قال باحثون في القانون الجنائي إن ما دفعت به التنظيمات النقابية بخصوص إمكانية تكييف الوقائع الناجمة عن “احتلال أماكن العمل”، الواردة في مضامين مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، مع الفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي، صحيحٌ، مبرزين أن “المشغل يمكنه النيل من المضربين والزج بهم في السجن وفق هذا المقتضى، في الوقت الذي تتعهد الحكومة بإسقاط العقوبات السالبة للحرية تماما من النص”.
وتفهم الوزير يونس السكوري، خلال المناقشة التفصيلية للمشروع في لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية، الأسبوع الماضي، ما دفع به النقابيون بخصوص “مخاوف التكييف”، متعهدا بـ”صياغة تضمن الوضوح على ألا يتم الإضرار بغير المضربين وسير العمل ومنافذ المقاولات والمؤسسات”؛ غير أن الباحثين قدموا قراءة “قانونية خالصة” ترى أن “النص إذا عاد إلى مجلس النواب في قراءة ثانية بالمضمون نفسه، سيكون مطية بالنسبة للمشغلين للانتقام من الممارسين لحق دستوري”.
الفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي ينصّ على أنه “يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستخدماً الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس، متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل. وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها، جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات”.
تكييف ممكن
المختار أعمرة، أكاديمي أستاذ القانون الجنائي بجامعة محمد الخامس، أشار إلى أن “توظيف مفهوم الاحتلال في حد ذاته يطرح مشكلاً مفاهيمياً داخل البناء القانوني للنص”، معتبرا أن “الاحتلال لا يمكن أن يكون من طرف العمال أو الأجراء في فضاء اشتغالهم بقدر ما يفتح الباب أمام تأويلات والتباسات كثيرة. الغرباء فقط يحتلون فضاءً ما باستعمال القوة والعنف”، وزاد: “المفهوم يطرح مشكلاً لغة واصطلاحاً، والإضراب يمارس داخل مقر العمل حتى يكون له معنى، ويمكن التعبير عن الأمر بالعرقلة بدلاً من الاحتلال”.
ضمن حديثه لهسبريس، أعلن أعمرة اتفاقه مع ما ترافعت بخصوصه الحركة النقابية، موردا أن “المشغل لا يوجد ما يمنعه من تكييف احتلال فضاء العمل مع مقتضيات موجودة في القانون الجنائي وتكتسي صبغة إجرامية”، وأضاف: “يمكنه أن ينتزع القضية من هذا المشروع ويسجل شكاية وفق القانون الجنائي، وخصوصاً الفصل 288، وهكذا سترافق حق الإضراب عقوبات حبسية”.
وبالنسبة للمتحدث، فإن “الحديث عن الاحتلال بشكل فضفاض ودون تدقيق يفتح الباب أمام التكييف، والقضاء الجنائي يختلف لكونه يحكم وفق سلطة تقديرية ينظر فيها القاضي لظروف الحالة، ومن خلالها يمكنه أن يخلص إلى أن الأمر يشكل جناية”، مشددا على أنه “إذا تركت الصياغة على حالها سيتولى مشغّلون تهريب القضية من طابعها الاجتماعي منذ البداية نحو القانون الجنائي”، وقال: “الأخير لا يمكنه في هذه الحالة أن يدفع بعدم الاختصاص”.
سلامة المسطرة
عبد العزيز خليل، باحث في القانون، قال إن “التزامات الجهة الحكومية واضحة بضرورة تغييب العقوبات الحبسية أو التي تكتسي طابعاً جنائياً من هذا القانون”، مشيرا إلى أن “مشروع القانون التنظيمي الجديد اتضح أنه تضمن جزاءات واضحة في صيغة غرامات لتنظم التعاطي مع مقتضياته من طرف الفئات التي يشملها. وبالتالي، كل قضية أو ملف لهما علاقة بحق الإضراب يدخلان حصراً في نطاق هذا النص”.
وبخصوص “احتلال أماكن العمل” وإمكانية تكييفها مع الفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي، قال خليل لهسبريس إن “التعديل الذي يخضع له النص الآن في المستشارين ينتظر المزيد من الوضوح في الصياغة وتفادي التعابير الفضفاضة”، مضيفا أن “النقاش عموما بعيد عن مدونة القانون الجنائي، وهو غير محتمل أن يتم تهريبه نحو قانون العقوبات إذا ضمنت الجهة الحكومية المزيد من الوضوح في الصياغة والمفاهيم”.
وشدد المتحدث على أن “التكييف ممكن ولكن صعب”، مؤكدا أن مشروع قانون الإضراب “هو المستند مستقبلاً بالنسبة للقضاء، وهو يمنح المسطرة السليمة التي يتعين أن يتخذها أي ملف مرتبط بهذا الحق الدستوري”، وزاد: “إذا كنا أمام حالة خارج مقتضيات القانون التنظيمي، فهناك قوانين أخرى يمكن أن تؤطرها، ولكن الإضراب يحتاج أن يبقى في إطار النص التنظيمي وليس خارجه لضمان نجاعة المضامين”.
0 تعليق