رأس السنة الأمازيغية الموافق 13 يناير من كل سنة، رغم أن عطلته الإدارية الرسمية يوم 14 يناير في المغرب، يُعد مناسبة ذات خصوصية كبيرة حيث يُحتفل بها بشكل تقليدي في مناطق مختلفة من مدن المملكة. وهي تمثل جزءًا من الهوية الثقافية والتاريخية للعديد من الأسر المغربية، وتحمل معها رمزية قوية تتعلق بالموروث الزراعي والتقليدي للمجتمع الأمازيغي.
وتختلف مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية باختلاف المناطق المغربية، حيث يحرص المواطنون عامةً والأمازيغ خاصةً على إحياء هذه المناسبة من خلال تنظيم الولائم العائلية، وتناول الأطعمة التقليدية، ومشاركة مظاهر الفرح مع بعضهم. فهذه المناسبة ليست مجرد احتفال عابر، بل هي فرصة للتأكيد على تمسك المغاربة بهويتهم الثقافية واعتزازهم بتاريخهم الأمازيغي العريق، وكذلك للتعبير عن التضامن الاجتماعي والتآزر بين أفراد المجتمع.
كما أن رأس السنة الأمازيغية يمثل مناسبة للاحتفاء بالسلام بين الثقافات والأعراق المختلفة في المغرب. فعلى الرغم من أن الاحتفال به يرتبط بشكل وثيق بالثقافة الأمازيغية، إلا أنه اليوم أصبح يشمل جميع مكونات المجتمع المغربي، سواء كانوا أمازيغًا أو غيرهم، خاصة بعد أن تم الاعتراف بها كعيد وطني رسمي.
في هذا السياق، قال الحسين الإحسيني، فاعل مدني ونائب رئيس جماعة أملن، إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية في تزنيت والمناطق المجاورة يكتسي طابعًا شعبيًا منذ القدم. وأضاف أن هذه العادة متجذرة في وجدان الساكنة، ويتم إحياؤها من خلال إعداد بعض الأكلات المحلية، مثل وجبة “أوركيمن” التي ترتبط بالمحصول الزراعي وما تنتجه الأرض من حبوب وقطاني، حيث يتم إعدادها احتفاءً بهذه السنة التي لها ارتباط بالأرض والهوية عبر الطبخ المحلي.
وأوضح الإحسيني أنه يتم أيضًا إعداد وجبات أخرى، مثل “إدرنان”، وهو عبارة عن “بغرير” يُعد محليًا بطريقة خاصة ويمزج بمواد أخرى، مثل “تاركوكوت”. وأشار إلى أن هذه الأطعمة المحلية تُعد سنويًا من طرف نساء المنطقة في كل دوار وكل قرية.
وأضاف الإحسيني أن هذا الاحتفاء الشعبي زادت أهميته بعد الاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية، الذي تم إقراره من طرف الملك محمد السادس سنة 2023 واعتمادها كعطلة رسمية مؤدى عنها. وأوضح أن الاعتراف الرسمي أضاف للاحتفال بهذه المناسبة عمقًا أكثر من خلال انخراط الجمعيات والمجتمع المدني والجماعات الترابية والمؤسسات التعليمية، مما جعل المناسبة تحظى بالتفاف شعبي واسع.
وأشار إلى أن إقليمهم يشهد تظاهرة احتفالية تُسمى “تفلوين”، تحتفي بالأرض والهوية الأمازيغية. وهي عبارة عن احتفال شعبي يجوب جميع دروب وأزقة المدينة القديمة لتزنيت، وينخرط فيه السكان بشكل تلقائي من خلال إعداد الوجبات المتنوعة، ورقصات أحواش، والفنون الشعبية، بمشاركة جميع المؤسسات والجماعات، مما أضفى على المناسبة في السنوات الأخيرة بُعدًا أكثر تجذرًا من الاحتفالات العفوية.
أما في جماعة انمل بمنطقة تافراوت، فتُحتضن الاحتفالات الشعبية في قرى الجماعة بدعم من المؤسسات والتعاونيات المحلية، بهدف تشجيع النساء على مواصلة الاحتفال بهذه المناسبة.
من جهته، قال رشيد العسري، أستاذ مادة الاجتماعيات وفاعل جمعوي، إن موسم أدرنان يحظى بالكثير من الاهتمام، حيث بدأ الاحتفال به منذ سنة 1880م. وأضاف أن هذه المناسبة تُعد فرصة لتبادل الزيارات بين قبائل المنطقة وفق طقوس متعارف عليها منذ ما يزيد عن 130 سنة.
وأشار العسري إلى اختلاف الروايات حول نشأة هذا الموسم؛ فبينما يرى البعض أنه احتفال برأس السنة الأمازيغية، يعتقد آخرون أنه كان دعوة للصلح بين القبائل المتناحرة من أحد شيوخ المنطقة، بعد أن قطعت الصراعات صلة الرحم بين السكان. وترى رواية أخرى أن الموسم كان طلبًا للغيث خلال سنوات الجفاف.
وأوضح العسري أن الاحتفال بموسم أدرنان ينطلق خلال الأسبوع الثاني من يناير، الذي يصادف اليوم الأول من السنة الأمازيغية، ويستمر حتى الأسبوع الأخير من مارس. ويتم الاحتفال بالتناوب بين قبائل منطقة تافراوت، حيث يبدأ الموسم من منطقة أملن باعتبارها المركز الذي يتمحور حوله 32 دوارًا. ويستمر الحفل ثلاثة أيام، بدءًا من يوم الخميس، إذ يتم إعداد وجبة “أوركيمن” من الكرعين والحبوب والخضروات المتنوعة، وتطهى بالطريقة التقليدية دون إضافة الملح حتى يحين وقت المغرب. بعدها، تُؤخذ عينة من المكونات المطبوخة وتُوضع على سطح أحد المنازل كهدية “لأهل المكان”، وهو تقليد قديم يعكس اعتقاد السكان بوجود الجن.
واستطرد العسري قائلاً: “بعد تناول العشاء المكون من وجبة أوركيمن، يبدأ المحتفلون بالدعاء طلبًا لموسم فلاحي جيد، ويستمر الاحتفال يومي الجمعة والسبت”. وأضاف أن هذه الأيام تُخصص لإعداد وجبات تقليدية مثل “أدرنان”، الذي يُعتبر جزءًا من الموروث الغذائي للمنطقة.
وختم العسري حديثه بالإشارة إلى أن موسم أدرنان يشهد تنافسًا بين فرق أحواش، حيث تحرص كل فرقة على الاستمرار في العزف والرقص أطول فترة ممكنة.
0 تعليق