أكاديمية المملكة تتذوق "الطبخ الأندلسي" .. مؤرخ: المطبخ يصنع الأخوة الحقيقية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يومٌ علميّ حول المطبخ الأندلسي، يُعنى بدراسة هذا التعبير المتفرّد للمجال الأندلسي واستمراريته، ويثري معارف الطلبة الباحثين بأبعاده الأنثروبولوجية، ويعيد إحياء وصفاته كما استمرت وتطورت في المغرب وإسبانيا، من خلال تمرين تذوّق نظّمه كرسي الأندلس بأكاديمية المملكة المغربية، الجمعة، بمبنى الأكاديمية في العاصمة الرباط.

قال عبد الواحد أكمير، مسؤول كرسي الأندلس بأكاديمية المملكة المغربية، إن “تطور فن الطَّبخ شكلاً ومضموناً مرتبطٌ بالتطور الحضاري للأندلس”، وإن “المصادر الأساسية للطَّبخ الأندلسي تجمع بين الطب والتغذية، كما يظهر في مؤلفات ابن زهر وابن رزين التي تعود إلى العصر الموحدي، وهي الفترة التي شهدت أبرز مراحل تطور الطبخ في الأندلس، عندما كان المغرب والأندلس موحدين في كيان سياسي وثقافي.”

وأشار أكمير إلى التلاقح الثقافي الذي شهده الغرب الإسلامي؛ فالأندلس تأثرت بالهجرات القادمة من المغرب، وبعد سقوط الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية، هاجر الأندلسيون إلى المغرب، بينما قام الإسبان لاحقاً بنقل الوصفات الأندلسية إلى العالم الجديد، مما جعل “الكسكس” مثلاً من الأطباق التقليدية اليوم في شمال البرازيل، إضافة إلى مناطق أخرى في أمريكا الجنوبية.

قال فرناندو رويدا، مؤرخ وباحث أنثروبولوجي متخصص في تاريخ الطبخ الأندلسي، إن “إسبانيا تحولت على مدى ثمانية قرون من الإسلام إلى مركز جذب لمختلف العلوم، مثل الرياضيات والفلك والطب، وغيرها من المعارف”، مشيراً إلى أن هذا التطور أدى إلى نشوء مفهوم متجذّر للمطبخ الأندلسي امتد إلى ما بعد سقوط غرناطة، وتكوّن مطبخ هجين نتيجة للتأثيرات المسيحية.

وأضاف: “بعد هجرة الموريسكيين، لم يحملوا معهم بيئتهم الطبيعية، لكنهم نقلوا معرفتهم بالذوق. والطماطم التي عرفها المغرب لأول مرة كانت قد وصلت معهُم من أمريكا التي اكتُشِفت حديثاً. وشهد المطبخ تمازجاً بين التأثيرات اليهودية والأمازيغية والموريسكية، وقد انصهرت تلك العناصر معاً في شمال إفريقيا وأمريكا والفيليبين كذلك.”

ويرى المؤرخ أن “الأخوة الحقيقية لم تتكون في السياسة بل في المطبخ؛ فأفضل مكان لصنع السلام بهدوء هو المطبخ”، لافتاً إلى أن “معرفة ما نأكل تُعرّفنا على التاريخ بشكل أفضل.”

وتابع: “تعايش المطبخ المدجن بين المسلمين واليهود، ويصعب اليوم الجزم بأصول بعض الوصفات، هل هي مسلمة أم مسيحية أم يهودية”، وأضاف أنه في الأسواق الأندلسية كان هناك طعام جاهز ومحلات للقلي، كما كانت المعجنات تباع جاهزة.”

ورغم إخراج الأندلسيين من شبه الجزيرة الإيبيرية والمحو الديني والثقافي الذي طال أثرهم ولغتهم، يقول المؤرخ إن بعض الوصفات استمرت، وهناك مصادر من القرن السابع عشر – الفترة الأكثر حرجاً في طرد الموريسكيين – تقدم وصفات أندلسية مثل “الباذنجان المحشي”، و”الدجاج الموريسكي”، و”كيفية تحضير الكسكس”، الذي اختفى لاحقاً لكنه كان حاضراً في بداية العهد المسيحي.”

لكنه أشار إلى إمكانية رصد تغيير أسماء بعض الأطباق التي بقيت من الأندلس، لكنها أصبحت تحمل أسماء مسيحية، حيث جرى تعديل الوصفات المسيحية لتتمايز عن الموريسكيين، مثل إضافة لحم الخنزير.”

وواصل: “دهن الخنزير كان يُعتبر رمزاً مسيحياً لما فيه من تمايز عن المسلمين واليهود، ولما استُخدم في إعداد ‘المجبّنة’ وُجد أن الطعم يسوء، فتم استبداله بزيت الزيتون، كما كانت المقادير الأصلية للوصفة.”

ومن الأطعمة الأندلسية التي استمرت “الزعلوك” و”الشكشوكة”، اللتان أضيف لهما لحم الخنزير، وكذلك الأحشاء المطهية المعروفة في المغرب باسم “التقلية”، وتُعرف في إسبانيا باسم “قلية” وتُعدّ بأحشاء الخنزير، وأيضاً “الأسفيدة” أو “السفود”، حيث تُشوى اللحوم، مع التركيز في إسبانيا على لحم الخنزير المشوي، إضافة إلى سردين مشوي على الجمر. حتى أن اسم “الهامبورغر” يُعتقد أنه لم يُخترع في أمريكا، بل يوجد في المصادر الأندلسية مثل “فضالة الخوان” حيث يُذكر على شكل شطيرة كرات اللحم.”

وأضاف المحاضر: “سبعون في المائة من الحلويات أصلها عربي، حيث تعتمد على الثلاثي الذهبي القرفة والعسل والسكر، مع الدقيق… وقد وضع النصارى لمستهم على هذه الحلويات”، وذكر مثلاً حلويات “تشوروز” المقلية في الزيت.”

ولم يقتصر هذا التبادل الغذائي على ضفتي البحر المتوسط، بل امتد إلى أمريكا الجنوبية بفضل “الجواري الموريسكيات اللواتي رافقن الغزاة الإسبان، حيث توجّهت 400 امرأة إلى أمريكا مع الحملة، ومنهن من تزوج بالسكان الأصليين… فعندما نهاجر نحمل معنا مطبخنا، لذلك نجد اليوم أثراً للمطبخ الأندلسي في أطباق أمريكا الجنوبية مثل الأرز بالحليب والقرفة، و”التفاية”، وخبز الجبن، و”الخبز المعمّر” (المحشو).”

“فضالة الخوان”

سناء الشعيري، المتخصصة في الدراسات الأندلسية والعلاقات الثقافية المغربية الإسبانية، قدّمت مرجع ابن رزين “فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان”، الذي يتناول وصفات الخبز، والثرائد، والأحساء، ولحوم الطير، وأطباق “الصنهاجي”، وطبخ اللسان والكرش، والحيتان والبيض، والألبان، والبقول، والحبوب مثل الفول والحمص، والمعسلات، والخُلول، وطبخ الجراد والقمرون، وأخيراً الغسولات التي تنظف اليدين والفم وتطهر الجسم.

وذكرت المتحدثة أن هذا الكتاب، الذي حققه المفكر المغربي محمد بنشقرون، يُعد “مرجعاً أساسياً للمعلومات التاريخية حول ثقافة الطبخ وآدابه.”

وأضافت: “لذة الطعام تكمن أيضاً في البحث عن أصول الطبخ المغربي المعروف، فمثلاً ما أصل الرفيسة؟ وكعب الغزال؟ والمعجنات؟ فالمغرب نقطة التقاء العديد من الحضارات والشعوب بإطلالته على البحر الأبيض المتوسط، ويجمع بين روافد متعددة، بينها الرافد الأندلسي الذي له تأثير كبير في المطبخ المغربي، إلى جانب الأمازيغي واليهودي والعربي.”

وتطرقت الشعيري إلى حياة ابن رزين، موضحة أنه وُلد في مدينة مرسية الأندلسية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، في بداية الدولة المرينية بالمغرب، وشهد سقوط العديد من الثغور الأندلسية، وانتقل إلى مدينة سبتة مع من هاجروا إلى المغرب هرباً من التنصير القسري، ثم أقام في تونس حيث أنجز جزءاً كبيراً من إنتاجه العلمي والفكري.

وتختتم بقولها إن عطاء هذا العالم الأندلسي “ضاع، ولم يصلنا منه سوى “فضالة الخوان”، وهو مخطوط موجود في الأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد، والمكتبة الوطنية في برلين، وقد استأثر باهتمام الباحثين، وكان أول من درسه فرناندو دي لاغرانخا الذي وعد بتحقيق المخطوط ولم يفعل، حتى قام بذلك المفكر المغربي محمد بنشقرون، الذي درس المخطوط وحققه وأرفقه بمجموعة من الفهارس.”

ويظهر مرجع ابن رزين “فضالة الخوان” “تميز الأندلسيين في مجال الطبخ وبصمتهم الخاصة، بعكس ما يشاع عن تشبّههم بالمشارقة، بل إن ابن رزين كان يستقذر بعض الوصفات المشرقية، رغم تفهمه لأذواق أهلها، ويعلل تعصبه للطبخ الأندلسي بتفوق الأندلسيين في إعداد الطيبات، ولذلك أورد أطباقاً أندلسية عديدة ولم ينتخب من الأكل المشرقي سوى بعض الوصفات.”

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق