مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا يربط 4 دول عربية.. هل يتحقق؟ (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • • خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا قد يسهم بتنويع إمدادات الطاقة في أوروبا
  • • قطر تهدف إلى الحفاظ على ريادتها في سوق الغاز المسال العالمية
  • • سقوط نظام الأسد أضاء بصيص أمل لخطّ أنابيب الغاز بين قطر وتركيا
  • • عقبات كبيرة تعترض إعادة تنشيط مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا

من بين الاحتمالات الجديرة بالملاحظة، بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، إحياء مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا، بقيمة 10 مليارات دولار، وبطول 1500 كيلومتر، الذي توقّف سابقًا بسبب مقاومة الأسد واندلاع الحرب في سوريا.

ويمثّل انهيار هذا النظام لحظة محورية لمنطقة الشرق الأوسط، حيث يعيد تشكيل مشهد الجغرافيا السياسية الإقليمية وإستراتيجيات الطاقة.

وقد أدى هذا التطور - الذي أنهى سلالة سياسية دامت 54 عامًا - إلى خلق فراغ كبير في السلطة، وتقليص نفوذ حليفَي الأسد البارزَين، إيران وروسيا، وتمهيد الطريق لتحالفات جديدة، وتعاون إقليمي، ومبادرات البنية التحتية، خصوصًا في قطاع الطاقة.

وكان من المقترح في البداية نقل الغاز الطبيعي من حقل بارس الجنوبي/القبة الشمالية في قطر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا والأسواق الأوروبية، ومن الممكن أن يعمل هذا الخط على تنويع إمدادات الطاقة في أوروبا، وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وتعزيز دور تركيا بصفتها مركزَا حيويًا للطاقة.

رغم ذلك، يواجه مشروع خط الغاز بين الدوحة وأنقرة عقبات كبيرة، حيث يمثّل الاضطراب المستمر في سوريا، والتنافس بين القوى الإقليمية، والتركيز الحالي للدوحة على توسيع قدرة إنتاج الغاز المسال لديها، تحديات كبيرة.

ويستكشف هذا التحليل جدوى خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا في حقبة ما بعد الأسد، ويستعرض تأثيره المحتمل في أسواق الطاقة والتحالفات الإقليمية مع معالجة العقبات السياسية والأمنية والاقتصادية الكبيرة التي يجب أن يتغلب عليها.

توسعة قدرة الغاز المسال في قطر

تركّز إستراتيجية قطر لصادراتها من الغاز والغاز المسال على توسيع القدرة وتنويع الأسواق.

وتخطط الدولة لتعزيز قدرتها الإنتاجية من الغاز المسال من 77 مليون طن سنويًا إلى 142 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، من خلال 3 مشروعات رئيسة، هي:

حقل الشمال الشرقي بإضافة 32 مليون طن سنويًا بحلول عام 2026-2027، وحقل الشمال الجنوبي بإضافة 16 مليون طن سنويًا بحلول عام 2027-2028، وحقل الشمال الغربي بإضافة 16 مليون طن سنويًا بحلول عام 2029-2030.

ويستكمل هذا التوسع جهود الدوحة الرامية إلى تنويع الأسواق، خصوصًا من خلال تعزيز مكانتها في الأسواق الآسيوية، التي تمثّل حاليًا أكثر من 70% من الصادرات، وزيادة تركيزها على الأسواق الأوروبية، التي تلقّت 19% من صادرات قطر من الغاز المسال في عام 2023.

وتهدف الدولة الخليجية إلى تأمين عقود طويلة الأجل مع دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، للحفاظ على استقرار السوق.

مجمع راس لفان للغاز المسال في قطر
مجمع راس لفان للغاز المسال في قطر – الصورة من (إل إن جي برايم)

بالإضافة إلى ذلك، تستفيد من تكاليف إنتاجها المنخفضة وموقعها الجغرافي الإستراتيجي، لتظل قادرة على المنافسة في السوق العالمية.

وتعمل البلاد على توسيع أسطول شحن الغاز المسال، مع خطط لإضافة أكثر من 100 سفينة جديدة على أحدث طراز بحلول عام 2024، لتعزيز قدراتها التصديرية.

وتماشيًا مع أهداف تحول الطاقة العالمي، تعمل قطر على وضع الغاز الطبيعي بديل طاقة نظيفًا واستكشاف فرص إنتاج الهيدروجين والأمونيا منخفضة الكربون باستعمال الغاز الطبيعي مادة خامًا.

وتضمن هذه الإستراتيجيات الاستقرار طويل الأمد من خلال تأمين الطلب بموجب عقود طويلة الأجل والاستثمار في البنية التحتية لدعم قدرتها الإنتاجية الموسّعة.

ومن خلال التركيز على هذه المجالات، تهدف قطر إلى الحفاظ على ريادتها في سوق الغاز المسال العالمية، والتكيف مع ديناميكيات السوق المتطورة والمخاوف البيئية.

خط أنابيب قطر-تركيا في سوريا ما بعد الأسد

لقد أضاء سقوط نظام الأسد بصيص أمل لمشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا، الذي قد يمضي قدمًا بعد أن أوقفه الأسد.

وفي حالة تحقُّق المشروع، فإنه يقدّم إمكانات مغرية لكل من المنطقة وأوروبا، بما في ذلك تنويع إمدادات الطاقة في أوروبا وتعزيز دور تركيا بصفتها مركزًا للطاقة.

رغم ذلك، ينطوي هذا الإمكان على مجموعة من التحديات، لأن من شأن الاضطراب السياسي المستمر في سوريا، والمصالح الإقليمية المتنافسة، وتحوّل تركيز الاتحاد الأوروبي نحو مصادر الطاقة المتجددة، أن يعقّد المفاوضات ويعرّض جدوى المشروع على المدى الطويل للخطر.

في المقابل، هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية المحطمة في سوريا ما بعد الحرب.

وقد خلق انهيار نظام الأسد وضعًا متقلبًا قد يسرّع من تطوير خط الأنابيب إذا كان مدعومًا بدعم دولي لإعادة إعمار سوريا.

من ناحيتهم، قد يختار أصحاب المصلحة توخّي الحذر، في انتظار حكومة سورية مستقرة قبل الالتزام بمثل هذه الاستثمارات واسعة النطاق.

وإذا ظلت سوريا غير مستقرة، فقد يكون من الضروري استكشاف طرق بديلة، الأمر الذي من شأنه أن يغيّر جذريًا نطاق المشروع وتأثيره المحتمل.

وفي نهاية المطاف، يتوقف تحقيق ممر الطاقة هذا على الدبلوماسية الحذرة، والتخطيط الإستراتيجي، والقدرة على التعامل مع المشهد المعقّد في مرحلة ما بعد الأسد في سوريا، وهو ما يجعل مسار تقدُّمه أكثر تشويقًا من أيّ وقت مضى.

مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا

قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، كانت المناقشات جارية بشأن مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا الذي ظل معلّقًا لمدة طويلة.

واقتُرِح هذا الخط الإستراتيجي الذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر، وتكلفته 10 مليارات دولار، في عام 2009، ورفضه نظام الأسد، بهدف نقل الغاز الطبيعي من حقل بارس الجنوبي/القبة الشمالية في قطر إلى محطات التوزيع التركية.

ناقلة غاز مسال تتجه نحو محطة طاقة كهروحرارية شرقي طوكيو في اليابان
ناقلة غاز مسال تتجه نحو محطة طاقة كهروحرارية شرقي طوكيو في اليابان – الصورة من رويترز

وسوف يمر خط الأنابيب عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا، ما يوفر لقطر طريقًا برّية مجدية من حيث التكلفة إلى الأسواق الأوروبية، ويزيد بشكل كبير من أحجام صادراتها من الغاز.

وفي الوقت الحالي، يصل الغاز القطري إلى أوروبا فقط في صورة غاز مسال يُشحَن عن طريق البحر، ما يجعل خط الأنابيب فرصة تحويلية لكل من أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية.

وقد اكتسب إحياء المشروع المحتمل زخمًا مع إفصاح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، عن دعم مشروط.

وأشار إلى أن مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا يمكن أن يمضي قدمًا إذا حققت سوريا سلامة أراضيها واستقرارها، مؤكدًا الحاجة إلى طريق آمن.

من ناحية أخرى، يتوافق استكمال خط الأنابيب مع الأهداف الإستراتيجية التركية في مجال الطاقة، وسيشكّل خطوة حاسمة في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء سوريا بعد الحرب.

رغم ذلك، فإن نجاح المشروع يتوقف على معالجة التحديات السياسية والأمنية المباشرة التي تواجه سوريا، إلى جانب ضمان التعاون الدولي والتوافق بين أصحاب المصلحة الإقليميين.

التداعيات الجيوسياسية لخط الأنابيب

من الناحية الجيوسياسية، قد يغير خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا بشكل كبير توازن القوى في المنطقة، فبالنسبة لأوروبا، يوفر خط الأنابيب مصدرًا بديلًا للغاز، ما يقلل من الاعتماد على الطاقة الروسية ويعزز أمن الطاقة.

وفي الوقت نفسه، قد يقوّض هيمنة روسيا في المنطقة ونفوذها على أسواق الطاقة الأوروبية.

وبالنسبة لتركيا، فإن خط الأنابيب من شأنه أن يعزز دورها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط، ما يمنحها نفوذًا كبيرًا على جهود الاستقرار الإقليمي وتدفقات الطاقة المستقبلية.

رغم ذلك، تظل الديناميكيات الدبلوماسية المعقّدة التي تشمل تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية وإيران، إلى جانب المخاطر الأمنية الإقليمية المستمرة، تشكّل عقبات كبيرة.

وفي حال إنجازه، فقد يحوّل خط الأنابيب بين قطر وتركيا أسواق الطاقة، ويخلق فرصًا اقتصادية من خلال رسوم العبور وتطوير البنية الأساسية، وربما يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية.

على صعيد آخر،، فإن مستقبله يعتمد على التغلب على التحديات السياسية والأمنية والدبلوماسية الكبيرة.

ومع تطور مسار ما بعد الأسد في سوريا، فإن الأشهر المقبلة سوف تحدد ما إذا كان هذا المشروع الطموح قادرًا في النهاية على المضي قدمًا، بما يترتب على ذلك من آثار عميقة بمشهد الطاقة في الشرق الأوسط وأوروبا.

محطة مرمرة إيريغليسي لتخزين الغاز المسال في تركيا
محطة مرمرة إيريغليسي لتخزين الغاز المسال في تركيا – الصورة من وكالة أنباء الأناضول

عقبات تحول دون تنفيذ خط الأنابيب

ما تزال هناك عقبات كبيرة تعترض إعادة تنشيط مشروع خط الأنابيب بين قطر وتركيا، ويتمثل العائق الأساس في حاجة سوريا إلى تحقيق الاستقرار والسلامة الإقليمية.

ولكي يمضي المشروع قدمًا، لا بد أن يكون مسار خط الأنابيب آمنًا، وهو أمر يشكّل تحديًا خاصًا بالنظر إلى الحالة الحالية في سوريا بعد سنوات من الحرب الأهلية.

لذلك، لا بد من تعاون دولي كبير لتحقيق الاستقرار السياسي والدبلوماسي، كما أن إدارة العلاقات المعقّدة بين الدول الإقليمية تشكّل تحديًا كبيرًا.

وتزداد المفاوضات تعقيدًا بسبب ظهور لاعبين سياسيين جدد، مثل هيئة تحرير الشام في سوريا، وهو ما قد يعطّل الاتفاقيات، ويزيد من عدم الاستقرار.

وقد تؤدي قدرة خط الأنابيب على المرور عبر المناطق البحرية المتنازَع عليها إلى إثارة الاضطرابات السياسية، ما يشكّل خطرًا إضافيًا على تنفيذه.

ويتطلب تطوير البنية الأساسية بشكل عاجل تمويلًا كبيرًا، خصوصًا في سوريا، حيث "تفتقر إلى كل شيء". ويتعين على المشروع أن يواجه المقاومة الإقليمية ومتطلبات السوق المتغيرة.

وقد تتأثر الجدوى الاقتصادية لخطّ الأنابيب، بشكل كبير، بديناميكيات سوق الغاز العالمية والعرض الزائد المحتمل.

وشأنه شأن مشروعات خطوط الأنابيب الأخرى في المنطقة، يواجه خط أنابيب قطر-تركيا معارضة من اللاعبين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك البلدان ذات المصالح الجيوسياسية المتنافسة، أو تلك المستفيدة من طرق توصيل الطاقة الحالية.

بالإضافة إلى ذلك، وحسبما أظهرت مشروعات خطوط الأنابيب السابقة، قد يكون من الصعب الاتفاق على أسعار الغاز وتقييم العقود الطويلة الأجل دوريًا.

وإذا لم تُعالَج هذه القضايا من خلال إعادة تنظيم الأولويات بشكل كبير والجهود المتضافرة من جانب جميع الأطراف المعنية، فإن خط أنابيب قطر-تركيا يظل احتمالًا بعيدًا وغير مؤكد.

منشأة سيليفري لتخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض بمدينة إسطنبول في تركيا
منشأة سيليفري لتخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض بمدينة إسطنبول في تركيا – الصورة من وكالة الأناضول للأنباء

الخلاصة

أعاد انهيار نظام الأسد فتح المناقشات بشأن مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا، إلّا أنه يواجه العديد من التحديات الكبيرة المتعلقة بالأمن والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية.

وعلى الرغم من فوائده المحتملة، فإن الجمع بين تركيز قطر على توسيع إنتاج الغاز المسال وعدم الاستقرار الإقليمي وظروف السوق المتغيرة يجعل من خط الأنابيب احتمالًا طموحًا، ولكنه بعيد المنال.

ويتمثل التحدي الأساس في أن الغاز الذي كان مخصصًا سابقًا لهذا المشروع أصبح الآن مخصصًا لمشروعات توسعة الغاز المسال في قطر.

وفي الوقت الحالي، لا يوجد طلب في السوق على مثل هذا المشروع، وتشكّل المخاوف الأمنية الكبيرة، إلى جانب الافتقار إلى الموارد المالية، عقبات رئيسة إضافية.

إضافة إلى ذلك، فإن المشهد الجيوسياسي الحالي ــالذي يتّسم بالمنافسة الشديدة على موارد الطاقة الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي المستمر في الشرق الأوسطــ يزيد من تعقيد أيّ تعاون محتمل.

ويعني الفشل في التوصل إلى موقف موحّد بين اللاعبين الإقليميين الرؤساء، مثل قطر وتركيا وغيرهما من الدول المستهلكة للطاقة، أن خط الأنابيب يظل مشروعًا طموحًا، ولكنه غير مرجّح.

ولكي يتسنّى المضي قدمًا، فلا بد من إعادة تنظيم الأولويات الإقليمية جوهريًا، وتنسيق الجهود لمعالجة المخاوف الأمنية وتحديات التمويل.

وإلى أن تُحَلّ هذه القضايا، يظل خط الأنابيب بين قطر وتركيا احتمالًا بعيد المنال ومشروعًا غير قابل للتنفيذ.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق