رسوم ترامب الجمركية على الأدوية: هل سترتفع أسعار الأدوية في الولايات المتحدة؟

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وفقًا لصحيفة "ميامي هيرالد"، أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية كبيرة على الأدوية المستوردة مخاوف واسعة النطاق بين الأمريكيين بشأن تأثير هذه السياسة على أسعار الأدوية. 

يأتي هذا الإعلان في إطار استراتيجية ترامب لتعزيز الصناعة المحلية من خلال فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة، بما في ذلك الأدوية، بهدف إعادة توطين التصنيع داخل الولايات المتحدة. 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع تكلفة الأدوية للمستهلكين الأمريكيين؟ أم أنها ستحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة دون التأثير سلبًا على المواطنين؟ 

وأعلن الرئيس ترامب في خطاب ألقاه خلال عشاء للجنة الوطنية للكونجرس الجمهوري أن الولايات المتحدة ستفرض قريبًا رسومًا جمركية كبيرة على الأدوية المستوردة. هذا الإعلان ليس جديدًا تمامًا، إذ سبق أن أشار ترامب في مارس 2025 إلى أن الرسوم على الأدوية ستُعلن "في المستقبل القريب". الهدف المعلن لهذه السياسة هو تقليل الاعتماد على الإمدادات الأجنبية، خاصة من دول مثل الصين والهند، وتشجيع الشركات الدوائية على نقل عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة. ويأتي هذا في سياق سياسة تجارية أوسع تتضمن فرض رسوم جمركية متبادلة على العديد من الدول، مما أثار توترات تجارية عالمية.

التأثير المحتمل على أسعار الأدوية
أحد الشواغل الرئيسية التي أثارتها هذه الرسوم هو احتمال ارتفاع أسعار الأدوية في الولايات المتحدة. وفقًا لتقديرات ديدريك ستاديج، محلل الرعاية الصحية في مؤسسة "آي إن جي"، فإن فرض رسوم جمركية على جميع الأدوية المستوردة قد يؤدي إلى زيادة سعر الأدوية العامة منخفضة التكلفة بما يصل إلى 0.12 دولار للحبة، أي تكلفة إضافية سنوية تبلغ حوالي 42 دولارًا للفرد. أما بالنسبة للأدوية الأعلى تكلفة، مثل تلك المستخدمة في علاج السرطان، فقد ترتفع الأسعار بما يصل إلى 10،000 دولار للعلاج الواحد. هذه الأرقام تشير إلى أن التأثير قد يكون كبيرًا، خاصة على المرضى الذين يعتمدون على الأدوية المستوردة.

تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الأدوية المستوردة، حيث توفر دول مثل الهند ما يقرب من 40% من الأدوية العامة المستخدمة في النظام الصحي الأمريكي. هذه الأدوية غالبًا ما تكون أرخص بكثير من نظيراتها المصنعة محليًا، مما يساعد في السيطرة على تكاليف الرعاية الصحية. إذا أدت الرسوم الجمركية إلى زيادة تكلفة هذه الأدوية، فقد ينعكس ذلك مباشرة على المستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار أو زيادة الأعباء المالية على برامج التأمين الصحي مثل "ميديكير" و"ميديكيد".

وجهة نظر ترامب: تعزيز التصنيع المحلي
من جانبه، يرى ترامب أن الرسوم الجمركية ستكون حافزًا قويًا للشركات الدوائية لإعادة توطين مصانعها في الولايات المتحدة. 

في خطابه، أشار إلى أن الدول الأخرى تفرض قيودًا على أسعار الأدوية، مما يسمح للشركات الدوائية ببيع منتجاتها بأسعار أقل في تلك الأسواق، بينما تتحمل الولايات المتحدة أسعارًا أعلى. وأضاف أن فرض الرسوم سيجبر هذه الشركات على "الاندفاع" للعودة إلى الولايات المتحدة لتجنب التكاليف الإضافية. ومع ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل محددة حول حجم الرسوم الجمركية أو الجدول الزمني لتطبيقها، مما يترك المجال مفتوحًا للتكهنات.

تحليل اقتصادي: هل ستحقق الرسوم أهدافها؟

وعلى الرغم من النوايا المعلنة، يحذر الخبراء من أن الرسوم الجمركية قد لا تحقق الأهداف المتوقعة بسهولة. أولًا، إعادة بناء قدرات التصنيع المحلي للأدوية عملية معقدة ومكلفة. فقد انتقلت معظم إنتاج المكونات الصيدلانية النشطة إلى دول مثل الصين والهند على مدى عقود، وفقًا لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية. إعادة إنشاء هذه القدرات في الولايات المتحدة ستتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، والتدريب، والتكنولوجيا، وقد تستغرق سنوات.

ثانيًا، قد تؤدي الرسوم إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج للشركات الدوائية، مما قد يدفعها إلى تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين بدلًا من خفض الأسعار أو إعادة التوطين. على سبيل المثال، أشارت شركات الأدوية الأوروبية إلى أن الرسوم الجمركية قد تسرع من نقل الصناعة إلى الولايات المتحدة، لكنها حذرت أيضًا من أن ذلك قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، مما يؤثر على توافر الأدوية في أسواق أخرى.

ثالثًا، هناك مخاطر اقتصادية أوسع. فقد أدت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مؤخرًا على دول مثل الصين (104%) والهند (26%) إلى اضطرابات في الأسواق العالمية، مع انخفاضات حادة في الأسواق المالية. إذا أدت الرسوم على الأدوية إلى تفاقم هذه الاضطرابات، فقد تؤثر على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، مما يزيد من الضغط على المستهلكين.

تأثير الرسوم على الدول المصدرة

تُعد الهند واحدة من أكبر الموردين للأدوية العامة إلى الولايات المتحدة، حيث تمثل ثلث صادراتها الدوائية إلى السوق الأمريكية. وقد أدى إعلان ترامب إلى انخفاض أسهم الشركات الدوائية الهندية مثل "صن فارما" و"سيبلا" بنسبة تتراوح بين 1% و2%. ويحذر المحللون من أن الرسوم قد تؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية للشركات الهندية، مما يؤثر على أرباحها وقد يدفعها إلى رفع الأسعار للتعويض عن الخسائر.

من ناحية أخرى، قد تجبر الرسوم بعض الشركات على التفكير في إنشاء مصانع في الولايات المتحدة، لكن هذا القرار لن يكون فوريًا. فالشركات تحتاج إلى تقييم التكاليف طويلة الأجل، بما في ذلك تكاليف العمالة المرتفعة في الولايات المتحدة مقارنة بدول مثل الهند.

وجهات نظر المعارضين

يعارض العديد من الخبراء والسياسيين هذه الرسوم، مشيرين إلى أنها قد تضر أكثر مما تنفع. على سبيل المثال، يرى البعض أن الاعتماد على الأدوية العامة منخفضة التكلفة من دول مثل الهند ساعد في توفير مليارات الدولارات لنظام الرعاية الصحية الأمريكي. ووفقًا لتقارير، وفرت الأدوية الهندية حوالي 219 مليار دولار في عام 2022 وحده، و1.3 تريليون دولار بين عامي 2013 و2022. إذا أدت الرسوم إلى تقليص هذه المدخرات، فقد يواجه المرضى الأمريكيون صعوبات مالية إضافية.

كما أن هناك مخاوف من أن الرسوم قد تؤدي إلى نقص في الأدوية، خاصة إذا لم تتمكن الشركات المحلية من تلبية الطلب بسرعة. هذا الاضطراب قد يكون خطيرًا بالنسبة للمرضى الذين يعتمدون على أدوية حيوية.

في الختام، يبدو أن رسوم ترامب الجمركية المقترحة على الأدوية قد تكون سيفًا ذا حدين. من جهة، تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، مما قد يخلق فرص عمل ويعزز الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل. لكن من جهة أخرى، تشير التقديرات إلى أنها قد تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار الأدوية، خاصة الأدوية العامة وتلك المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة. المواطنون الأمريكيون، الذين يعانون بالفعل من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، قد يواجهون أعباء مالية إضافية إذا لم تُدار هذه السياسة بعناية.

ولفتت الصحيفة إلى أن المستقبل غير مؤكد، والتفاصيل الدقيقة للرسوم لا تزال غامضة. لكن ما هو واضح هو أن هذه السياسة ستؤثر على المرضى، والشركات الدوائية، والاقتصاد العالمي على حد سواء. لذا، يبقى السؤال: هل ستتمكن إدارة ترامب من تحقيق توازن بين حماية المصالح الاقتصادية المحلية وضمان بقاء الأدوية في متناول الجميع؟ الإجابة ستتضح مع تطبيق الرسوم وظهور نتائجها الفعلية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق