بين تفاؤلات حذرة وتوقعات إيجابية .. عجز الميزانية يقسم الآراء الاقتصادية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ثمّن محللون وأكاديميون اقتصاديون، متتبعون لتطورات المالية العمومية بالمغرب، خلاصاتٍ “مشجعة” أفرزتها وضعية تحملات وموارد الخزينة برسم سنة 2024، بعد تنفيذ قانون ماليتها حسب الأرقام الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، مشددين على إيجابية خفض نسبة عجز الميزانية والتحكم فيها عند 3,9 في المائة من الناتج الداخلي الخام (بقيمة 60,9 مليار درهم).

كما لفت خبراء المالية والاقتصاد، الذين استقت هسبريس آراءهم، إلى أهمية الاستمرار في نهج سياسات ضبط العجز الميزانياتي عند أقل من 4 في المائة؛ ما يسهم في ضمان تحقيق الأهداف الحكومية المحددة بحلول سنة 2026 (طموح حكومة أخنوش المعلن لبلوغ 3 في المائة خلال 2026)، ويمنح خزينة المملكة هوامش ميزانياتية مريحة بالنظر للاستحقاقات والأوراش الكبرى المنتظرة.

“تفاؤل حذر”

أكد عبد المنعم مجد، أستاذ باحث بكلية العلوم الاقتصادية والقانونية بمراكش، ورئيس القطب المغربي للدراسات والأبحاث الإستراتيجية، أن “الحديث عن المعدل الحكومي للعجز الميزانياتي يستدعي تفاؤلًا مشروعاً في ظل الأرقام المعلنة برسم سنة 2024، والمتعلقة بالفرضيات المؤسِّسة للقانون المالي السنوي”، وزاد مستدركا: “لكن يجب أن يكون هذا التفاؤل حذرًا من خلال ضبط وتتبع باقي المؤشرات”.

وأضاف مجد، شارحا لجريدة هسبريس ضمن تصريحه، أن “الأمر يتعلق على سبيل المثال بارتفاع الموارد المالية بشكل عام، والضريبية على وجه الخصوص، التي من المتوقع استمرار ارتفاعها خلال السنة المالية الجارية (2025) أيضا”، قبل أن يخلص إلى أن “السؤال المطروح هو هل أسّست الحكومة هذا الرقم التوقعي الإيجابي في نظرها في ما يتعلق بالعجز على متغيّر المنظومة الاقتصادية التي تتأثر بشكل مباشر ببعض التحولات الطارئة المناخية أحيانا والإقليمية أحيانا أخرى؟”.

وفي سياق متصل لفت الخبير الاقتصادي نفسه إلى أنه “يجب تفكيك الزيادة في المداخيل الضريبية وتوجيه مصادرها نحو مرتكز توسيع الوعاء كما هو الشأن بالنسبة لبعض مقتضيات القانون المالي لسنة 2025، كتأميم المادة 22 من المدونة العامة للضرائب والتعامل الحذر مع إصلاح نِسب الضريبة على القيمة المضافة في اتجاه توحيد السعر الخاص بها دون التأثير على القدرة الشرائية”.

“معطى آخر جد محدد” يمكن أن يرسم تحقيق معدل عجز ميزانياتي متحكم فيه، وفق تقدير الباحث ذاته، يتعلق مباشرة بـ”مدى مساهمة القطاع الفلاحي وقيمته المضافة”، وقال شارحا بهذا الشأن: “نَعلم جميعا إكراه الجفاف، فهل للحكومة ما يكفي من الوسائل للرفع من مردودية هذا القطاع بشكل واقعي وقابل للتنزيل، علما أن المالية العمومية مرهونة بمجموعة من الأوراش الهيكلية التي تتطلب موارد إضافية مع ضمان استدامتها، كورش الحماية الاجتماعية والمحافل الرياضية الدولية القادمة؟”، ليخلص بالتالي إلى أن “سؤال تقييم العجز في ظل كل هذه المتغيرات يبقى جد نسبي، بشكل كبير”.

“نتيجة إيجابية”

يرى عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر البحث متعدد التخصصات في الاقتصاد والمالية وتدبير المنظمات بجامعة فاس، أن “تحقيق عجز الميزانية سنة 2024 في حدود 3,9 في المائة، في الواقع، يمثل نتيجة إيجابية في تدبير المالية العمومية بالمغرب”.

وللتدليل على ذلك، أبرز الهيري، مصرحاً لهسبريس، أن “بنك المغرب توقع سابقًا، ضمن تقرير السياسة النقدية لشهر دجنبر الماضي بعد اجتماع مجلسه، أن يصل العجز إلى 3.9% بحلول 2026؛ ما يعني تحقيق الهدف قبل سنتيْن من الموعد المتوقع من طرف السلطات المالية”، راصدا أن “المغرب في الطريق الصحيح للوصول إلى 3 في المائة؛ التي هي بمثابة قاعدة ذهبية في أدبيات تدبير المالية العمومية”.

وفي تقدير المحلل الاقتصادي نفسه فإن “العوامل المؤثرة، أساسا، في انخفاض العجز سنة 2024 تشمل ارتفاع الإيرادات والعائدات الجبائية بأكثر من 14 في المائة باعتبارها نسبة نوعية”، مبرزا أن “الإصلاح الجبائي والتنزيل المُحكم للقانون الإطار (الذي أُقرّ بالإجماع وتشاركيا بعد مناظرة الصخيرات 2019) ساهم في زيادة الإيرادات”.

ويرى مدير مختبر البحث متعدد التخصصات في الاقتصاد والمالية أن “التحكم في النفقات العمومية كان مرتبطاً بتطبيق جيد لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية لعام 2015″، مذكراً باعتماده “مبادئ الحكامة الجيدة، نجاعة الأداء، الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.

كما أثار تحقيق انخفاض العجز بتأثير إيجابي لـ”تطورات الظرفية الاقتصادية وتدخلات الدولة، لأن التحكم في مسار العجز يعد أداة تدخل للدولة في الاقتصاد الوطني، فضلا عن الظرفية الاقتصادية المتأثرة بالتقلبات المناخية وضمان تمويلات المشاريع الكبرى”، مثمناً تقليص العجز كـ”مؤشر جيد على نجاعة أداء تدبير المالية العمومية؛ يستوجب الاستمرار في عقلنة النفقات العمومية وتوسيع الوعاء الضريبي لتحقيق العدالة الجبائية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق