يشكّل قطاع الكهرباء في سوريا أحد أبرز القطاعات الحيوية التي عايشت تحولات كبيرة منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم، متأثرًا بمراحل التأسيس، ثم التوسّع، وصولًا إلى التراجع الحاد بسبب الحرب وتداعياتها.
ووفقًا لتقصٍّ زمني أجرته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بدأ الاعتماد على قطاع الكهرباء في سوريا بصورة بدائية، ثم تطورت بنيته تدريجيًا من خلال محطات صغيرة وكهرومائية، قبل أن تتسارع وتيرة الإنتاج والتوزيع مع عقود ما بعد الاستقلال.
لكن تلك الخطوات لم تكن كافية لتكوين بنى تحتية مرنة تواكب التغيرات، ما جعل القطاع هشًا في مواجهة الأزمات الكبرى.
ورغم امتلاك سوريا مجموعة من المحطات الكبرى بقدرة إنتاجية مهمة نسبيًا، فإن قطاع الكهرباء يعاني اليوم فجوة واسعة بين القدرة الإنتاجية المتاحة وحجم الطلب، وسط تآكل البنية التحتية وشحّ الموارد المالية والفنية.
وتعكس الخطط الحكومية الأخيرة حاجة ماسة إلى إعادة إعمار شاملة تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.
ومع استمرار العجز في إنتاج الكهرباء، واستنزاف المحطات وتكرار الأعطال، يُسجَّل تراجع في ساعات التغذية الكهربائية اليومية، ما ينعكس مباشرة على النشاط الصناعي والحياة المعيشية في مختلف المحافظات.
بداية قطاع الكهرباء في سوريا
تعود بداية قطاع الكهرباء في سوريا فعليًا إلى عام 1904، حين جُهّز المسجد الأموي في دمشق بمولّد ديزل صغير.
وفي عام 1906، أُنشئت أول محطة كهرومائية على نهر بردى لتغذية المدينة القديمة، ثم شهد عام 1929 إنارة فندق بارون في حلب بمولّد ألماني، ولاحقًا مُدّت الشبكات إلى بعض الأحياء المجاورة، مثل الجميلية والسبيل والمشارقة.
تأميم قطاع الكهرباء في سوريا
في خمسينيات القرن الماضي، شهد قطاع الكهرباء في سوريا توسعًا تدريجيًا، فدخلت الكهرباء إلى أغلب المدن الرئيسة، بالتزامن مع تأميم الشركات الأجنبية.
إلا أن انتشار الشبكات إلى القرى والمناطق النائية بقي محدودًا، إذ إنه حتى عام 1984، لم تكن الكهرباء قد وصلت إلى 35% من القرى، بسبب نقص الكوادر، وقلة التمويل، والتحديات اللوجستية المتعلقة بتضاريس البلاد وتوزيع السكان.

وتواصل تطور قطاع الكهرباء في سوريا خلال الثمانينيات والتسعينيات، مع إنشاء محطات توليد جديدة، لكن القطاع واجه تحديات تقنية كبيرة، أهمها ارتفاع نسبة الفاقد الفني نتيجة تهالك الشبكات، التي بلغت 28%، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يتراوح بين 6 و10%.
كما لم يواكب تطور الطلب على الكهرباء إجراءات ترشيد فعّالة، ما عمّق فجوة العرض والطلب.
تأثير الصراع في قطاع الكهرباء السوري
بحسب بيانات عام 2010، كانت القدرة الإنتاجية الاسمية لمنظومة الكهرباء السورية نحو 9 آلاف و344 ميغاواط، إلا أن الإنتاج الفعلي لم يتجاوز 7 آلاف و200 ميغاواط، في حين بلغ الطلب الأقصى 8 آلاف و600 ميغاواط.
وتخطى الفاقد في النقل والتوزيع 20%، في حين كانت المعدلات العالمية تتراوح بين 6 و10%، ما يشير إلى ضعف كفاءة الشبكات.
ونتيجة لأكثر من 13 عامًا من الحرب، تعرّض قطاع الكهرباء في سوريا لأضرار جسيمة، إذ خرجت عن الخدمة 3 محطات كبرى (حلب، وزيزون، والتيم) بقدرة 1706 ميغاواط، أي ما يمثّل 18% من إجمالي الإنتاج قبل الحرب.
كما تضررت وسُرقت مئات المحولات، وخُرّبت مراكز توزيع وخطوط نقل رئيسة، لا سيما ذات التوتر العالي، وتُقدّر قيمة الخسائر الإجمالية التي لحقت بالبنى التحتية للقطاع بنحو 35- 40 مليار دولار.

فجوة إنتاجية
حاليًا، تصل القدرة الفعلية المتاحة لإنتاج الكهرباء إلى 2300- 2600 ميغاواط، في حين يبلغ الطلب اليومي 9 آلاف ميغاواط، ما يعني وجود فجوة إنتاجية تزيد على 6 آلاف ميغاواط، ما أدى إلى تراجع شديد في ساعات التغذية الكهربائية، لا سيما في المناطق السكنية، إذ لا تتعدى 4 إلى 6 ساعات يوميًا.
ورغم الإصلاحات الجزئية، ما تزال قدرات التوليد الفعلية منخفضة، إذ تعتمد 85% من المحطات على الغاز والفيول، وكميات الوقود غير مستقرة.
محطات الكهرباء السورية
على صعيد محطات الكهرباء السورية، فإن عدد المحطات الرئيسة 14، أبرزها:
- محطة دير علي: الأكبر حاليًا، بقدرة 1500 ميغاواط، منها 750 ميغاواط جديدة أُدخلت تدريجيًا بين 2011 و2019.
- محطة جندر: تعمل بتقنية الدورة المركبة، بقدرة 1290 ميغاواط.
- محطة حلب الحرارية: أُعيد تشغيل العنفة الخامسة منها في 2022 بقدرة 200 ميغاواط.
- محطات سد الفرات وتشرين والبعث: تولّد مجتمعة أكثر من 1500 ميغاواط عند التشغيل الكامل، لكنها بحاجة إلى صيانة مستمرة.
- محطات الساحل (بانياس، والزارة، ومحردة): تعتمد على الفيول أو الغاز، وتبلغ قدرتها الإجمالية أكثر من 2000 ميغاواط.

تحديات شبكة نقل الكهرباء
تمتلك سوريا نحو 5 آلاف و719 كيلومترًا من خطوط نقل 230 كيلو فولت، و1594 كيلومترًا من خطوط 400 كيلو فولت.
وأدى الدمار إلى خسائر في الخطوط والمحولات، ما رفع نسبة الفاقد الفني وغير الفني إلى أكثر من 30%.
وقال مصدر رسمي في وزارة الكهرباء، إن "أعمال التأهيل جارية ضمن الإمكانات، مع إعطاء أولوية للمحطات الحيوية وخطوط النقل الرئيسة، لكننا نحتاج إلى تمويل يتجاوز 10 مليارات دولار لإعادة الشبكة إلى كفاءتها السابقة".
تكلفة تعافي قطاع الكهرباء السوري
وفق التقديرات الرسمية، فإن إصلاح محطات التوليد، وشبكات النقل، ومراكز التحويل، يتطلّب استثمارات تتجاوز 39 مليار دولار بحلول عام 2030، تشمل 18 مليار دولار لإعادة الإعمار، و21 مليارًا للتوسع المستقبلي.
كما تحتاج الحكومة إلى دعم مالي كبير لتغطية تكاليف التشغيل التي بلغت خلال الأعوام الأخيرة أكثر من 1.5 مليار دولار سنويًا.
يقول مصدر في الشركة العامة لنقل الكهرباء: "صيانة محول واحد من سعة 400/230 كيلو فولت تتطلب 24 مليون دولار، في حين يبلغ سعر الكيلومتر الواحد من خطوط التوتر العالي نحو 120 ألف دولار".

الخلاصة..
يُظهر استعراض الخط الزمني لقطاع الكهرباء في سوريا مسارًا طويلًا من التطور، تعرّض لنكسة حادة بعد 2011، وما يزال في مرحلة التعافي البطيء.
وبين واقع القدرة الإنتاجية المنخفضة، والفجوة بين العرض والطلب، وارتفاع الخسائر، يبدو أن استعادة التوازن الكامل في القطاع لن تتحقق دون دعم مالي وتقني دولي واسع النطاق.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
0 تعليق