رسائل علال الفاسي تزيح ضباب "حقائق ضائعة" للمغرب المحتل والمستقل

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رسائل “ذات قيمة تاريخية كبرى” خطّها علال الفاسي، أحد أبرز الوجوه السياسية والثقافية المغربية المدافعة عن الاستقلال زمن الاحتلال الأجنبي، يُتاح الاطلاع عليها للقراء، بعد صدورها عن “منشورات مؤسسة علال الفاسي”.

هذه الرسائل، الصادرة في جزء ثان من 450 صفحة أعدها ودرسها المختار باقة، سبقها جزء أول صدر قبل ما يربو على عشرين سنة نسّقه شيبة ماء العينين، ومن المرتقب أن يرى النورَ جزؤُها الثالث في وقت قريب، إذ استُكمِل إعداده وفق ما استقته هسبريس.

إزاحة الضباب “السياسويّ”

من بين ما تتيحه هذه الرسائل، وفق دراسة باقة التي تقدّمها، “إزاحةٌ بشكل كبير للضباب الذي كان يخيّم على حقيقة مجموعة من الأحداث والوقائع التي عرفتها البلاد خلال الفترة الممتدة من سنة 1930 إلى سنة 1974”. كما “كشفت اللبس الذي حال – ولا يزال – دون معرفة الحقيقة الكاملة لتاريخ وطننا وما عاشه من أحداث جسام، وما لعبه رجال كبار من أدوار مهمة وحاسمة في تحقيق استقلال هذه البقعة من المعمور”.

وأكّد المختار باقة أن هذه الرسائل “عبارة عن وثائق تاريخية مهمة، زاخرة بالمعلومات القارة والثابتة”، وهي “فرصة سانحة ومفتوحة في وجه المؤرخين والباحثين من أجل قراءتها وتحليلها، وتحقيقها والبحث فيها، والتنقيب ضمنها عن الحقائق التاريخية الضائعة في إطار الصراع السياسوي الهدام، والمقارنة بينها وبين ما كتب – إلى حد الآن- من تاريخ المغرب”.

ومن بين الشخصيات البارزة التي وُجّهت إليها رسائل علال الفاسي: عبد الله كنون، محمد داود، شكيب أرسلان، طه حسين، المهدي بن بركة، عبد المجيد بنجلون، ومحمد العربي المساري.

كما أنها مقسّمة من حيث المواضيع بين “القسم الديني الإسلامي” المعتمد على “مفهوم الأمة الإسلامية الواحدة”، والقسم العروبيّ الذي “يعلي من شأن رابطة القربى والدم واللغة والجنس ويعتمد كثيرا على مقومات التاريخ والأرض والآلام والآمال والمصير المشترك”، و”القسم السياسي الوطني” الذي “يعتمد الوطن القطري الواحد الذي هو المغرب، ذو الحدود المعروفة والمضبوطة ويستثمر الحس الوطني الذي يعبّر عن وحدة الشعب بمختلف شرائحه وتنوع أصوله”، ثم “القسم الفكري الثقافي والأدبي” الذي “يعتمد الدفاع عن مكونات الهوية المغربية العربية والأمازيغية والإسلامية المتمثلة على الخصوص في فكر وثقافة وآداب وفنون هذا البلد”.

أما “القسم الاجتماعي العائلي والشخصي” المعبر على “الهموم الاجتماعية، والمسائل العاطفية: العائلية والشخصية”، فيغيب بشكل كبير على الجزء الثاني المنشور حديثا، لكونه سيكون الموضوع الأساس للجزء الثالث من “رسائل تشهد على التاريخ”.

رسائل للتاريخ

يرى دارس الرسائل المختار باقة أنها معبرة “بشكل جلي على ما تحلى به الزعيم الراحل علال الفاسي رحمه الله من إدراك قوي لسيرورة الأحداث الدولية في عهده، وتبين ما اتصف به من وعي كبير بتداخل المصالح بين البلدان وتضاربها. كما توضح مدى قدرته على الوعي الكامل بطبيعة الثغرات الموجودة في النظام العالمي آنذاك، ومدى إدراكه لكيفية النفاذ من هذه الثغرات لخدمة مصالح وطنه والدفاع عنها”.

ومما تعكسه الرسائل: “وعي مجايلي علال الفاسي من الساسة والمفكرين وإحساسهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم إزاء بلدهم ومواطنيهم؛ وهو الوعي والإحساس اللذان، مع كامل الأسف، لم نعد نستشعرهما بالشكل المطلوب لدى نخبنا السياسية والثقافية الحالية”.

ثم استرسل شارحا: “من خلال هذه الرسائل والمذكرات والتقارير يقف الباحث متعجبا ومنبهرا من العلاقة الوطيدة والقوية التي كانت موجودة بين الحاكمين والنخب السياسية والثقافية. تلك العلاقة المبنية على الاحترام والتقدير. التي يؤطرها بالأساس الاتفاق على الأهداف الكبرى والمبادئ المثلى. وهو الشيء المتمثل في مفهوم ومبدأ: (المصلحة العامة والعليا للبلد)، وبالتالي العمل معا على خدمة هذا الهدف السامي، وتنميته وتطويره في إطار ميكانيزم وآلية: (الثابت والمتحول)، وذلك بالسعي الحثيث إلى تركيز ثوابت الأمة، والانفتاح المطلق خارج هذه الثوابت على ما هو جديد ومتحول”.

وساهم هذا، بالفعل، وفق الدارس، “في الحرص على تحقيق الوحدة بين جميع المكونات السياسية بمختلف مشاربها ومواقعها، في حدها الأدنى -على الأقل- فيما يتعلق بثوابت الأمة المغربية”.

كما تعكس الرسائل توفيق علال الفاسي ومجايليه “بنوع من الجدلية الديناميكية بين ثنائيتين تبدوان متناقضتين ومتقابلتين: النحن والآخر، والشرق والغرب”، وتُبدي “مدى قدرة الزعيم الراحل علال الفاسي ورفاقه في الدرب على الإدراك الحقيقي للعلاقة الجدلية بين مكونات الثالوث: الوطن، القومية، الدين”.

وأردف الدارس موضّحا أن “هؤلاء الساسة والزعماء استطاعوا بإدراكهم هذا أن يميزوا بدقة متناهية الحدود الفاصلة والمحددة لهذه المكونات الثلاثة”، وهو ما نتج عن “العلاقة المتينة بين المفكرين المغاربيين، وعلى رأسهم علال الفاسي وعبد الحميد ابن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، وبين مفكري النهضة العربية بالمشرق، وخاصة: شكيب أرسلان، محمد عبده، جمال الدين الأفغاني. هؤلاء الذين آمنوا بأن الإصلاح لا يتم إلا عن طريق التوفيق بين مجموعة من المكونات التي تبدو متناقضة ومتقابلة إلى حد كبير. وقد تمكنوا بالفعل من ذلك، ونجحوا إلى حد كبير في مهمتهم الفكرية والتعبوية؛ وهو ما جعل الأمة تلتف حولهم وتقتنع بهم”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق