تعتبر رحلة العائلة المقدسة واحدة من أبرز الأحداث التي تحمل طابعاً دينياً وتاريخياً، إذ توثق مرور السيد المسيح برفقة السيدة العذراء مريم و القديس يوسف النجار عبر الأراضي المصرية خلال هروبهم من اضطهاد الملك هيرودس.

وقد شكلت المحطات التي مرت بها العائلة المقدسة في مصر معالم بارزة أصبحت لاحقاً مواقع ذات مكانة دينية كبيرة تجسدها الكنائس والأديرة التي تحولت إلى وجهات روحية ومزارات للحجاج والزوار من جميع أنحاء العالم.

**دلالات مسار العائلة المقدسة وأهميته الروحية**

يمثل مسار العائلة المقدسة الطريق الذي اتخذته العائلة أثناء هروبها من فلسطين إلى مصر، حين لجأت بحثاً عن الأمان من تهديدات الملك هيرودس لحياة الطفل يسوع.
يمتد هذا المسار ليشمل العديد من المحطات المهمة بدءاً من الحدود الشرقية لمصر وصولاً إلى القاهرة وجنوب البلاد، متوقفاً عند مواقع زاخرة بالأهمية الدينية والتاريخية.

تعد هذه الرحلة شهادة على عمق تاريخ المسيحية في مصر، ما جعلها سبباً رئيسياً في الحفاظ على الكنائس القديمة والأديرة المنتشرة على امتداد هذا الطريق.

**أهم محطات مسار العائلة المقدسة في مصر**

*دير المحرق – بداية الدخول إلى مصر*
يقع دير المحرق بالقرب من الحدود الشرقية في محافظة بورسعيد، وهو أول محطة تدخلها العائلة المقدسة على الأراضي المصرية. يعد الدير من أهم المواقع التي أقامت فيها العائلة المقدسة بعض الوقت، ويضم آثاراً تعكس تلك الحقبة.

*كنيسة القديس بطرس في بلبيس*

تعتبر من أقدم الكنائس التي يُعتقد أن العائلة مرت بها أثناء رحلتها. تعود الكنيسة إلى عصور قديمة وتعد محطة بارزة للحجاج الباحثين عن مواقع دينية ذات عمق تاريخي.

*دير القديس أنبا بيشوي بوادي النطرون*

يقع هذا الدير الشهير في دلتا مصر، ويتمتع بمكانة روحية عظيمة. يحتوي على مجموعة من الآثار القبطية القديمة التي تجسد جوانب مهمة من تاريخ المسيحية في المنطقة.

*كنيسة العذراء مريم بحلوان*

شهدت الكنيسة مرور العائلة المقدسة، وتتميز بنقوش ورسومات تسرد تفاصيل هذه الزيارة. تمثل الكنيسة نقطة جذب رئيسية للراغبين في التمتع بتجربة روحية هادئة ومميزة.

*كنيسة القديس سرجيوس وباخوس (أبو سرجة) بالقاهرة القديمة*
من المعالم الأساسية لمسار العائلة المقدسة، حيث أقامت العائلة بها فترة قصيرة. تحتوي الكنيسة على مغارة المسيح التي أصبحت مزاراً روحياً ذائع الصيت.

*دير القديسة دميانة في رشيد*

يمثل واحدة من المحطات البارزة ضمن مسار العائلة المقدسة، حيث اشتهر الدير بحفاظه على تراث قبطي فريد، بالإضافة إلى ارتباطه بمعجزات القديسة دميانة.

**الدور الاقتصادي والسياحي لمسار العائلة المقدسة**
مع تنامي أعداد الزوار والحجاج، أصبح رحلة العائلة المقدسة وجهة رئيسية للسياحة الدينية داخل مصر. وقد ساهمت هذه الحركة في إنعاش الاقتصاد المحلي بالمنطقة عبر توفير فرص عمل وتحفيز النمو السياحي.

تبذل وزارة السياحة بالتعاون مع الكنائس والهيئات الدينية جهوداً مستمرة لتطوير البنية التحتية الخاصة بالمسار وإعداده بشكل يضمن جذب المزيد من الزوار سواء من داخل مصر أو خارجها.

**خطوات الحفاظ على التراث والمستقبل المشرق لمسار العائلة المقدسة**
تمتد جهود الحفاظ على هذا الإرث إلى تنفيذ مشروعات لترميم الكنائس والأديرة وتجهيزها لاستقبال الزائرين بأفضل صورة، إلى جانب إطلاق جولات سياحية متكاملة تشتمل على لوحات إرشادية وترجمات بلغات متعددة.

وتسعى الجهات الرسمية لإدراج المسار ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو لتعزيز حمايته ونشر الوعي بقيمته عالمياً.

إن مسار العائلة المقدسة ليس مجرد طريق يلخص رحلة تاريخية ودينية، بل هو رمز من رموز الهوية الروحية والتاريخية لمصر المسيحية. هذا المسار، بما يحمله من قداسة وأثر تاريخي، يوفر تجربة فريدة تمزج بين الإيمان والاندماج مع تراث غني يشهد على عظمة هذا التاريخ.