في عز احتفالات “إمازيغن” برأس سنة 2975 خرجت بعض الأصوات من داخل الأمازيغ تنادي بضرورة العمل أكثر على تعزيز حضور الأمازيغية واستعمالها في المجتمع المغربي، فضلا عن تحقيق تقدم أكبر على مستوى تعليمها للتلاميذ من خلال اعتماد الحرف العربي في تدريسها إلى جانب حرف تيفيناع.
غير أن هذه الدعوة الجديدة القديمة تلاقي صدا ورفضا كبيرين من قبل مختلف المكونات الأمازيغية، الأمر الذي يرى فيه البعض موقفا متعصبا تجاه كل ما هو “عربي”، لكن ثمة من يعتبر أن هذا الأمر لا يستقيم من الناحية العلمية والمنهجية.
في هذا السياق يرى الباحث في اللسانيات الأمازيغية يحيى شوطى أنه “حينما تثار الأمازيغية في النقاش العمومي في بعض الأحيان يطرح البعض قضية حرف كتابة الأمازيغية، خاصة دعاة الحرف العربي”، مؤكدا حق الجميع في نقاش كل القضايا شريطة أن يكون ذلك بـ”منهجية علمية وأكاديمية”.
وسجل شوطى، في تصريح لجريدة هسبريس الإكترونية، أن “ما يلاحظ على أصحاب هذا الطرح هو نزوعهم نحو وثوقية غير علمية تربط بشكل غير دقيق بين حرف الكتابة وتعلم اللغة”، مشددا على أنه “منذ إقرار حرف تيفيناغ رسميا لم نقرأ لهذا الطرح أي دراسة تعضد توجهه وتدعم الأسس التي بنى عليها طرحه، شأنه في ذلك شأن أصحاب طرح الحرف اللاتيني”.
وزاد الباحث المتخصص ذاته أن مجمل طروحات أصحاب التدريس بغير تيفيناغ هي “انطباعات لا تسند في كثير منها إلا على مبررات خارج لغوية (Extra linguistique)، ومواقف مسبقة لم تكن مُسندة إلى أي دراسة علمية للحسم في مشروعية التبني”، مؤكدا أن “تيفيناغ يبقى أسهل الأبجديات لتعلم اللغة الأمازيغية التي لها خصوصية فونولوجية وصوتية تتفرد بها عن اللغتين العربية والفرنسية”.
وشدد المتحدث نفسه على أن “جميع الأصوات المنطوقة تتحق في حروف مستقلة، ناهيك عن الدلالات الحضارية والثقافية الكبرى لحرف تنيفيناغ”، موردا بشأن تسهيل تعلم الأمازيغية في حال كتابتها بالحرف العربي: “لا أعتقد ذلك، بالنظر إلى جملة من العقبات الإضافية التي ستواجه المتعلم، كضرورة إضافة الحركات (التشكيل)، لأن الأمازيغية تُسكّن في غالب الأحيان، إضافة إلى انعدام بعض الحروف لبعض الأصوات، كالحروف المفخمة (Les emphatisées) كالزاي والراء، والطبقيات المشفهمة (Labiovélaires) الكاف و’الكَاف’ وغيرها من الإشكاليات اللغوية الصرفة”.
وأشار شوطى إلى أن “النقاش المثار يصاحبه الخلط بين مستويين مختلفين في تعلم اللغة، وهما مستوى قراءة الألفبائية ومستوى تملك المعجم والدلالة، إذ ليس كل قارئ للألفبائية بالضرورة متملكا لمعجم اللغة ودلالته”، وفق تعبيره.
من جهة أكد عبد الله بادو، مفتش تربوي للتعليم الابتدائي، أنه “يصعب على أي كان وهو بعيد عن مجال اللسانيات والتعليم أن يتكلم عن أي حرف يناسب كتابة أو تدريس الأمازيغية”، معتبرا أن “عملية تدريس الأمازيغية انطلقت منذ أزيد من 20 سنة بتيفيناغ، ورغم أن الساعات على مستوى التدريس غير كافية أثبتت التجربة نجاعتها، والدليل على ذلك أن طريقة ومردودية التعليم تبين أن التلاميذ يتعلمون بشكل سهل بتيفيناغ ويقدرون على استعمالها في الكتابة والقراءة بسلاسة غير معهودة في تعلم باقي اللغات”.
وذهب بادو ضمن تصريح لهسبريس إلى أن “أي دعوة إلى تدريس الأمازيغية بغير تيفيناغ تدخل في باب الجهل بالأمر ولا يمكن أن يعتد بها، لأنه مجال المتخصصين وليس العامة”، مشددا على أن “اللغة الأمازيغية تمت معيرتها وساهمت تلك العملية في تقليص عدد من الصعوبات التي تواجهها لغات أخرى؛ مثل العربية والفرنسية اللتين تستدعيان مجهودا أكبر من طرف المتعلمين إن أرادوا تعلمهما”.
وذهب المتحدث أبعد من ذلك حين قال: “إن الوقت لا يسمح بطرح هكذا إشكاليات، لأنها حسمت على مستوى المعهد الوطني للثقافة الأمازيغية ثم القانون التنظيمي الذي تبنى حرف تيفيناغ”، معتبرا أن “هذه المطالب لا مبرر لها في الظرف الراهن”، ومبرزا أن “التجربة أظهرت سلاسة في تعلم الأمازيغية بحرف تيفيناغ لدى الأساتذة والمدرسين الذين يلمسونها بشكل يومي في تجربتهم”.
0 تعليق