدوير أو المنتجات ومخرجات هذه العملية، ما يشجع الشركات على تصميم منتجات تدوم طويلًا، ويمكن إعادة تدويرها بسهولة أو تفكيكها لإعادة استعمالها، فضلًا عن أن بعض عمليات التدوير ينتج عنها أشكال من الطاقة المختلفة، بالإضافة إلى البحث والتطوير في مواد جديدة صديقة للبيئة، مثل البلاستيك الحيوي أو الخرسانة المعاد تدويرها.

التصنيع الغذائي

من جانبه، أكد ممثل قطاع الصناعات التموينية والغذائية في غرفة صناعة الأردن، محمد وليد الجيطان، أن قطاع التصنيع الغذائي يعتمد على تبنّي العديد من ممارسات الاقتصاد الدائري، وأظهر اهتمامًا ملحوظًا بإعادة استعمال المواد والموارد لتحسين الكفاءة وتقليل الفاقد، واستعمال النفايات العضوية في إنتاج السماد أو الطاقة الحيوية، وهو ما جعل القطاع رائدًا في مجال تحسين جودة المنتجات وتقليل التكاليف.

وقال، إن قطاع الصناعات الغذائية أصبح أحد أبرز القطاعات التي تعتمد على منتجات تدوم طويلًا وقابلة لإعادة التدوير أو التفكيك، والمواد المستدامة والمدورة، بالإضافة إلى تبنّيه مفهوم الابتكار في تصميم مواد تغليف قابلة للتدوير أو التحلل الحيوي.

وأكد الجيطان أن هذه الممارسات بالإنتاج تقلّل الأثر البيئي، وتسهم في تحقيق استدامة بيئية واقتصادية شاملة، إلى جانب تطبيق الممارسات الخاصة بإعادة استعمال المياه الناتجة عن عمليات التصنيع، والاستفادة من المنتجات الثانوية وقشور الفاكهة والبذور وغيرها في إنتاج مواد غذائية إضافية.

بدوره، بيَّنَ المدير التنفيذي لشركة الأنظمة الذكية، سامر الزمر، أن الشركة تركّز على إعادة تدوير مواد مختلفة، منها النفايات البلدية والإطارات المطاطية والمخلفات البلاستيكية والمخلفات الزراعية، وتحويل العديد من أنواع المخلفات إلى وقود بديل قابل للاستعمال في الصناعة وبالعديد من التطبيقات المنزلية وتربية الدواجن مثل التدفئة.

تحويل النفايات إلى كهرباء

وقال، إن مختلف القطاعات في الأردن يعاني من ارتفاع فاتورة الطاقة المستعملة للإنتاج أو للتدفئة، وفي الوقت نفسه تشكّل النفايات مشكلة متراكمة تؤثّر بالبيئة و المياه الجوفية وانبعاثات غازات الدفيئة، ما دفع شركته لتقديم حلول بيئية لتحويل المخلفات إلى مصدر مستدام للطاقة، وتحويلها لوقود صلب أو سائل بنحو قابل للاستعمال بسهولة في مختلف المنشآت.

وبيَّنَ أن الشركة شغّلت محطة فرز نفايات رئيسة في العاصمة عمان، وأنشأت مصنعًا في مدينة المفرق الواقعة على بعد 80 كيلو مترًا إلى الشمال من العاصمة عمان، إضافة إلى تركيب خطوط إنتاج في منطقتَي الموقر وضبعة جنوب عمان.

ورأى الزمر أن إعادة تدوير المخلفات تستطيع توفير دائرة جديدة في الاقتصاد قائمة على استعمال مواد خام ذات تكلفة منخفضة، وبالنهاية إنتاج منتجات ذات نوعية مقبولة، مع الأخذ بالحسبان القدرة العالية لهذه الصناعة على المنافسة، عكس الصناعات الأخرى، إضافة إلى قدرة هذه الصناعة على حل العديد من المشكلات البيئية وتخفيف تكاليف معالجتها في مكبّات النفايات، وتخفيض فاتورة الطاقة المرتفعة للصناعة والمنازل.

وقال نائب المدير العام في مجموعة العملاق الصناعية الأردنية، المهندس محمد الصمادي، إن المجموعة تؤمن بأن الاقتصاد الدائري هو المستقبل الذي يجب أن تتبنّاه الصناعة للحفاظ على البيئة وتعزيز استدامة الموارد، لذلك طبّقت ممارسات مبتكرة ومتطورة لتحقيق هذا الهدف.

وعدَّد المهندس الصمادي الممارسات التي تطبّقها المجموعة، وهي إعادة تدوير مخلّفات الإنتاج البلاستيكية داخل مصانع المجموعة واستعمالها مجددًا في العمليات الإنتاجية، ما يقلل من النفايات ويعزز كفاءة استعمال المواد الخام، بالإضافة لإعادة تدوير المياه الناتجة عن معالجة المياه الجوفية وجمع مياه الأمطار في آبار مخصصة لاستعمالها في ريّ المساحات الخضراء حول المنشآت.

وبيَّنَ أن المجموعة تدرس حاليًا مشروعًا لإعادة تدوير المياه العادمة لإنتاج مياه صالحة للاستعمال البشري، ما يسهم في تعزيز استدامة المياه، وتقليل الأثر البيئي، في حين يتمثل الهدف المستقبلي بالوصول لمنشآت تطبّق سياسة "عدم تصريف السوائل" (Zero Discharge Liquids)، ما يعني إعادة استعمال كل المياه الناتجة عن العمليات، وعدم تصريف أيّ سوائل إلى البيئة.

وقال: "بدأنا في عام 2018 بتحديث جميع أنظمة الاحتراق لتحويلها من الديزل إلى الغاز المسال، ونعمل حاليًا على إطلاق عملياتنا باستعمال الغاز الطبيعي من حقول الريشة الأردنية، وأنشأنا أكبر مشروع للطاقة الشمسية على الأسقف في الأردن بقدرة 3 ميغاواط، الذي يغطي ما يقارب 70% من احتياجات المجموعة من الطاقة الكهربائية، ما ساعد على تقليل البصمة الكربونية الناتجة عن استعمال الطاقة التقليدية".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق