- ظاهرة طلعت حماد الوزير الفتوة في حكومة الدكتور كمال الجنزوري
- صدام صفوت الشريف مع طلعت حماد في مجلس الوزراء
- سر تجريد عبد المنعم عمارة من صلاحيات رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة
- كيف تم إسناد منصب وزير الداخلية لحبيب العادلي بالرغم من مسؤوليته عن حادث الأقصر
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.
أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع "الجمهور" بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.
في هذه الحلقات التي ينشرها موقع "الجمهور" يوم "الجمعة" من كل أسبوع، يروي الكاتب والبرلماني مصطفى بكري شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.
1- تشكيل حكومة الجنزوري
فى يناير من العام 1996 جرى تكليف الدكتور كمال الجنزوري برئاسة الحكومة، حيث بدأت ملامح التغيير الوزاري تتكشف، وكان من بين المعلومات التي ترددت فى هذا الوقت، تكليف المستشار طلعت حماد بمنصب وزير العدل، ثم جرى صرف النظر عن تعيينه فى المنصب، وجرى الإبقاء على المستشار فاروق سيف النصر فى موقعه «وزيرا للعدل»، فيما بقى البحث جاريا عن حقيبة وزارية لطلعت حماد، حتى وقت متأخر قبيل إعلان التشكيل الوزاري، وهنا جرى التضحية بالمستشار أحمد رضوان، وحل بدلا منه طلعت حماد، كوزير لشئون مجلس الوزراء.
كان طلعت حماد، يأمل فى تولى منصب وزير العدل، إلا أنه راح يردد المقولة الشهيرة، «أنا الذى يصنع الكرسي، وليس الكرسي هو الذى يصنعني».. ومنذ هذا الوقت، بدأ طلعت حماد يعتلى الكرسي الجديد، ويضيف إليه من عندياته كراسي أخرى من خلف ظهر الجميع، حتى تراكمت الكراسي، فأضحت بطول كرسي العرش البريطاني.. ورغم أن هناك قاعدة تقول أن أي وزير جديد فى حاجة إلى عدة أشهر لمراجعة أوراق عمله، ودولاب وزارته، سعيا لفهم كل كبيرة وصغيرة، إلا أن طلعت حماد شرب الصنعة منذ اليوم الأول!!
ومع أن كرسي الوزارة الذى جلس عليه طلعت حماد، لم يزد عمره على أكثر من عام وثمانية أشهر، إلا أن الرجل، نجح وبحق فى فرض سطوته على الكثير من زملائه، الذين آثروا السلامة، كما أنه صاغ لنفسه شبكة علاقات قوية مع النافذين، الذين هم دائما فى حاجة إليه، بوصفه الوزير المسئول عن شئون مجلس الوزراء.
فى هذا الوقت، رحت أنشر الكثير من الوقائع، والتي راحت تتردد بقوة عن الوزير طلعت حماد، وأكدت أن رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، ليس سهلا، وأنه حريص على متابعة كل شيء، ودقيق فى كل شيء، وأنه من خيرة من تبوأوا هذا الموقع، لكن هذه العلاقات تنسج بعيدا عن العيون، فمن يدريه بعلاقة طلعت حماد بهذا الشخص، أوذاك..
بل وأعربت عن ثقتي أن الجنزوري، الذى أجمع الكل حول شخصه، وقوته، وقدرته على إحداث الانسجام داخل المجلس بدرجة كبيرة، ربما للمرة الأولى منذ وقت طويل، لن يغمض عينيه عن الوقائع التي تنشر، ولن يصمت أمام الحديث المتناثر، والعلاقات المتشابكة التي تخص واحدا من أقرب المقربين إليه داخل هذا المبنى العتيق، لأننا ندرك عن يقين أن هذا الرجل لن يألوا جهدا فى التحقيق حول كل ماينشر، سواء فيما يمس هذا الشخص، وعلاقاته داخل وخارج مجلس الوزراء.
2- ظاهرة الوزير طلعت حماد
لقد أطلقت حملة فى صحيفة «الأسبوع» بدأتها فى الخامس عشر من سبتمبر 1997 ضد الوزير طلعت حماد، الذى تحول إلى ظاهرة فى مجلس الوزراء، ففي المانشيت الرئيسي للصحيفة الصادر فى هذا التاريخ، كتبت «ظاهرة طلعت حماد - الوزير الفتوة فى مجلس الوزراء»، ورحت أصفه بالرجل القوى، الذى يأمر فيطاع، ويصدر القرارات من غرفة مكتبه، فتسرى على الجميع بلا استثناء.. الكل يسعى إلى خطب وده، والكل يطلب الرضى من الرجل الذى يتعامل داخل مجلس الوزراء بمنطق «الفتوة» وكان بيده الحل والعقد.. كان باديا، ومنذ أن جاء طلعت حماد إلى منصبه، ليتولى موقعه الوزاري أنه دقق النظر جيدا فى كل شيء، وأدرك أن منطق الأمر الواقع يفرض نفسه، وأن صياغة المعادلة هي من صنع الفرد، وأن الشخصية هي التي تعطى وزنا للكرسي، وليس الكرسي هو الذى يمنح الشخصية وضعا متميزا.. ولأنه وزير جريء، ومقدام، قرر أن يوظف موقعه توظيفا فاعلا، مستغلا فى ذلك قربه من الدكتور الجنزوري، الرجل المنهمك صباح مساء فى الأوراق والأرقام وهموم الناس، ومشاكلهم بطريقة حازت إعجاب الجميع، وكأننا نرى مقعد رئيس الوزراء، وقد شغل للمرة الأولى منذ وقت طويل.
طلعت حماد
كانت الممارسات المتعجرفة لطلعت حماد، حافزا للتصدي لسلوكياته غير المسبوقة داخل مجلس الوزراء، فرحت أكشف النقاب عن صداماته مع الوزراء المعنيين داخل مجلس الوزراء، خاصة بعد أن منح لنفسه اختصاصات أكبر بكثير من موقعه.. دخل فى معركة حامية الوطيس مع صفوت الشريف، وزير الإعلام، وراح ينصب من نفسه متحدثا رسميا لرئيس الوزراء، حيث شهدت قاعات المجلس صراعا مكتوما، سرعان ماتفجر، وأصبح حديث كافة الأوساط، حيث راح صفوت الشريف يتمسك بدوره كمتحدث رسمي باسم مجلس الوزراء، فى تقديم وإعلان كل القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، والرد على كل الاستفسارات المتعلقة به.. كان هذا هو الوضع الطبيعي، والمعتاد، لكن الوزير طلعت حماد، وحين جاء إلى منصبه، سعى، ومنذ البداية لأن يجعل من نفسه ناطقا باسم مجلس الوزراء، على اعتبار أنه الوزير المختص بشئون المجلس، والمعد لجدول أعماله وقراراته بعد موافقة أو طلب رئيس الوزراء، ومن ثم فهو يرى أنه الأكثر قدرة على شرح ماهية هذه القرارات، وتقديمها إلى الشعب.
ورحنا فى هذا الوقت نرصد محاولات طلعت حماد لضم المزيد من الاختصاصات إلى منصبه، كصاحب قبضة قوية فى تعيين الوزراء أو عزلهم، حيث تردد فى هذا الوقت أنه هو الذى وقف وراء قرار فصل وزارة التعليم العالي عن وزارة التربية والتعليم، وكذلك إلغاء وزارة الحكم المحلى، واختراع وزارة جديدة أطلق عليها اسم وزارة «تنمية الريف» تم إسنادها للدكتور محمود شريف، فجردته من كل سلطة فاعلة على المحليات، وتحولت السلطة بمجملها إلى طلعت حماد، حتى وإن كانت مسندة شكلا إلى رئيس الوزراء، الذى يتولى إلى جانب منصبه، سلطات عديدة، تبدأ بالتخطيط، وتنتهى برئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وتردد فى هذا الوقت أيضا أن طلعت حماد هو صاحب اقتراح تجريد د.عبد المنعم عمارة من سلطاته الواسعة، وإقناع الجنزوري بترؤس المجلس الأعلى للشباب والرياضة من الناحية القانونية، فاستمرت التجربة حينا، ثم عاد رئيس الوزراء لي… حين تصدينا لممارسات طلعت حماد، وجبروته، لم يدر بخلدنا أن تشتبك معنا صحيفة معارضة، لتلوى عنق الحقيقة فيما نستهدفه للصالح العام، حيث خرجت علينا صحيفة «الوفد» المعارضة زاعمه أن ما وصفته بـ«الحملة» على طلعت حماد هو «مؤامرة» تجرى بتعليمات من بقايا «التنظيم الطليعي»، وأن هدفها الأوحد هو الوقيعة بين المستشار طلعت حماد والدكتور كمال الجنزورى، وهو أمر أصابني شخصيا بالدهشة، ولم أجد من تفسير وراء هذا الأمر سوى مجاملة طلعت حماد على حساب الحقيقة.. لقد فوجئ طلعت حماد بحملتنا الدقيقة ضده، فتلك هي المرة الأولى التي يجد فيها نفسه، وجها لوجه، مع الصحافة.. لقد ظن نفسه طيلة الفترة السابقة أنه فوق النقد، وأن أحدا لا يستطيع الاقتراب منه، لأنه ليس سهلا، ولأن لحمه مر، ولأن وقائع ماكان يجرى بينه وبين زملائه، دفعت البعض منهم إلى تحاشيه، والبعد عنه، وكتمان الأمور فى الصدور، ولهذا اندهش .
ويبدو أن حملة صحيفة «الوفد» لم تكن سوى البداية لحملات مسمومة، راحت تنطلق بكل قوة ضدي، مستهدفة تهديدي، والإساءة إلى، لذا رحت أرد بحسم على طلعت حماد فى العدد الصادر فى 13أكتوبر 1997، وأقول له: «التهديدات التي تعلنها على الملأ لا تخيفنى، والذين يتولون حملات الدفاع عنك ليست لهم أي مصداقية فى الشارع، لقد توسط كثيرون وأنت تعرفهم، فأرجوك أن تكف عن التهديدات بسجنى، وإغلاق صحيفة «الأسبوع»، وجعلي عبرة وعظة.. ثق يا سيادة الوزير بأن الروح لا يأخذها إلا اللي خالقها، وبأن لغة الخوف انتهى زمانها، وبأن مصر ليست عزبة لك أولغيرك.. لقد تعرضت خلال الأيام الماضية لحملة مسمومة من بعض الكتبة، الذين يكتبون بالريموت كنترول، وكتمت غيظي والتزمت الصمت.. أما أن يصل الأمر إلى حد التهديد، وفى العلن، فثق بأنني لست من هؤلاء الذين يقال لهم بخ، فيبخوا، أتمنى أن تكون الرسالة وصلت».
3- مكالمة صفوت الشريف
وفى صبيحة أحد الأيام، حدثني السيد صفوت الشريف، وزير الإعلام وطلب مقابلتى على الفور، وذهبت إليه فى مبنى الوزارة، وبادرنى بأنه كان فى اجتماع مع رئيس الجمهورية، وأنه طلب منه مقابلتي وإنهاء الأزمة بيني وبين طلعت حماد.
صفوت الشريف
- قلت لصفوت الشريف: أنا لا أتحدث إلا بالحقائق.
- قال لي: الكل يتهمني بأنني وراء هذه الحملة.
- قلت له: وهل أنت وراء الحملة؟!
- قال: أنت أدرى!
- قلت له: يا سيادة الوزير، لدى حلقة أخيرة لابد من نشرها.
حاول الوزير إثنائي عن الحلقة، إلا أننى أبلغته بأنني لن استطيع التراجع عن موقفي.
فى نفس اليوم اتصل بي اللواء حبيب العادلي، وكان رئيسا لجهاز مباحث أمن الدولة فى هذا الوقت، وطلب مقابلتي، فذهبت إليه فى مكتبه بلاظوغلى، واستمرت المقابلة ثلاث ساعات، طلب منى فيها وقف الحملة ضد المستشار طلعت حماد، فقلت له إن هناك حلقة أخيرة أنا متمسك بنشرها، حاول اللواء العادلي إثنائي لكنني رفضت، ثم مضيت.
اللواء حبيب العادلي
كان واضحًا أن حبيب العادلي مكلف بإقناعي بوقف الحملة ضد الوزير طلعت حماد، ولذلك راح يبلغه فى هذا الوقت بأنه نجح فى إقناعي، كما علمت بعد ذلك..
عندما وقع الحادث الإرهابي فى صحراء الأقصر فى 17 نوفمبر من عام 1997، تم إبعاد اللواء حسن الألفي، عن منصبه كوزير للداخلية بتهمة التقصير، وحل مكانه اللواء حبيب العادلي فى منصب وزير الداخلية، مع أنه يعتبر هو المقصر الأول بصفته رئيسًا لجهاز مباحث أمن الدولة فى هذا الوقت، ولكنني أدركت أن لطلعت حماد دورًا كبيرًا فى الإتيان بحبيب العادلي وزيرًا للداخلية فى هذا الوقت.
0 تعليق