تداعيات فرض رسوم أوروبية على صادرات المغرب من إطارات السيارات

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في غمرةِ عالم أصبح يتجه نحو “حمائية تجارية” زادت حدّة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، حاملًا معه نُذر “حرب تجارية عالمية” كما حذرت من ذلك تقارير وأبحاث دولية؛ جاء قرار مفوضية الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على واردات الإطارات المعدنية المصنوعة من الألومنيوم والمستوردة من المغرب (Jantes en aluminium)، في إجراء جديد يندرج ضمن “مكافحة الإغراق”.

وانقسمت آراء عدد من المحللين الاقتصاديين للأسواق الدولية بشأن أثر وتداعيات القرار الأوروبي، الذي بررته المفوضية الأوروبية بـ”حماية منتجي هذه الآليات على مستوى بلدان الاتحاد الأوروبي”، و”الدفاع عن 16 ألفا و600 وظيفة” ممّا أسمته “ممارسات تجارية غير عادلة”، تم تحديدها بناء على “تحقيق كان قد خلص إلى أن الحكومة المغربية تدعم صناعة قطاع السيارات بشكل منهجي من خلال إعانات غير متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك المنح والقروض بأسعار تفضيلية، فضلا عن الإعفاءات والتخفيضات الضريبية كذلك”.

واعتبر اقتصاديون مغاربة، ممن استطلعت جريدة هسبريس آراءهم، أن التحقيق الأوروبي يحشُر “التنين الصيني” في خضم فصول “حرب تجارية” يخوضها الأوروبيون والأمريكيون ضده، لاسيما بعد ثبوت “مساهمات مالية لأحد المنتجين المغاربة المصدرين في إطار التعاون الصيني ضمن مبادرة الحزام والطريق”، وثبت أن “هذه الواردات المدعومة بشكل غير عادل تسببت في إلحاق الضرر بالصناعة الأوروبية من المنتَج نفسه”.

القرار الأوروبيّ لا يمكن فهمه إلا في سياق ضخ استثمارات صينية كبيرة في قطاع صناعة السيارات بالمغرب، وتحديدا تصنيع إطار المركبات، في ظل ترقّب ارتفاع إنتاج مصنع شركة صينية بالمغرب من إطارات السيارات خلال السنة الجارية ليتراوح بين 6 و8 ملايين إطار متم العام، في أفق تضاعف هذا الرقم سنة 2026 ليبلغ 12 مليون إطار، وفق ما نقلته وسائل إعلام صينية بداية العام الجاري، نقلا عن تقرير بحثي.

“غير مفاجئ ورسالة مشفرة”

بدر الزاهر الأزرق، محلل اقتصادي وباحث في مجال الأعمال والتجارة، قال إن “مثل هذه القرارات ليست مفاجئة على اعتبار أن أوروبا والولايات المتحدة الامريكية تشنُّان حربا تجارية حقيقية ضد صناعة السيارات الكهربائية، وعلى وجه الخصوص الصينية، مستحضرا سياقات رافقت موجة الخسائر التي تكبدتها قطاعات صناعة السيارات، خاصة في ألمانيا، وجزئيًا في فرنسا”.

وحسبما أكده الأزرق، تفاعلاً مع سؤال لهسبريس، فإن “هذا التوجه اليوم لفرض هذه النوعية من الرسوم من دول التكتل الاقتصادي الأوروبي كإجراء لمكافحة الإغراق يندرج في إطار تلك الحرب، وهو أمر متوقع؛ خاصة أن المملكة المغربية صارت تستقطب تدريجياً استثمارات صينية كبيرة ومتزايدة في قطاع صناعة السيارات وأجزاء صناعة السيارات، سواء تعلق الأمر بالعجلات أو إطارات الألمنيوم أو البطاريات وغيرها، في ظل آفاق واعدة للتعاون”.

وتابع قائلا: “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يحاول اليوم المضي في حربه التجارية، لكن ذلك يمكن أن يكون أيضا رسالة مشفرة موجهة إلى المغرب كي يُبطئ وتيرة تعاونه مع الصين على مستوى صناعة السيارات”.

وأضاف أن “هذه مجرد بداية، وإنْ لم يتم التوصل إلى توافقات على أعلى مستوى بين الصين وبين الولايات المتحدة الأمريكية وبين أوروبا على مستوى تقاسم السوق، وتقسيم نسب توزيع حصص السوق العالمي على القوى الكبرى المصنعة للسيارات الكهربائية على وجه الخصوص، أظنّ أن هذه الحرب ستشهد فصولًا أخرى في القادم من الأيام قد يجد المغرب نفسه طرفاً فيها بشكل من الأشكال”.

“تأثير واقع وحرب مستبعَدة”

على طرفٍ نقيض، استبعد نبيل بوابراهيمي، أستاذ متخصص في الاقتصاد الدولي في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، فعلية الذهاب في تداعيات “سيناريو حرب تجارية” بكل معنى الكلمة، مبرزا أن المغرب يبقى غيْر معني بها مباشرة مع الاتحاد الأوروبي بحكم أنه ما زال الشريك التجاري الأول للرباط، رغم تسجيل عجز في الميزان التجاري لصالح الأوروبيين بـ8 مليارات دولار من أصل 28 مليار دولار هي قيمة العجز التجاري للمغرب في تجارته مع دول العالم”.

ويرى بوابراهيمي، في حديث لهسبريس، أن “فرض الرسوم على نوعية الإطارات (عجلات الطرق) المصنوعة من الألومنيوم من قبل المغرب يندرج ضمن تفعيل الاتحاد لما يعرف بأدوات الدفاع التجاري إلى أقصى حد لحماية صناعته وضمان تكافؤ الفرص التنافسية مع منتجيه المحليين”، لافتا إلى أن ” هذا القرار لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بعد عام من المشاورات بين الطرفين المغربي والأوروبي، وفرض رسم مؤقت في سياق مكافحة الإغراق وحماية الأسواق المحلية، بإيعاز وضغط من المنتجين الأوروبيين”.

وتتراوح الرسوم بين 5,6 في المائة بالنسبة للمنتج المُصدَّر والمستفيد من الدعم المغربي، و31,4 في المائة بخصوص نظيره الذي يستفيد من الدعم المالي المغربي ـ الصيني ضمن “مبادرة الحزام والطريق”.

وأوضح أستاذ الاقتصاد الدولي أن الرسوم الإضافية لن تمرّ دون ترك تأثير على الصادرات المغربية، باستحضار أن صناعة السيارات هي القطاع التصديري الأول في هرم المبادلات المغربية.

واعتبر أن “القرار الأوروبي سيزيد في متاعب المصدّرين المغاربة لقطع السيارات الذين يتعاملون مع مصنّعين أوروبيين كبار، إذ سيتم فقدان هامش الربح، خاصة أنه منتَج جد مهم في سلاسل القيم بالنسبة لصناعة السيارات للمنتجات المصدّرة، فيما قد يرفع أسهم مُصدرين منافسين للمغرب للمنتجات نفسها من آسيا، المعروفة بتنافسية وأداء عالي المستوى”.

“تفعيل الرسم الإضافي الأوروبي على أول دفعة للصادرات المغربية سيترك انخفاضاً واضحا في القيمة والكمية المصدَّرة، فضلا عن تهديد رهانات تقليص العجز التجاري”، يورد المختص في الشأن التجاري الدولي، لافتا إلى أن “المغرب يطبّق رسوم مكافحة إغراق سوقه على بعض المنتجات الأجنبية لحماية وتشجيع صناعته الوطنية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق