يُعَد شرط زيادة واردات النفط والغاز أحدث حلقات حملة التهديدات التي يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، لبدء مدته الرئاسية الجديدة بها.
ورغم أن التهديد والوعيد ليس أمرًا جديدًا على سياسة ترمب؛ فإن اللافت هذه المرة أنه طال حلفاءه في دول الاتحاد الأوروبي، مع استعماله الهيدروكربونات سلاحًا في ظل نقص الإمدادات الذي تعانيه القارة العجوز، بعد اضطراب الطاقة الروسية.
ووفق تحديثات خرائط الشراء لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يبدو أن أوروبا مقبلة على منعطف خطير يُشكِّل مفترق طرق؛ إذ استعاضت عن إمدادات الطاقة الروسية بمحاولة تنويع مواردها من أميركا وأفريقيا، لكن واشنطن استحوذت على النصيب الأكبر.
ويبقى السؤال الأبرز هنا: "هل تتمكّن أوروبا من امتصاص غضب ترمب؟ وهل هناك خطط لزيادة واردات النفط والغاز من أميركا رغم ارتفاعها بالفعل؟".
سلاح واردات النفط والغاز
يرى الرئيس المنتخب دونالد ترمب، أن إقدام أوروبا على زيادة واردات النفط والغاز من أميركا، عبر إبرام صفقات ضخمة، إحدى أدوات تقليص العجز في الميزان التجاري بين الطرفين.
وفاجأ ترمب شركاءه في الاتحاد الأوروبي بتدوينة، يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، يهدد خلالها بفرض رسوم جمركية حال عدم زيادة الاتحاد وارداته من الهيدروكربونات الأميركية.
وبعد فرضه رسومًا جمركية إضافية على كندا والمكسيك والصين امتدت مقصلة ترمب إلى أوروبا، قائلًا إن جني دول القارة العجوز فائضًا لصالحها في الميزان التجاري مع أميركا يتطلب دفعها الثمن حاليًا بمحاولة معادلة هذا العجز.
ويُشير الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إلى اقتناص أميركا أعلى صادرات غاز مسال لأوروبا في الربع الثالث 2024:
واتجهت أوروبا -بالفعل- إلى زيادة واردات النفط والغاز من أميركا، وتتجاوز واردات النفط من واشنطن مليوني برميل يوميًا (بما يفوق نصف الصادرات).
وتعد: (هولندا، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك، والسويد)، أكبر الدول الأوروبية المستوردة للنفط الأميركي، بحسب ما نقلته رويترز عن بيانات صادرة عن هيئات حكومية في واشنطن.
ومن جانب آخر، لا تتسع أحجام الصادرات الأميركية لزيادة جديدة في ظل الطلب الأوروبي والآسيوي القوي عليها.
وتتطلّب الزيادة الأوروبية في واردات النفط والغاز الأميركية -حسب طموح ترمب وتهديده- وإبرام صفقات ضخمة تعزز الميزان التجاري بين الطرفين، زيادة في إنتاج واشنطن من الهيدروكربونات، أو تقليص الصادرات إلى آسيا.
كيف ترد أوروبا؟
حتى الآن، لم يصدر موقف رسمي عن الاتحاد أو المفوضية الأوروبية للرد على تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية.
وبالنظر في الخيارات الأوروبية المتاحة، نجد أن غالبية المصافي والشركات هي منشآت خاصة لا يمكن للحكومات الضغط عليها لزيادة واردات النفط والغاز من أميركا دون قرار من سلطات الدول أو إقرار رسوم.
وبدت ردود الأفعال الأوروبية الصادرة على تهديد ترمب المسبق بإمكان فرض رسوم جمركية -قبل ربطها بزيادة واردات النفط والغاز- متباينة إلى حد كبير، إذ يتجه بعض المسؤولين إلى التهدئة في حين ينظر البعض إلى التهديد بوصفه "حربًا تجارية".
ورفض رئيس حزب العمال البريطاني كير ستارمر، الرسوم الجمركية محذرًا من مخاطرها، ولم يرد بحسم على تهديد ترمب، لكنه أكد أن بلاده "تعزز تجارتها مع دول أخرى من العالم بجانب أميركا"، طبقًا لما نقلته عنه صحيفة الإندبندنت.
وكان المعهد البريطاني الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية قد حذّر من أن دفع الرسوم الجمركية في اتجاه صعويًا قد يؤدي إلى انكماش النمو الاقتصادي بمعدل النصف في البلاد.
وأشار متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لتعزيز المنفعة المشتركة في قطاع الطاقة مع الجانب الأميركي، في إطار التخلص من الإمدادات الروسية، بحسب ما نقلت عنه رويترز دون ذكر اسمه.
حرب تجارية
دعت رئيسة الوزراء الإيطالية جوجيا ميلوني، الاتحاد الأوروبي إلى التكيف مع مطالب ترامب بزيادة واردات النفط والغاز من أميركا، لتجنب ما أطلقت عليه "حربًا تجارية"، بحسب ما نقلته عنها صحيفة بوليتيكو.
وقالت ميلوني إنه يتعين التركيز على ما يمكن أن يقدمه الاتحاد الأوروبي لدول القارة، وليس ما تفعله أميركا من أجلها، داعية إلى "التوازن" في القدرة التنافسية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد عرض بالفعل شراء كميات إضافية من الغاز المسال الأميركي الذي أسهم بتعويض غياب الغاز الروسي، بالنظر إلى اعتبارات زيادة الطلب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت رئيسة المفوضية "أورسولا فون دير لاين" عن أن الاتحاد الأوروبي يدرس شراء شحنات غاز أميركي إضافية، في محاولة لتحجيم الواردات من روسيا واستبدالها.
وبعد تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية قدرها 20% على الواردات الأميركية غير الصينية، تصاعدت الدعوات لزيادة المشتريات من واشنطن.
وسارع محللون للدعوة إلى زيادة مشتريات الغاز الأميركي تجنبًا لتهديدات ترمب لدول الاتحاد، وفق فايننشال تايمز.
وأكد رئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا، أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي الاستعداد للرد على تهديدات ترمب؛ ما عزز حالة عدم اليقين بشأن مستقبل التجارة بين البلدين، وفق ما نقله الموقع الإلكتروني لقناة سي إن بي سي (CNBC).
غياب الإستراتيجية
يُشير الصمت الأوروبي في الرد على تهديدات ترمب حتى الآن إلى غياب إستراتيجية تجنب الحرب التجارية بين الطرفين، رغم تأثير التهديد في بعض الحكومات والشركات بالقارة العجوز.
ولم يبد مسؤولو الاتحاد خطوات فعلية في تشكيل تحالف تجاري مشترك يضمن تقليص تهديد ترمب، ما يفتح بابًا من المجهول أمام مستقبل تبادل السلع والخدمات مع أميركا خاصة في ظل تفاقم الأحداث الجيوسياسية العالمية.
وبصورة إجمالية، فاقت قيمة التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وأميركا 1.5 تريليون دولار، العام الماضي (2023)، لكن العجز التجاري الأميركي كان واضحًا.
وبدأت جهود أوروبية -غير معلنة رسميًا- في بحث تداعيات فرض الرسوم الجمركية على القطاعات والسلع الأوروبية، وفق ما كشفت عنه مصادر لصحيفة نيويورك تايمز.
ويُشار إلى أن تصاعد الحرب التجارية بين الاتحاد الأوروبي وأميركا لم يكن حديث العهد، إذ سبق أن شن ترمب هجومًا مماثلًا عام 2018 خلال ولايته الرئاسية السابقة، وفاقمت المفوضية آنذاك من ردها لتفرض رسومًا على سلع أميركية بقيمة 3.2 مليار دولار.
ومن السيناريوهات المطروحة أيضًا، انخراط الشركات الأوروبية في الصناعات الأميركية، عبر نقل الإنتاج أو بعض مراحل سلاسل التوريد إلى واشنطن.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- متحدث باسم الاتحاد الأوروبي يبدي الترحيب بزيادة التعاون مع أميركا في قطاع الطاقة، من رويترز.
- انتقادات رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للرسوم الجمركية الأميركية على أوروبا، من إندبندنت.
- رئيسة الوزراء الإيطالية تدعو للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة تجنبًا لـ"حرب تجارية"، من بوليتيكو.
- مرونة الاتحاد في شراء المزيد من الغاز المسال الأميركي، من فايننشال تايمز.
- سيناريوهات أوروبية "غير معلنة" للرد على تهديد ترمب، من نيويورك تايمز.
- رئيس الوزراء الإيطالي السابق يدعو الاتحاد الأوروبي للرد على ترمب، من سي إن بي سي.
0 تعليق